في نقاش وثيقة الحزب الشيوعي اللبناني: الحياة لا تحب الفراغ (5)

في نقاش وثيقة الحزب الشيوعي اللبناني: الحياة لا تحب الفراغ (5)

حسين قاسم

قراءة نقدية لمشروع الوثيقة السياسية التي قدمتها اللجنة المركزية للحزب الشيوعي اللبناني للمؤتمر الثاني عشر للحزب الذي عقد في مطعم الجسر ــ الدامور، يقدمها عضو المكتب السياسي السابق في الحزب الشيوعي اللبناني حسين قاسم. 

هنا نص الحلقة الخامسة ويتناول فيها معالم القضية الوطنية اللبنانية راهناً، وعنوانها “من أجل لبنان وطن حُر لا ساحة ولا ملعب لأحد، من أجل إنهاء النفوذ الإيراني والتدخلات الخارجية كافة في لبنان”. 

كما أسلفنا في الحلقات السابقة، كانت الإخفاقات والنجاحات تتصل بإكتشاف القضية المركزية أمام الشيوعيين والوطنيين واليساريين تبعاً لكل مرحلة، ورأينا كيف حصل التراجع الكبير في مرحلة الخمسينات والستينات في أعقاب الموقف الخاطئ من القضية القومية بصفتها قضية وطنية ايضاً، ثم كيف حصل النهوض عند تصحيح الموقف بعيد هزيمة الانظمة العربية في العام 1967، والتمازج بين القضايا الوطنية والاجتماعية والقومية، وتأثيره على النهضة اليسارية المحققة في حينه، ثم كيف كان تأثير اطلاق جبهة المقاومة الوطنية اللبنانية (جمول) على الخروج من تحت رماد الاحتلال الاسرائيلي وإنبثاق حركة مقاومة ثورية تنويرية علمانية وطنية صافية، لاول مرة في التاريخ العربي المعاصر، ثم كيف حصلت الهزائم وتدحرج الإحباط منذ ضياع البوصلة والخوف المتمادي بعدم الرؤية الدقيقة للقضية المركزية، وتالياً عدم صياغة موقف دقيق للقضية الوطنية اللبنانية، لا سيما بعد اندحار العدو وتحرير لبنان في العام 2000. 

بيد إنه تم التعرض بدقة لحيثيات الأوضاع المختلفة بالحلقات السابقة، إنما ما اود قوله في خضم النقاشات الدائرة في أروقة المؤتمر الثاني عشر هو أن النفوذ الايراني في لبنان صادر سيادته وقراره السياسي الخارجي، لما لهذه المسألة من أهمية بالغة على الأزمة المتعددة الأشكال التي تعصف بلبنان حاليا وقد صار خطرها يهدد وجوده الاصلي كوطن وكشعب، وقد وصل الامر الى حد تغطية جماعة ايران لاكبر تعدٍ على السيادة الوطنية من خلال التخلي عن الثروة الوطنية البحرية، نعم لا يمكن للمنظومة الحاكمة من أن تُقدِم على خيانتها وتخليها دون إذن وتصريح وتشجيع من حزب الله والأخطر أن هذه الهدية تُقدَم للعدو عشية الاتفاق النووي الايراني.

أيضاً بان للعيان أن النفوذ الإيراني في لبنان عبر حزب الله يحمي أخطر عصابة فساد في التاريخ وعنيت بها السلطة اللبنانية الحاكمة، ثم والاهم إن المقدمة اللازمة لإسقاط السلطة وإحداث التغيير المنشود عليه أن يبدأ بإنهاء النفوذ الايراني في البلاد، مع الحرص على إنهائه بالوسائل السلمية وعدم الإنجرار للحرب والعنف مهما كلف الثمن، وذلك بالإعتراض على نهجه علناً ودون مواربة ومباشرة، وفتح نقاش مباشر مع بيئته ونقاشها من خلال الحرص عليها، وبالوقت نفسه التصدي للدعوات الطائفية والعنصرية والمذهبية، والقيام بمبادرات مختلفة لخرق هذه البيئة، لا سيما أن من كان له الفضل الأكبر في تحرير الارض هو قادر أكثر من غيره على التوجه لتلك البيئة، بالحجة والمنطق والنقاش الموضوعي، إضافة لوسائل الضغط الاخرى في المناسبات الديمقراطية من النقابات والبلديات إلى الانتخابات النيابية. 

ثم عبر خطاب لا لبس فيه، يؤكد على قيام الدولة وحصر المهمات الوطنية فيها، لها يعود قرار الحرب والسلم، ومن أجل قيام ميزان قوى يفرض على الدولة العتيدة حماية لبنان وشعبه من أي إعتداء إسرائيلي أو غيره. ثم وبالصراحة ذاتها نقول أن الشعب اللبناني عبر مقاومته حرر أرضه وهزم عدوه، وأن نؤكد على فكرة هزيمة العدو، فالعدو المهزوم لن يكرر عدوانه ببساطة كما يتصور البعض لكن هذا يتطلب أن تبقى فِكرة مقاومته على إنها نهج للتحرير وليس للتحريك، نهج وطني مستقل ليس تابعاً لاية جهة خارجية، نهج يدافع عن الوطن فقط وليس عن أوطان أخرى وتدخلات هنا وهناك، وأن توضع إستراتيجية دفاعية لا يكون عنوانها مصادرة سلاح هذا أو ذاك بل كيفية اشراك الشعب كله في الدفاع عن الوطن بقيادة الدولة، ولكي نستكمل المشهد يجب أن نؤكد أن لبنان لا يوقع سلماً مع العدو حتى لو وقع العرب كلهم، نحن حررنا أرضنا بدمنا وتعبنا وعرقنا ولسنا بحاجة لإستعادتها بالصلح او بالتفاوض، بالمقابل فإن ما يجري بالناقورة هو أخطر من التطبيع والصلح، وما جرى ويجري من تدمير ممنهج لمقومات الشعب اللبناني هو مقدمة لكسر شوكة اللبنانيين وإجبارهم على قبول ما هو أخطر من الصلح مع العدو. إن القضية المركزية اللبنانية تتمركز في إعتبار أن لبنان صار وطن وبناء عليه وكما تحرر من الاحتلالات والتدخلات كلها عليه أن يستكمل آخر مهمة وهي إنهاء النفوذ الإيراني في لبنان وإطلاق سراحه. 

وعلى الحزب الوطني الذي كان سباقاً في تقدم الصفوف من أجل القضايا الوطنية للشعب عليه أن يحمل الراية لتحقيق هذا الهدف الوطني الاساسي، سوى ذلك سيتقدم من يحمل الراية فالحياة لا تُحب الفراغ.

Visited 22 times, 1 visit(s) today
شارك الموضوع

حسين قاسم

ناشط وكاتب سياسي لبناني