من يزرع الريح يجني العاصفة
محمد بولعيش
المغرب بلد الاستثناء، شعار شنف أسماعنا منذ اندلاع حركة 20 فبراير مع مطلع العشرية الثانية من هذا القرن، وجاء الاستثناء بناء على أن نتائج حراكات ما عرف بالربيع العربي أفضت إلى رحيل أو قتل قادة البلدان التي عرفت هذه الحراكات في مصر وتونس وليبيا، إلا المغرب فقد مرت فيه الأمور بسلام، حين تمكن النظام من امتصاص الغضب عبر تغيير شكلي في الدستور وتوظيف آلة الحركة الإسلامية مجسدة في حزب العدالة والتنمية، القادم إلى الحكومة (وليس إلى الحكم) على ظهر حركة 20 فبراير وعلى حسابها ..
ومع ذلك فالساحة السياسية الوطنية لم تعرف ركودا إلا ذاك الذي يسبق العاصفة، فكانت حراكات جماهيرية شعبية قوية، بعضها استمر شهورا، بعد العياء أو الوهن الذي اصاب حركة 20 فبراير، حراكات عرفتها مدينتا زاكورة وجرادة، وخاصة حراك مدينة الحسيمة والمناطق المحيطة بها، أو ما عرف بحراك الريف الأبي. وقد انتهت بالشكل المأساوي الذي لا زالت تبعات القمع المنهجي لها، سحلا وطحنا وحصارات وعسكرة، وتلفيق التهم لقادتها والمشاركين فيها، حاضرة إلى حدود الساعة.
وجاءت الانتخابات التشريعية الأخيرة التي أطلقت فيها وعود سخية بتحسين أوضاع المواطنين – كما دبجتها البرامج الانتخابية – لم تلبث أن تبخرت مع تشكيل الحكومة من الثالوث: التجمع الوطني للأحرار وحزب الاستقلال وحزب الأصالة والمعاصرة، وقد حققت هذه الحكومة الموقرة إنجازات هائلة، تجلت في زيادات كبيرة في أسعار المواد المعيشية وفي أسعار الوقود، يضاف إليها فرض ما سمي ب”جواز التلقيح” بشكل خارق للقانون وحقوق الإنسان، وصل حد منع البرلمانية نبيلة منيب الأمينة العامة للحزب الاشتراكي الموحد من ولوج قبة البرلمان، بدعوى أنها ترفض التلقيح ولا تتوفر على جوازه.
هذه الوضعية التي تمس في العمق حياة المواطنين وقدرتهم الشرائية وقوتهم اليومي، تزيدها تدهورا فترة الجفاف التي يعيشها المغرب لشهور مضت، والنهب الهمجي لخيرات البلاد وثرواته، والسياسة اللاشعبية المتبعة منذ عقود، وتزايد حجم البطالة جراء وباء الكوفيد، مما ينذر باندلاع احتجاجات قادمة كرد فعل شعبي على تدهور شروط الجماهير المعيشية.
وقد بدأت هذه الاحتجاجات تطل برأسها هنا وهناك، كما هو الحال في جرادة مثلا، كما أعلنت الجبهة الاجتماعية بكل فروعها المهتمة بالأوضاع المعيشية للجماهير عن تنظيم مسيرات ووقفات احتجاجية تخليدا لذكرى 20 فبراير المجيدة واحتجاجا على غلاء المعيشة وتنصل الحكومة من وعودها واستشراء الفساد واعتماد – دوما – المقاربة الأمنية بدعم من بعض النقابات وأحزاب اليسار، وذلك يوم غد الأحد (20 فبراير) ..
هل يمكن أن ننتظر حدوث المعجزات لصالح الجماهير ممن يزرعون الرياح والتيئيس ولا يهمهم إلا ما يراكمونه من ثروات نهبا وريعا وتهربا ضريبيا ؟؟
ألم تقل التجارب بأن من يزرع الريح يجني العاصفة ؟؟