تحت رحمة الخرافة والسلاح

تحت رحمة الخرافة والسلاح

باريس- المعطي قبال

خلال بحثه في المعجم البربري لمنطقة فكبك، اكتشف حسان بنعمارة (وهو باحث متخصص في اللغة والأدب الشفوي الأمازيغي منذ 1990 وله عدة دراسات في هذا المجال)، الميدان الرحب للأدب الشفوي، وبالأخص للحكليات التي أفسحت المجال لدراسة الميثولوجيا أو الأسطورة أو الخرافة بهذه المنطقة الشيء الذي مكنه من صياغة إشكاليات تنتمي لهذا الميدان الشاسع. ويطرح كتابه «أسطورة أمازيغية، منشورات لارماتان» عدة تساؤلات عن إمكانية وجود ميثولوجيا بربرية بنفس الكيفية التي نتحدث فيها عن ميثولوجيا إغريقية، سلافية، إفريقية، آسيوية الخ..

هل توجد ميثولوجيا في موضوع أصل العالم، في موضوع الآلهة لدى الامازيغيين يتساءل الباحث؟ كيف أمكنهم ترتيب الفوضى الكونية. هل كانت بحوزتهم نصوص دينية ماقبل إسلامية بل نصوص دينية منسوبة للدين الإبراهيمي بشكل عام؟ ماذا تبقى من الأديان التي ابتكرها ومارسها أسلافهم وماذا تبقى من تصورات الكون التي تم إثباتها لديهم . كيف استطاعت هذه الشعوب التي يقال عنها أنها «بلا كتابة»، أن تنقل لنا تجربتها للعالم؟

هذه الأسئلة وغيرها قادت الباحث إلى التنقيب في كنه الأدب الشفوي لهذه المنطقة التي تكاد تكون محجوبة وضائعة وسط الصحراء الشاسعة لكنها ومع ذلك على تواصل مع العالم المتوسطي والإفريقي. ذلك أن الواحات ليست مرادفة للانطواء على الذات. في هذه الدراسة قام الباحث بسفرة باحثا وجامعا لمواد بإمكانها تكوين تراث يخص الميثولوجيات البربرية. الباحث هنا يأخذ مكان  عالم الأركيولوجيا الذي ينقب، يقلب المسطحات، يرتب المواد قبل أن يؤلها ويقاربها. إنها مغامرة علمية الغاية منها وضع سياج من حول حقل ثقافي وبحث علمي شاسع لكنه ينفتح على مشروع واعد. الحديث عن أسطورة بربرية معناه الحديث عن أساطير متعددة ومتباينة، هي أيضا أمازيغية أو بربرية. حتى مفهوم بربرية تتطلب مقاربة يقارن بموجبه هذا التراث مع تراث أكثر رحابة بحيث يتشكل من جميع الشعوب المتاخمة للأمازيغ أو تلك التي تربطها معهم علاقات مباشرة عبر المتوسط شمالا والقارة الأفريقية شرقا وجنوبا. قادته طريقة المقارنة هذه إلى النظر في الشعوب الأكثر قربا وبعدا من الأمازيغ مثل السلتيين، المصريين، الاغريق، البابلونيين، الآشوريين، الهنود والأفارقة. إعادة تشكيل ميثولوجيا بربرية كجزء من أساطير تعددية يبقى تحديا طموحا. الميثولوجيا التي درسها الباحث تنحدر من مناطق إيفايي، الأطلس الصحراوي، جبل لقصور في فكيك، جنوب وهران، بلاد زناتة. كما انصب البحث على دراسة ميادين غالبا ما تم تقديمها على أنها لا تمت للأساطير بصلة مثل الحفلات الموسمية، الطقوس، تعاويذ الأضرحة والشرفاء، البحث عن الكنوز، الروابط مع الأسلاف والموتى، السلالات، أضرحة الموتى والحياة الروحية والطرقية الدينية التي ازدهرت خلال القرن السادس عشر في المجال الذي انكبت عليه دراسة الباحث. يسعى حسان بعمارة إذا إلى إضاءة طبيعة الأساطير المستعملة واستغلالها من طرف الحركات الدينية في بحثها عن شرعية وسط أو ضمن المواطنين. لكن إن وظفت جميع الطرقيات الخرافات (من بينها خرافات الكرامات المشهورة)، فتجدر الإشارة إلى أن بعضها غالى في استعمال هذه الصنائع مثل الطرقية الشيخية.

استعمل الفاتحون للمنطقة سواء منهم العرب، العثمانيون، والفرنسيون فيما بعد، هذه الأساطير أو الخرافات لبسط نفوذهم بالمنطقة. وكانت الخرافات والسلاح الوقود الذي اشتغلت به القوى النافذة وأيضا حركات التحرير المعارضة التي لجأت بدورها إلى هذين الأداتين. ويضرب الباحث مثالا لبعض الشخصيات السياسية بشمال إفريقيا في القرن العشرين والواحد والعشرين التي استخدمت الخرافة كسلاح سياسي مثل المهدي بن بركة والخوارق التي كان يتميز بها. يقف الباحث عند صعوبة التعريف والتحديد: كيف يمكن التمييز بين الخرافي وغير الخرافي البربري في منطقة ومساحة شاسعة عرفت غزاة، محتلين، مغامرين، مستعمرين وتجار؟ لذا يمكن النظر لهذا البحث كمساهمة في إعادة ترميم قسم من الفكر والثقافة الأمازيغية، وهو قسم بقي أسيرا للظل أو سجينا لحميمية أولئك الذين لا يزالون، على قلتهم، نقله وتعليمه.

Visited 1 times, 1 visit(s) today
شارك الموضوع

المعطي قبّال

كاتب ومترجم مغربي - رئيس تحرير مساعد لموقع "السؤال الآن".

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *