الأَرْمَلةِ الإغْريقية
إلى السيدة هِيلِينْ
- هَا أَنْتَ تَحرَّرْتَ – مِنَ الآن ستَتَكَلَّمُ
- لُغَتَكَ الأُخْرى
- سَيَكُونُ لَكَ لَيْلُكَ الجَديدُ
- والنَّهَارُ الضَّحْلُ الشَّحِيحُ بضَوْئِهِ سَيَنْأَى
- يُمْكِنُكَ أن تَتَبَعْثَرَ كَذِكْرى إن شِئْتَ
- وتُولَدَ مِنْ جَديدٍ في الصُّوَر
- يُمْكِنُكَ، حيثُ أَنْتَ الآنَ، أَنْ تَخْضَرَّ
- صِرْ قِنديلَ لَيْلٍ، صِرْ ظِلًّا
- لِيَرْتَحِ المُنَاوؤُونَ أَيُّها المُوغِلُ في التُّرَابِ، وفي المَدَى
- لِتَرْتَحِ الشُّجَيْرَاتُ الطَّيِّبَاتُ بِقُرْبِكَ
- كَمْ شَذَّبْتَ العَالَمَ بلَمْسَةِ يَدِكَ!
- وهَا صَمْتُكَ يَحْمِلُ المِفْتَاحَ
- يَحُلُّ جَارًا عَلى العُشْبِ ولَا يَتَكَلَّمُ
- عَلَى نَحْوٍ غَامِضٍ، صِرْتَ بِفَمٍ مُنْصَهِرٍ
- والوَرْدَةُ الحَمْرَاءُ عَلَى صَدْرِكَ
- هَلْ تَعْرِفُ؟ مَنَحْتَني حَيَاتَكَ وقَلْبَكَ الحَيَّ كَسَاعَةٍ
- ثُمَّ انْصَرفْتَ فَجَعَلْتَنِي أَنْدَسُّ في اسْمِكَ إِلى الأَبَد
- أَسْتَلْقي في مُذَكِّرَاتِكَ كَأَنَّ لِي نُزُوعًا إِلى التَّارِيخِ
- وهَا سَاعَةُ قَلْبِي تَنْبُضُ من أَجْلِكَ
- كُلُّ رَعْشَةٍ في جَسَدِي لَكَ
- والكَلِمَاتُ، مَا أَكْثَرَ الكَلِمَاتِ في فَمِي، وَلَا تَفِي
- ليس لي دَلِيلٌ لأُقْنِعَكَ بِأَنَّكَ حَيّ –
- أنْتَ تَعْرفُ كلَّ هذا الغُبَار مِنْ حولي. ولَعَلَّكَ متأكد أن تلك التمارينَ على الشيخوخةِ التي لَقَّنْتَنِي قد تَنْفَعُني الآنَ. لم يَحدُثْ شيء بَعدَكَ، فقط المُعَزُّون كُثْر. هل كان لكَ كل هَذَا القَدْرِ من الأصدقاء وأنا لا أَعْرفُهم ؟ ! والصَّدِيقاتُ، أُولَاءِ الصديقاتُ الباكياتُ، هل هُنَّ طراوَتُكَ التي زَرَعْتَها فِي الكَوْن ؟ حتى حِينَ فَقَدتَ صَوْتَكَ، بَقِيتُ الشخصَ الوحيدَ الذي أَسْمَعُكَ. حَتَّى حِينَ انْصَرَفْتَ، هَا أَنَا أُحِسُّ بِكَ تَنْقُرُ ثُقَبَ عِظَامِي فأَسْمَعُ نَايَاتِ الرُّوح. قُلْ لي الآن ما الذي تَفْعَلُهُ لمَّا يَسْتَحْلِكُ اللَّيْلُ ؟ بالنّسبة إِليَّ، في مسَاءَاتي الأخيرةِ صِرتُ أَرَى الأُفقَ يتَضاءَلُ. فجأةً، وبعكْسِ مَا عَرفْتَنِي، بَدَأْتُ أُقْنِعُ نَفْسِي بَأنَّكَ باقٍ في الأرض التي سَتَبْقَى.
- يَاااااهْ، كُلَّ يَوْمٍ يَأْتُونَ، يُحدثُونَني عَنْكَ كأنَّنَا لم نَكُنْ وَاحِدًا، كأنني لَسْتُ الآنَ اثنَيْن !
- أَجْلِسُ الآنَ، هُنَا عَلَى رُخَامِ مَهْدِكَ–
- لا تَفَرَّقْ عَلَيَّ !
- لم يَعُدْ لَدَيَّ مَا يَكْفِي، يَاحَبيبي، لِأَمْنَحَ لِلدَّمْعِ ما تَبَقَّى مِنْ حَيَاتي لَكَ.
- ذلِكَ الجِدَارُ الذي يَامَا اتَّكَأْتَ عَلَيْهِ يتَصَدَّعُ الآنَ.
- والحُزْنُ مُحْتَشِدٌ كَقُطْعَانِ اللَّيْلِ –
- سَيَخْسَرُ كما أَخْسَرُ.
- وسَيَرْكَعُ، هَذَا الحزْنُ، كَمَا أَرْكَعُ عندَ حَافَّة مَهْدِكَ الآن.
- الأصدقاءُ هَيَّؤُوا الرُّخَامَ وحَفَرُوا اسْمَكَ عَلَى الشَّاهِدَةِ.
- فقط لو لي بِشُبَّاكٍ صغيرٍ لِأَضَعَ بَاقَاتي حينَ سَأَظَلُّ أَجيءُ.
- أوووهْ، لم أَرَ مَنْ كَانَ يَنْبغي أَنْ أَراهُمْ – ولكِنَّني رَأَيْتُ.
- هُوَ ذَا المَوْتُ الذي لا يَكْتَفي مُنْذُ أَوَّلِ الأَرْضِ !
- هَلْ عَلَيَّ الآنَ أَنْ أَتَعثَّرَ بين الجُثَثِ ؟
- لأعْرِفَ أَنَّكَ أَنْتَ أَيضًا تَمُوتُ !
حسن نجمي – شاعر وروائي مغربي
Visited 4 times, 1 visit(s) today