لبنان: السلطة تستنفر ماكيناتها والثوار يناقشون جنس الملائكة
درويش حوحو
مع اقتراب موعد الانتخابات النيابية في لبنان المحددة في الخامس عشر من ايار- ماي المقبل، تتظهر الألغام والعقبات التي تواجه قوى “انتفاضة 17 تشرين” التي انطلقت في العام 2019 في هذه المعركة. وتعكس هذا الأمر الحوارات واللقاءات المتتابعة للتوصل إلى توافقات تنتج لوائح موحدة تستطيع منافسة لوائح السلطة. وسط تأكيد على أحقية الشعارات والمطالب التي رفعتها “انتفاضة 17 تشرين”. وفي طليعتها احترام الدستور والقوانين، والقضاء على الفساد المستشري الذي مارسته قوى السلطة على مدى عقود وأدى إلى انهيار الوضع الاقتصادي والمالي والتخبط السياسي في ظل سيطرة ميليشيا حزب الله وإمساك هذا الحزب بالقرار السياسي والمالي والأمني. فهذه السلطة بغالبية أحزابها وقواها وميليشياتها، استكملت إلى حد بعيد استعداداتها لهذا الاستحقاق، من اختيار للمرشحين واستنفار ماكيناتها الانتخابية وغيرها من المتطلبات اللوجستية التي تتطلبها معركة الانتخابات، فيما قوى “17 تشرين” ما زالت تراوح مكانها وتناقش في جنس الملائكة. مع استثناءات قليلة حيث ظهرت بعض اللمحات للتلاقي في بعض الدوائر في منطقة الشمال والبقاع الغربي، وأطلقت نوايا حسنة في التحالفات، فيما الدوائر الأخرى ما زالت على حالها.
وهذا المأزق إن صح القول، يعود إلى تعدد قوى الانتفاضة وتنوعها، من مجموعات وأحزاب وقوى طامحة إلى الوصول للندوة النيابية. ولعل أبرز الألغام والصعوبات تبرز في الصراع القائم بين ما يسمى المنصات، مثل “نحو الوطن” و”كلنا إرادة”، والتنافس فيما بينها على كسب ود المجموعات، على خلفية الاستعداد لتقديم الدعم المالي واللوجيستي.
وهذا الأمر أدى إلى انقسام خطير بين اتجاهين، الأول ما يسمى المعارضة والثاني التغييريين، الذين يرفضون بالمطلق التحالف أو التعاون مع المعارضة. هؤلاء “التغييريون” يتبعون مواقف حادة ومتطرفة تصل إلى حد العدمية. وعلى الرغم من كل الجهود المبذولة من القوى الحريصة على التلاقي بين الجميع لم تصل إلى نتائج إيجابية حتى الآن، بالرغم من عدم وجود فروقات أو اختلافات في وجهات النظر السياسية والبرامج الانتخابية، ومما يزيد الوضع تأزما، بروز جماعات وأحزاب تعمل لاستعادة موقعها السياسي بمحاولة ضخ الأموال والمساعدات هنا وهناك. وكأنها تود شراء لائحة انتخابية لصالحها. بغض النظر عن التأثير السلبي لموقفها. وعلى هامش هؤلاء يبرز بعض الأشخاص والجماعات من خارج الدوائر بالدعوة إلى لقاءات تحت ستار توحيد المجموعات. بغض النظر عن رأي أهالي وقوى الدائرة، في خطوة مشبوهة لتأكيد حضورها السياسي، فيما تخفي أهدافا غير معلومة في توجهها السياسي وعلاقاتها بالخارج.
إلى جانب ذلك، بدأت تظهر مواقف بعض الأحزاب والمجموعات التي شاركت بالانتفاضة، لكنها رهنت موقفها لأحزاب السلطة، يضاف إلى هذه الفئة مجموعة من المثقفين والمتعلمين والنخب السياسية والعلمية التي تتحرك دون الأخذ بعين الاعتبار المتغيرات السياسية ومزاج الناس، وكأنها ما زالت غارقة في الماضي. فولد ذلك مسافة بينها وبين الأجيال الناشئة التي ترفض هذا الماضي وتتمرد عليه. فالأجيال الشابة تختلف رؤاها وتطلعاتها عن هذا الماضي بالرغم من المحطات المضيئة فيه. وتحمل الاجيال السابقة المسؤولية عن ما وصلت إليه من انهيار على الصعد كافة.
هذه الصعوبات والألغام الكثيرة تعرقل، أو ربما تسد آفاق التوافق بين القوى و”المجموعات الثورية” للتوصل إلى تكوين لوائح موحدة تستطيع أن تخترق لوائح السلطة وتغير في موازين القوى داخل المجلس النيابي.
هذا التوافق المطلوب والضروري يفرض على القوى الحية الحقيقية داخل قوى “17 تشرين”، وهي قوى أكثر من وازنة، العمل على “فكفكة” هذه العقد وإزالة الألغام بالحسم المطلوب وبمسؤولية وطنية. فالمعركة ليست للوجاهة أو تفرد أو توليد زعامات فردية أو محلية، إنما هي معركة انتصار الذات، ذات “17 تشرين” بآمالها وشعاراتها في معركة إنقاذ الوطن من سلطة فاجرة عفنة، أوصلت البلاد إلى ما وصلت إليه من أزمات باتت تهدد الوطن بالزوال والانقراض.