المستشار النمساوي كارل نيهامر.. ماذا حمل معه وماذا أخذ؟

المستشار النمساوي كارل نيهامر.. ماذا حمل معه وماذا أخذ؟

د. زياد منصور

 خرقت زيارة المستشار الألماني كارل نيهامر المناخ السياسي القائم في أوروبا هذه الأيام، وموجة التصعيد الإعلامية وغير الإعلامية، بما فيها العقوبات التي تشن ضد روسيا. فعلى الرغم من أن الزيارة حصلت التقى نيهامر ببوتين، لكنك تشعر وكأنها لم تحصل، بمعنى لم تحظ باهتمام إعلامي غربي، ذلك كي لا تكسر وسائل الإعلام الأوروبية جدار هذا الحصار الشديد على روسيا، والذي لم تخرقه أيضاً الفوبيا الروسية المتصاعدة في شوارع العواصم الأوروبية.

 الشيء الوحيد هو ما قاله نيهامر من أن المحادثات مع بوتين كانت “مباشرة للغاية ومنفتحة وصعبة”. 

يرى بعض المتابعين أن زيارة المستشار سعت إلى تحقيق أهداف عملية، وأهمها إمدادات الطاقة واستطلاع حقيقة الموقف الروسي، ومهام حفظ السلام، والدول الضامنة لاتفاق قد يحصل. فقضايا الطاقة والغاز هي مهمة اليوم للنمسا ولألمانيا وأوروبا، والتي تعد من المستهلكين الرئيسيين للغاز الروسي ولغير الغاز. 

فيما يتعلق بأوكرانيا فإن موقف فيينا كمفاوض مؤاتٍ للغاية، فالنمسا ليست عضواً في الناتو وتحافظ على علاقات جيدة مع كييف وموسكو، وتقف على مسافة متساوية منهما. بالطبع جهود نيهامر تتعارض مع تصريحات جوزيف بوريل، مسؤول السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي، العدائية تجاه موسكو، رغم أن تصريحات الأخير غير ملزمة لأي من الدول الأوروبية، الذين لديهم مواقفهم الخاصة ويعرفون حاجات بلدانهم، ويتخوفون من أية انتخابات مقبلة، والتي تهدد أحزابهم وحكوماتهم فيما لو لم يتمتعوا بالعقلانية في التعاطي مع الأزمة الأوكرانية.  ورغم ذلك فإن الزيارة بالنسبة للمستشار وحلفائه لها أهميتها الكبرى، رغم أنه لم يتوقع أحد أن يتمكن المستشار البالغ من العمر 49 عاما، أن يقنع رجل الكرملين البالغ من العمر 69 عاما ويحكم روسيا منذ 22 عاما، بضرورة وقف عمليته العسكرية، فالمحادثات لم تكن لتطال هذا الأمر وتبدو هذه المهمة مستحيلة.        

القضايا التي يبدو أنها كانت مدار اهتمام المستشار، والتي حاول اكتشافها واستطلاع الموقف في الكرملين من خلالها، على ما يقول مراقبين، هي:

 1-  بوتين لا يختبئ في ملجأ، ولا فرّ خلف جبال الأورال، بل استقبل نيهامر في مقر إقامته المعتاد في نوفو، أوغاريوفو بالقرب من موسكو. إذن هو ليس رجل مخابئ.

 2-  يعرف بوتين كل ما يجري في العالم، وهو ليس بعزلة ولا يضلله وزراؤه، يعرف ما يجري في أوكرانيا ويتابعه عن كثب، ولا يقع تحت تأثير الأخبار التي تدس عليه من مستشاريه، سواء السارة منها أو السيئة. وهو استمع إلى المستشار عن موقف أوروبا من موضوع بوتشا وكراماتورسك وبوتين لا ينكرها، وهو طالب بتحقيق شفاف.

 3-  بوتين لم يقدم الاعتذار لأحد، وهو يتقبل الأمور كما هي بهدوء، ومصمم على إنهاء عمليته العسكرية بدفتر الشروط الذي وضعه منذ بدايتها، ويدير العملية العسكرية بنفسه. هذا الأمر مهم بالنسبة للمستشار على خلاف العديد مما يسوقه الخبراء، فبوتين يعرف مفاعل ما يجري في الأروقة وفي مجلس الأمن ومجلس حقوق الانسان، ولا يتهرب من أية مسؤولية.

 4- المستشار غمز من قناة بوتين بشأن معاقبته على ما يسمونه الجرائم المرتكبة من قبل الجيش الروسي ومعاقبة المجرمين، هنا أخبر بوتين المستشار أن على أوروبا التدقيق، وأنها منحازة وعليها الحياد. الأهم أن بوتين استمع إلى هذا وجهاً إلى وجه من مسؤول أوروبي.

 5-  سيبلغ نيهامر زملائه في الاتحاد وحلف شمالي الأطلسي أن بوتين الذي التقاه واع جدا، ومنسجم مع نفسه ولا يعاني من اختلال عقلي، ويتمتع بذهن صاف وذاكرة وعقل سليمين (النمساويون خبراء في الطب النفسي)، وصحته جيدة، ولا يعاني من أي مرض في الغدة الدرقية، وهو يدرك جيدا ماذا يجري وكيف يجري.

 سيبلغ المستشار أيضاً أن بوتين لا يريد السلام مع أوكرانيا على طريقة ما يشتهيه الغرب ولديه شروطه الواضحة، وعلى الغرب أن يزيد من مساعداته لأوكرانيا في مواجهته مع روسيا سواء عبر العقوبات أو من خلال إمدادها بالسلاح. 

6- وفي النهاية وفي يوم الزيارة، أعلن اثنان من أقرب مساعدي بوتين مواقف قوية تحمل الكثير من الإشارات، بما فيها ما أعلنه وزير الخارجية، أن المواجهة هي لكسر أحادية في العالم. أعلن المسؤول الأول عن احتمال استخدام أسلحة نووية تكتيكية في أوكرانيا، والآخر عن احتمال استخدام السلاح الكيميائي في ماريوبل. وهذا بلا شك خطوة تكتيكية لإخافة أوكرانيا والغرب. 

كما واكب الزيارة الإعلان عن تعيين الجنرال ألكسندر دفورنيكوف قائدا للعملية العسكرية في اوكرانيا، الذي قاد العمليات العسكرية في سوريا. هكذا ومن دون صور وابتسامات متبادلة، حاول كل طرف إفهام الآخر جملة من الرسائل المتبادلة. 

عملياً زيارة المستشار هي اختبار لقدرة بوتين واختبار مدى تحكمه بكل ما يجري في أوكرانيا وسيطرته على الوضع، وتلمس مدى تأثير العقوبات عليه وفعاليتها ومعرفة ما إذا كان بوتين سيقطع الغاز عن أوروبا، واختبار مدى صلابة الموقف الروسي. في نفس الوقت تسليمه لائحة اتهامات من قبل المجتمع الدولي، الأمر الذي لمس الزائر الضيف أن مهمة روسيا هي إنجاز عمليتها العسكرية في ظل تأييد داخلي كبير لها على خلفية هذه العقوبت والتصاريح بحق بوتين، التي تطلق في الغرب، وموجة التطاول على الروح الروسية والثقافة والمواطنين الروس في أرجاء أوروبا والعالم.

Visited 1 times, 1 visit(s) today
شارك الموضوع

د. زياد منصور

أستاذ جامعي وباحث في التاريخ الروسي