غربان الشؤم المنذرون بالهزيمة

المصطفى مفتاج
لا أحب تخوين أيٍّ كان وأحاول قدر المستطاع أن أتَخَلَّصَ من الغضب الذي ينتابني حين أسمع أو أقرأ ما يثير فيَّ الغضب، قبل أن أجْتَهِدَ في اختيار التعابير لكي يكون تحليلي وجوابي، إن أجبتُ على ما يُغْضِبُني، هادئا ومفيداً، خصوصاً، والأمر يتعلق ب”غزة” وفلسطين والشرق القريب، وبالحرب القائمة.
ولأن قلماً أو لساناً لا يدور حولَ نفسهِ، سبعَ مراتٍ، قبل أن يتكلم لن يسمع قولي غاضباً أطلَّ أم حليما. ولن يُعيرَه أي اهتمام. وسأبادله نفس الإعراض، وأتوجه لمتابعي “السؤال الآن”.
تتواتر علينا الأحداث الكبرى تباعا، حرب الإبادة المستمرة، على مدار الساعة في “غزة”، الجنون الإجرامي للمستوطنين المدعومين بالجيش في الضفة الغربية والقدس وباقي فلسطين، الغارات اليومية على لبنان وسوريا، ثم الاعتداء الغاشم الإسرائيلي- الأمريكي على إيران.
تتواتر علينا الأحداث بسرعة مذهلة، لأن الحرب أيضا إعلامية تستهدفنا وتستهدف الرأي العام العالمي المناضل ضد حرب الإبادة واستفحال الاعتداءات، تغطي على هذه الجبهة وتركز على الصور التي تريد، في بروباغاندا، تريد في نفس الآن التخويف والإذهال وإخفاء وجه الهمجية البشع، ومحو حضور الضحايا أو الأهداف الحقيقية، وعلى رأسها الشعب الفلسطيني ومقاومته الوطنية وكل مقاومة.
وكأي بروباغاندا، تجيد استعمال آليات الكذب و”الذكاء الاصطناعي” والهيمنة والخلط، فهي تعتمد على سلاحين رهيبين: سلاح المصطلحات والمفاهيم والعناوين حيث تصبح المقاومة إرهابا، والتصدي تهديدا وجوديا، والاعتداء دفاعا عن النفس، ولا بأس إن كان استباقيا. أما السلاح الثاني فيتمثل في عدد كبير من المعلقين والمتابعين “المستقلين”، من مختلف الألوان السياسية ولهم روابط ما بالمنطقة، لغوية أو جغرافية، ولا بأس إن كان بعضهم أو جلهم، تحركهم نوايا حسنة وعواطف نبيلة وتعاطف مع “الأطفال” والضحايا.
لكن، نقطة الضعف الهائلة لهذه الحرب، هو التاريخ. لهذا رأينا كما لو أن تاريخ القضية الفلسطينية ابتدأ مع 7 أكتوبر 2023، وكما لو أن إيران انتهت مع الضربات الأمريكية وتصريحات الرئيس الأمريكي.
ولهذا أقول، لكل الذين يستمتعون، بالهزيمة الساحقة التي ألحقتها الولايات المتحدة، بإيران “الصفوية” المُلاّلية” والشيعية، أن حرب الاثني عشر يوما من الغارات ليست إلا حلقة جديدة، من حرب ضد إيران، ابتدأـت منذ الإطاحة، بنظام الشاه سنة 1979، وعرفت فصولا كثيرة، منها حرب “صدام حسين” بالوكالة في عقد الثمانينيات، واستمرت بالحصار وحجز الأموال الخ…
كان من المفروض بعد كل هذه العقود الطويلة من الاعتداء أن ينهار النظام الإيراني، خصوصا وأن كل “الأخبار” تؤكد أن هذا النظام، منغلق لا يحترم عددا من الحقوق الأساسية للمواطنين الإيرانيين، لكنه نظام لا يختلف عن أي من “جزر الديمقراطية والتفتح” بما في ذلك، “الديمقراطية الوحيدة في المنطقة”، كما يقولون.
بل إن هذه البلاد، استطاعت أن تصبح قوة صناعية وتكنولوجية حقيقية، ومُصَدِّراً لأسلحة متقدمة كالصواريخ والمسيرات. ولعل السؤال الحقيقي هو: كم دولة في العالم تستطيع أن تصمد في نفس الظروف ورغم مثل كل العقوبات والعدوان، الذي عرفته إيران؟
شخصيا لدي ما يكفي من أسباب التحفظ من نظام “طهران” وعلى كل المستويات. ولدي العديد من الاختلافات حول سلوكه، مباشرة وبشكل غير مباشر، في حماية نظام “الأسد” في سوريا، مثلا..
لكنني أعتبر أن من قلة النبل، ألا نتضامن مع المعتدى عليه، من طرف قوى استعمارية متغطرسة. مع العلم أن المبرر المقدم هو رغبة “إيران” في امتلاك السلاح النووي، في حين أن أحد المعتديَيْن لا يلتزم بمعاهدة الحد من الأسلحة النووية ولا يأبه بالقانون الدولي، في حين أن برنامج طهران، يتم في إطار اتفاق مع الدول الدائمة العضوية في مجلس الأمن وألمانيا، وتم تأكيده بقرار لمنظمة الأمم المتحدة. وفي نفس الآن الذي يسمح هذا البلد لمفتشي الوكالة الدولية للطاقة الذرية، بتفتيش منشآته.
وقبل أن أنهي هذه المقالة، أود أن أعبر عن حزني وأسفي، حين أقرأ في مقالات تنشر في موقع “السؤال الآن”: تعابير مثل “أذرع إيران”، إشارة إلى حركة المقاومة اللبنانية، و”حزب الله”، وحركة المقاومة اليمنية “الحوثيين” وحركتي المقاومة “حماس” و”الجهاد الإسلامي” الفلسطينيتين.، وسأعود بتفصيل أكثر، إلى هذا النزوع، لدى البعض، إلى الإساءة إلى نقاط الضوء القليلة التي تقاوم حرب الإبادة في فلسطين والاعتداءات المتواصلة على لبنان وغزة.
وفي نفس الآن، لا أجد معنى للحديث عن غزة، وما يجري أمام أعيننا أفظع وأقسى مما يمنك تحمله، فبعد مصائد الموت الأمريكية-الإسرائيلية، ومضاعفة الغارات والقنص في سباق من أجل إبادة أكثر ما يمكن من الفلسطينيين، وبعد، استئساد المستوطنين في الضفة والقدس، يضيف العدو درجة أقسى من السادية بتلغيم الطحين الموزع في نقط “التوزيع” الأمريكية، بمخدرات صلبةٍ وكأنما أن تجنيد اللصوص وقطاع الطرق كان يتطلب الاستفادة من الظرف لتصريف حبوب مخدرة شديدة الخطورة “أوكسيكودون“.