قراءة في خطاب ناصر الزفزافي

قراءة في خطاب ناصر الزفزافي

عبد الرحمان الغندور

            رسالة ناصر الزفزافي إلى الذين حملوا ضده سهام الاتهام، ورموه بتهم الخيانة والانفصال، كانت رسالة مسؤولة في ألمها، ومتألمة في مسؤوليتها. لم تكن رسالة من موقع العداء والانتقام، وليست انتصاراً لفكرة، ولا تحطيماً لخصم، ولكنها كانت نداء للمصالحة مع الضمير، ونداءً إلى القلب والعقل.

لقد اتهموه بأنه أراد تمزيق وحدة هذا الوطن، وحملوه ما لم يحملوا أنفسهم وهم ينهبون الوطن ويفسدون فيه، ويعبثون بثرواته ومقدراته. وها هو ناصر الزفزافي في لحظة مفصلية من حياته، أمام جثمان والده، يذكر الجميع بأن هذا الوطن هو بيتنا جميعاً، لا يُقسم بالأحشاء ولا بالدماء، بل يُبنى بالتسامح والإنصاف، والعدالة والكرامة.

لم يعلن ناصر تراجعاً عن موقف، ولا اعترافاً بخطأ، بل طلب شيئاً أعمق من ذلك بطريقة غير مباشرة كما يستوحى من كلمته المقتضبة. طلب أن يستغفر الجميع لهذا الوطن. أن يستغفروا لتراب عاش عليه الآباء والأجداد، وأن يستغفروا لمستقبل الأبناء والأحفاد، الذي لن يُبنى إلا على أساس من الوحدة والتصالح.

الاستغفار ليس ضعفاً، بل هو قوة. والاعتذار للوطن ليس هزيمة، بل هو نصر للضمير الحي. فمن يعتذر للحجر والشجر، للتاريخ والمستقبل، هو من يعرف قيمة الانتماء الحقيقي لهذا الوطن.

لقد اتهم الحاكمون ناصر الزفزافي بالخيانة والانفصال وهو بريء منهما، وحكموا عليه هو ورفاقه بأحكام طبعها الانتقام والعدوانية. وها هي كلمته تكشف بما لا يدع مجالا للشك أنها تهم باطلة، وأن من اتهموه مطالبون بالاعتذار وطلب العفو من الوطن الواحد الموحد، بإيقاف النهب والفساد وتلبية المطالب المشروعة التي أدت إلى انتفاضات عمت جهات الوطن في الريف وجرادة وسيدي افني…الخ وإطلاق سراح كل معتقلي الحراكات والاحتجاجات وإيقاف المتابعات التي تستهدف خرية الرأي والتعبير.

إن كان في صدور الحاكمين موقف تجاه ناصر ورفاقه وكل النشطاء، فليكن، ولكن ليس من حقهم أن يسمحوا لمواقفهم أن تقف حاجزا بينهم وبين حب هذا الوطن. وأن لا يدعوا الرؤى الضيقة تذهب بوحدتنا، وتصفي مكاسبنا وتعدم حريتنا في الاحتجاج والتعبير.

لقد كانت كلمة ناصر الزفزافي رسالة تصالح ومصالحة. فعلى الحاكمين أن يلتقطوها من أجل التصالح مع ضمائرهم والتصالح مع الوطن بالاستغفار له وطلب عفوه.

شارك هذا الموضوع

عبد الرحمان الغندور

كاتب وناشط سياسي مغربي

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

error: المحتوى محمي !!