تبريد الرؤوس الحامية يفتح بابا لانتخاب الرئيس

تبريد الرؤوس الحامية يفتح بابا لانتخاب الرئيس

حسين عطايا

من المعروف تاريخياً بأن الرئاسة اللبنانية لم تكن يوماً صناعة داخلية، خصوصاً ما بعد الطائف، بعد أن وضعت الحرب الأهلية اوزارها، ومن ثم بدأت مرحلة جديدة لتطبيق الدستور بوجود الراعي الاقليمي “سورية”، والذي بكل تأكيد عطل أبرز نقاط الإصلاح في وثيقة الطائف والتي دخلت في صلب الدستور اللبناني بعد إقرارها في مجلس النواب، وانتخاب الرئيس الشهيد رينيه معوض رئيسا للجمهورية اللبنانية.

لو عدنا بالتاريخ الى مرحلة ما قبل الطائف فهي لم تكن لتختلف في إمكانيات التدخل الخارجي، ولكن مع فارق وجود رجالات دولة حقيقيين على الرغم من إختلافاتهم في السياسة وحتى في السياسات الاقتصادية ، وأيضاً لم يكن حينها التدخل الخارجي فظاً وعلنياً بالشكل الذي يُمارس اليوم، بل كان يأتي عبارة عن نصائح او عبر إشارات وتحصل انتخاباتٍ فعلية وتأتي احيانا النتائج متقاربة جداً، على عكس مرحلة ما بعد الطائف حيث اصبحت الرئاسة اللبنانية تأتي نتائج تقاطعات لمصالح دولية وإقليمية .

  بعد رحيل الاحتلال السوري دخل لبنان في حالة وصاية إيرانية مستترة عبر ذراعها اللبناني “حزب الله” صاحب اليد الطولى في تحريك مياه السياسة اللبنانية الراكدة حيناً والمتلاطمة في احيانٍ كثيرة، كما هو يمتلك مفاتيح صناعة السياسة في لبنان نتيجة عمليات القضم التي مارسها على مدى ما يزيد عن ثلاثين عاماً ليصبح اليوم المحرك الفعلي للسياسة اللبنانية ويُشكل دولة في داخل الدولة اللبنانية، وحزب الله وحده يمتلك اليوم قرار النقض اي حق الفيتو على كل القرارات السياسية وحتى الاقتصادية وله اليد الطولى في ملف الرئاسة اللبنانية وخصوصاً ان عهد ميشال عون لم ينته منذ فترة طويلة والكل يتذكر قرار وموقف حزب الله إما انتخاب ميشال عون او لا رئيس في العام 2016، إذ استعمل الحزب  الحرب الناعمة التي مارسها فأجبر فريق الرابع عشر من مارس- آذار على الاختلاف والفرقة فيما بينهم وصولا الى التسوية الرئاسة .

أما اليوم، فقد اختلفت الظروف والسياسات الاقليمية والدولية، وقد تتبدل معها اللعبة الداخلية فيما خص الرئاسة اللبنانية مما اعطى زخم اكبر للتدخل الخارجي بالشأن الرئاسي اللبناني، خصوصاً للمحور المناهض لمحور الممانعة الذي ينتمي اليه حزب الله، على الرغم من ان الحزب لازال يمتلك مفاتيح وممرات تُعطيه بعض مكامن القوة للمشاركة الفعلية في فرض تسوية رئاسية قد توصل برئيس للجمهورية اللبنانية متعاون، ولا يكون رئيس تحدٍ لحزب الله، على ان يكون قادراً على التواصل مع جميع القوى المحلية ونسج سياسات وعلاقات تستطيع إخراج لبنان من ازماته التي يتخبط بها منذ ما يزيد عن ثلاث سنوات .هذا من جهة ومن جهة أخرى رئيس يستطيع إعادة وصل لبنان بمحيطه العربي الذي يستطيع فعلاً مساعدته مما سيتلقاه من مساعدات يحتاجها، كما يلقى هذا الرئيس توافق دولي من القوى الفاعلة في الاقليم والدولي .

اما عن المعارضات اللبنانية على الرغم من تعددها وتعدد اسمائها فهي اشبه بلوحة فُسيفساء تجتمع على رقعة من قِماش، تتشابه لكنها مختلفة الالوان قد تتناسق حيناً وقد تتناقض في اكثر الاحيان .

إذن، انتخابات الرئاسة اللبنانية تنتظر توافقاً إقليمياً ودولياً خصوصاً الدول الفاعلة، الولايات المتحدة، فرنسا، والعربية السعودية، أما ايران اليوم مشغولة بالداخل نتيجة ما تشهده ساحاتها ومدنها من ثورة شعبية لم يسبق ان عاشتها الجمهورية الاسلامية الايرانية منذ تأسيسها مما سيقلل من فرص تدخلها الفعلي بل الامر متروك الامر لحزب الله.

ويبدو ان  المعلومات تتقع حول حصول شبه  توافق حول شخص قائد الجيش اللبناني العماد جوزف عون والتي قد تُتيج له فرصة الانتقال من قيادة الجيش في اليرزة  الى القصر الجمهوري في بعبدا  ليُصبح الرئيس الرابع عشر للجمهورية اللبنانية .

هذا الامر مرهون فيما سيتظهر في الاسابيع والاشهر القليلة القادمة حيث تتمظهر بشائر طبخة سياسية قد تكون باباً لولوج لبنان الى مرحلة سياسية مستقرة تُساهم في تنامي الاقتصاد وخروجه من شرنقة الازمات التي يعيشها وقد تتسارع هذه المرحلة فيستطيع لبنان التقاط انفاسه عبر اتفاق مع صندوق النقد الدولي بعد ترتيب بعض الإصلاحات الضرورية لا سيما في قطاعي الطاقة والادارة العامة وظبط الحدود اللبنانية، مما سيُشكل مدخلاً لتلقي لبنان مساعدات من الاشقاء العرب القادرين “دول الخليج العربي، وعلى رأسهم المملكة العربية السعودية، مما يُعطي لبنان أملاً في النهوض من كبواته الكثيرة والمتعددة التي عاشها في السنوات الست الاخيرة والمتمثلة بعهد ميشال عون ومن خلفه حزب الله الراعي والحامي لعهده وسياساته والتي ادخلت لبنان في نزاعات وخلافات مع المحيط العربي .

الرئاسة اللبنانية رهن سياسات التعطيل الداخلي، وعدم استعجال الفاعلين في المجالين الاقليمي والدولي، والذين يُعدون الاجواء المناسبة لإنضاج الطبخة الرئاسية، بعد القيام بعملية تبريد بعض الرؤوس الحامية بعد ان تكون قد دخلت فعلياً في المأزق، مما سيُسهل التدخل الخارجي وفرض تسويةً تُسهل عملية انتخاب الرئيس العتيد.

شارك الموضوع

حسين عطايا

ناشط سياسي لبناني

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *