مداخل أساسية لفهم المذكرة التنظيمية للشهيد عمر بنجلون (3/3)

مداخل أساسية لفهم المذكرة التنظيمية للشهيد عمر بنجلون (3/3)

اليزيد البركة

كيف حل الشهيد المسألة ما دام يرفض جعل النقابة منظمة موازية للحزب؟

لو فعل لكان ذلك تحريفا مقصودا الجواب، أولا بتبني تلك المنطلقات المبدئية الأساسية المشار اليها أعلاه ثانيا بجعل التنظيم العمالي تنظيما عموديا، ففي كل إقليم هناك تنظيم عمالي عمودي منظم وفق التنظيم الخلوي وهذه التنظيمات الإقليمية تشكل في مجموعها تنظيما وطنيا، لكن لا يعني هذا ان التنظيم الخاص للعمال يفترض أن يؤطروا أنفسهم نظريا وسياسيا، بل إن الشهيد نفسه كان يؤطر أي خلية عمالية في طور التكوين، ولو كانت قليلة العدد، ويدعو الشباب والأطر الحزبية إلى المساعدة على التكوين.

 ثالثا بتجسيد جدلية المركزية والديمقراطية في قوانين الحزب، والاطلاع على قانون 1972 يعطي فكرة عن مدى تشبثه وقناعته بهذه الجدلية، وهنا استحضر حادثة لها دلالتها، ففي إبان مناقشة الحزب للمشاركة أو المقاطعة بمناسبة إجراء الانتخابات البرلمانية سنة 1963، بعد أن قاطع الاستفتاء وقبله انسحب من الترشيح في الجماعية وقاطعها، دافع المهدي بقوة عن المشاركة، وقدم حججا لا يمكن الطعن فيها، ودافع عمر بقوة عن المقاطعة وقدم حججا لا يمكن الطعن فيها، بعد التصويت على الموقفين جاءت نتيجته لصالح المشاركة، وتوجه المهدي إلى عمر قائلا : ” أنت من سيحرر بيان الحزب حول المشاركة “. توجه عمر إلى أحد مكاتب المقر الحزبي المركزي بالدار البيضاء، وبعد ساعة تقريبا سلم البيان للمهدي، قرأه هذا الأخير، وأعاد قراءته ثانية، ثم قال له بتأثر وتعاطف: ” انا الذي دافعت عن المشاركة وأؤكد لك إنني لن أحرر بيانا بهذه القوة “.

 والسبب الذي جعل المهدي يتأثر ويتعاطف مع عمر هو كيف انتقل عمر بتلك السرعة من تبعات مبدأ الديمقراطية وتوزع الآراء وتشتتها، إلى المركزية التي يليها العمل الحزبي الجماعي، أي أن عمر يمقت من قديم نوازع الفكر البورجوازي الصغير الذي يضرب عرض الحائط بنتائج التصويت، ويفهم جيدا حمولته السياسية والفكرية وحتى الأخلاقية. وهنا كان دائما يصدح قئلا: “السياسة أخلاق وليس مناورات ومؤامرات”. 

محاولات تحطيم البعد العمالي الطبقي في النضال المجتمعي ليست جديدة، ففي أواخر سنة 1977، وبمناسبة التحضير للمؤتمر الإقليمي للبيضاء واستعدادا للمؤتمر الوطني، تشكلت لجنة تنظيمية يرأسها الفقيد محمد الحلوي، وكانت تضم عددا مهما من الأسماء المهتمة بالتنظيم وكنت أحد أعضائها. 

في البداية كنت أعتقد أن اللجنة ستنكب على مواصلة ما بدأه الشهيد عمر، وإذا بي أفاجأ  بطرحين من بعض الأعضاء. 

أولا، إعادة النظر في التنظيم العمودي، بحجة أن العامل ينهك به فهو في خلية المؤسسة ومضطر أن يكون كذلك في خلية الحي، وفي نفس الوقت ملزم بالحضور الدوري في التنظيم العمودي.

 ثانيا، إنشاء خلية مركزية في بعض الأقاليم مثل البيضاء والرباط وفاس للأطر الكبرى، لأن هذه الأطر لها مسؤوليات كبيرة في المؤسسات العمومية ولا يمكن لها أن تحضر اجتماعات حزبية ولا أن يكون معها أحد في الخلية. 

بعد نقاشات عاصفة قدمنا مقترحات تروم الوصول إلى حل وسطي مرضي للجميع. في التنظيم العمودي ركزنا على أن العمال عادة ماهرون في التنظيم، وفي كل ما هو ميداني، وهم يقومون دائما بهذه المهام سواء في الحي أو في منطقته الأصلية أو مناطق معارفه، ولا يطلب أحد منهم أن ينتموا إلى خلايا في هذه المناطق. إذن جريا على هذا لا يمكن حذف خلية المؤسسة، ولكن يعاد النظر في خلية الحي بإنشاء لجان وظيفية، لأن الحي ليس إلا مكان للمعارك الانتخابية والعمل الجمعوي، وهذا يمكن تأديته باللجان. 

في خلية الأطر في بعض المدن تقدمنا بمقترح وسطي، وتطعيمها بالمحامين، لأنهم هم أيضا أطر وأكثر عطاء من مديري المؤسسات العمومية.

 كان الفقيد الحلوى يحاول أن يدفع للتوصل إلى تنازلات متبادلة، وثمن التنازل الذي قدمناه في موضوع التنظيم العمودي وطالب بتعليق موضوع خلية الأطر. ولكن لم يفلح في إقناع الطرف الآخر ولو قيد أنملة. وكان عمل اللجنة بغير هذين الطرحين في غاية الأهمية لأنها اشتغلت بدون انقطاع لعدة أشهر، وكل ذلك لم ير النور. ومن تتبع مجريات التحضير للمؤتمر الثالث سيتذكر على سبيل المثال فقط عدد من المناضلين أن الأقاليم التي كان فيها الطرف المعارض للتوجهات التنظيمية الجديدة قويا جرى فيها انتخاب من سيمثل الإقليم في لجنة الترشيحات. والأقاليم التي كان الطرف الآخر الذي يسعى الى إقبار المذكرة التنظيمية قويا تم فيها التعيين. والأقاليم التي كان فيها التواجد متقاربا بقي الشد والجذب حتى أيام المؤتمر. وبدون شك، هناك من يتذكر كيف جرى انتخاب المناضل عبد الرحمن بنعمرو وقوفا في جانب من قاعة المؤتمر، وقد ترشح ضده الأخ حسن السرغيني، وحتى يتم تفادى الفوضى تم الاتفاق على أن يسلم كل عضو من أعضاء إقليم الرباط بطاقته للمرشح الذي يصوت عليه. 

 كيف حل الشهيد المسألة ما دام يرفض جعل النقابة منظمة موازية للحزب ؟ ولو فعل لكان ذلك تحريفا مقصودا الجواب ، أولا بتبني تلك المنطلقات المبدئية الأساسية المشار اليها أعلاه ثانيا بجعل التنظيم العمالي تنظيما عموديا ، ففي كل إقليم هناك تنظيم عمالي عمودي منظم وفق التنظيم الخلوي وهذه التنظيمات الإقليمية تشكل في مجموعها تنظيما وطنيا ، لكن لا يعني هذا ان التنظيم الخاص للعمال يفترض ان يؤطروا أنفسهم نظريا وسياسيا بل ان الشهيد نفسه كان يؤطر أي خلية عمالية في طور التكوين ولو كانت قليلة العدد ويدعو الشباب والأطر الحزبية الى المساعدة على التكوين. ثالثا بتجسيد جدلية المركزية والديمقراطية في قوانين الحزب، والاطلاع على قانون 1972 يعطي فكرة عن مدى تشبثه وقناعته بهذه الجدلية، وهنا استحضر حادثة لها دلالتها ففي إبان مناقشة الحزب للمشاركة او المقاطعة بمناسبة اجراء الانتخابات البرلمانية سنة 1963 بعد ان قاطع الاستفتاء وقبله انسحب من الترشيح في الجماعية وقاطعها ، دافع المهدي بقوة عن المشاركة وقدم حججا لا يمكن الطعن فيها ودافع عمر بقوة عن المقاطعة وقدم حججا لا يمكن الطعن فيها ، بعد التصويت على الموقفين جاءت نتيجته لصالح المشاركة ، وتوجه المهدي الى عمر قائلا : ” أنت من سيحرر بيان الحزب حول المشاركة “، توجه عمر إلى أحد مكاتب المقر الحزبي المركزي بالدار البيضاء وبعد ساعة تقريبا سلم البيان للمهدي ، قرأه هذا الأخير، وأعاد قراءته ثانية ، ثم قال له بتأثر وتعاطف : ” انا الذي دافعت عن المشاركة وأؤكد لك أنني لن احرر بيانا بهذه القوة ” . والسبب الذي جعل المهدي يتأثر ويتعاطف مع عمر هو كيف انتقل عمر بتلك السرعة من تبعات مبدأ الديمقراطية وتوزع الآراء وتشتتها إلى المركزية التي تليها العمل الحزبي الجماعي ، أي أن عمر يمقت من قديم نوازع الفكر البورجوازي الصغير الذي يضرب عرض الحائط بنتائج التصويت ويفهم جيدا حمولته السياسية والفكرية وحتى الأخلاقية وهنا كان دائما يصدح قئلا : “السياسة أخلاق وليس مناورات ومؤامرات“. محاولات تحطيم البعد العمالي الطبقي في النضال المجتمعي ليست جديدة ، ففي أواخر سنة 1977 وبمناسبة التحضير للمؤتمر الإقليمي للبيضاء واستعدادا للمؤتمر الوطني تشكلت لجنة تنظيمية يرأسها الفقيد محمد الحلوي وكانت تضم عددا مهما من الأسماء المهتمة بالتنظيم وكنت احد أعضائها. في البداية كنت اعتقد ان اللجنة ستنكب على مواصلة ما بدأه الشهيد عمر وإذا بي أفاجأ  بطرحين من بعض الأعضاء  أولا إعادة النظر في التنظيم العمودي بحجة أن العامل ينهك به فهو في خلية المؤسسة ومضطر أن يكون كذلك في خلية الحي وفي نفس الوقت ملزم بالحضور الدوري في التنظيم العمودي ثانيا إنشاء خلية مركزية في بعض الأقاليم مثل البيضاء والرباط وفاس للأطر الكبرى لأن هذه الأطر لها مسؤوليات كبيرة  في المؤسسات العمومية ولا يمكن لها ان تحضر اجتماعات حزبية ولا أن يكون معها احد في الخلية . بعد نقاشات عاصفة قدمنا مقترحات تروم الوصول الى حل وسطي  مرضي للجميع في التنظيم العمودي ركزنا على ان العمال عادة ماهرون في التنظيم وفي كل ما هو ميداني وهم يقومون دائما بهذه المهام سواء في الحي أو في منطقته الأصلية او مناطق معارفه ولا يطلب احد منهم ان ينتموا الى خلايا في هذه المناطق إذن جريا على هذا لا يمكن حذف خلية المؤسسة ولكن يعاد النظر في خلية الحي بإنشاء لجان وظيفية لان الحي ليس الا مكان للمعارك الانتخابية والعمل الجمعوي وهذا يمكن تأديته باللجان. في خلية الأطر في بعض المدن تقدمنا بمقترح وسطي وهو تطعيمها بالمحامين لأنهم هم أيضا اطر وأكثر عطاء من مديري المؤسسات العمومية، كان الفقيد الحلوى يحاول ان يدفع للتوصل الى تنازلات متبادلة وثمن التنازل الذي قدمناه في موضوع التنظيم العمودي وطالب بتعليق موضوع خلية الأطر ولكن لم يفلح في إقناع الطرف الآخر ولو قيد أنملة وكان عمل اللجنة بغير هذين الطرحين في غاية الأهمية لانها اشتغلت بدون انقطاع لعدة اشهر وكل ذلك لم ير النور، ومن تتبع مجريات التحضير للمؤتمر الثالث سيتذكر على سبيل المثال فقط عدد من المناضلين ان الأقاليم التي كان فيها الطرف المعارض للتوجهات التنظيمية الجديدة قويا جرى فيها انتخاب من سيمثل الإقليم في لجنة الترشيحات والإقاليم التي كان الطرف الآخر الذي يسعى الى اقبار المذكرة التنظيمية قويا تم فيها التعيين ، والأقاليم التي كان فيها التواجد متقارب بقي الشد والجذب حتى أيام المؤتمر، وبدون شك هناك من يتذكر كيف جرى انتخاب المناضل عبد الرحمن بنعمرو وقوفا في جانب من قاعة المؤتمر وقد ترشح ضده الأخ حسن السرغيني وحتى يتم تفادى الفوضى تم الاتفاق على ان يسلم كل عضو من أعضاء إقليم الرباط بطاقته للمرشح الذي يصوت عليه. اليوم جزء من اليسار يناقش الاندماج وتحظى المسألة التنظيمية في هذا النقاش بالأهمية الكبرى وغني عن القول انه لا يجب ان ينطلق كل حزب من الأحزاب الساعية الى الاندماج من منطلقات ما يعتمل لديها من تقنيات وآليات تنظيمية بل يجب ان ترقي بسؤالها أيضا الى ما هي الآليات الأكثر نجاعة وخاصة من اجل قدح جذوة الطبقة العاملة لان كل الأطراف بهذا القدر او ذاك علق بجسمها العمل النقابي كتعويض عن العمل العمالي.

انتهى

Visited 3 times, 1 visit(s) today
شارك الموضوع

اليزيد البركة

كاتب وصحفي مغربي