فلسطين والبوليزاريو… المقارنة الجزائرية التي لا تستقيم؟
عبد السلام بنعيسي
في نزاعها مع المغرب حول أقاليمه الصحراوية، تُسوِّقُ الدبلوماسية الجزائرية خطابا يستند إلى فرضية أن قضية ما تسميه الشعب الصحراوي، تساوي لديها، من حيث الأهمية، قضية الشعب الفلسطيني، فكما تساند الجزائرُ الصحراويين لنيل، ما تعتبره استقلالهم من المغرب، فإنها، بنفس المقدار، تساند الفلسطينيين لتقرير مصيرهم، والحصول على حريتهم من المحتل الصهيوني… فوفقا لسردية السلطات الجزائرية، فإن القضيتين، تتشابهان حدَّ التطابق، وأنها تتعامل معهما بنفس الرؤية، وبذات التقييم…
لا بد أن المتأمل في هذه الرواية الجزائرية سيقف على اختلاف سياقات الصراع في فلسطين، عن نظيره في الصحراء الغربية، فلكل واحد منهما حيثياته، وظروفه، وملابساته السياسية، والتاريخية التي أنتجته، وما يتمُّ التغاضي عنه في الرواية المذكورة أعلاه، هو أن المغرب تعرّض بدوره لشبه سايس بيكو خاصٍّ به…
فإذا كان سايس بيكو المشرق وقع تناولُه والكتابةُ عنه بغزارة، فإن شبيهه سايس بيكو المغربي لا أحد من المشارقة يذكره، رغم أنه أنتج للمغرب مآسٍ كثيرة، وكان السبب في تعذر استرجاعه، عقب حصوله على الاستقلال، لكافة أراضيه التي كانت محتلة، دفعة واحدة، إذ لم تكن إمكانيات المغرب تتيح له مواجهة إسبانيا وفرنسا معا، وطردهما في نفس الوقت من جميع أراضيه، الأمر الذي فرض عليه استرداد سيادته على مجمل جغرافيته بالتدريج…
فالمغرب كان دولة قائمة الذات، وخضع للاستعمار من قوتين امبرياليتين هما فرنسا وإسبانيا، واسترد أراضيه منهما بشكل متدرج، كما اقتضت ذلك الظروف التي كان المغرب يعيشها ويتأثر بها، أما قضية الشعب الفلسطيني فهي مختلفة تماما، فنحن أمام كيان استيطاني نتج عن تجميع اليهود من أنحاء متفرقة من العالم، وترحيلهم إلى فلسطين، ووقع تهجيرُ سكانها الفلسطينيين، بالقتل والمجازر الجماعية، واقتلاعهم من أرض أجدادهم، لتسليمها لليهود الوافدين من خارجها، وكان الهدف من ذلك، زرعَ كيان سرطاني في قلب الأمة العربية، لمنع وحدتها، وتقدُّمها، وتحقيق استقلالها الفعلي.
وحين يقاوم الشعب الفلسطيني لاسترداد أرضه وحقوقه، فإنه يسعى لكسر مشروع امبريالي يريد الاستمرار في فرض التجزئة والتفتيت في المنطقة العربية، فنضال الفلسطينيين يصبُّ في تجاه عربي ببعدٍ وحدوي تحرري، أما ما تقوم به الجزائر عبر صنيعتها البوليزاريو، فإنه مسار تفتيتي وتجزيئي، ويلتقي، في العمق، مع ما تخطط له الامبريالية العالمية في المنطقة العربية.
ولذلك، فإن من الظلم الكبير للشعب الفلسطيني أن نقارن وضعه بوضع البوليزاريو، الشعب الفلسطيني يعاني في ظل احتلالٍ لكيان عنصري لأرضه ولكينونته، احتلالٌ متطرف ويحكمه يمين عنصري متطرف، يفرض حصارا شاملا على ما يقارب مليوني فلسطيني في غزة، ويعتبر منذ نشأته الفلسطيني الجيد هو الفلسطيني الميت، ولا يتوقف لحظة واحدة عن سفك الدم الفلسطيني، وسجونه طافحة بالأسرى الفلسطينيين الذين يقضي البعض منهم ما يفوق الربع قرن وراء القضبان، هذا الشعب الذي لا يملك لاجئوه في الخارج حق العودة إلى وطنهم، من العيب أن نقارن وضعه بوضع الصحراويين الذين يعيشون اليوم متمتعين بكافة مواطنتهم في مساواة كاملة مع أشقائهم المغاربة، حيث يتنقلون، ويشتغلون، ويستثمرون في أي جزء من وطنهم المغرب كما يشاؤون، المقارنة ليست لا تستقيم فحسب، بل إن فيها تجنٍّ فاضحٍ على الحقيقة وقلبٌ لها، وظلمٌ للفلسطينيين…
ما تقوم به الجزائر في تعاطيها مع القضية الفلسطينية، يكاد لا يساوي شيئا أمام الجهود الجبارة التي تخصصها للتسويق لطرح البوليزاريو. القضية الفلسطينية تبدو في أنشطة الدبلوماسية الجزائرية وكأنها مجرّدُ فعلٍ هامشي، مقابل الأنشطة الضخمة التي تخصصها ذات الدبلوماسية للدعاية للبوليزاريو.
وإذا كانت الجزائر قد خصصت مؤخرا 100 مليون دولار كما تقول، دعما للفلسطينيين، فإنها قدمت هذا المبلغ لسلطة أوسلو الفاسدة، ولرئيسها محمود عباس الذي وصفه الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون بكونه “بوابة الشرعية الفلسطينية”، ويندرج المبلغ المذكور في إطار الإعداد الإعلامي لعقد مؤتمر القمة العربي بالجزائر، كما أنه لا يساوي مثقال ذرة، بالقياس مع الأموال الطائلة التي تخصصها، الدولةُ الجزائرية للبوليزاريو، منذ سنة 1975 إلى اليوم، من أجل تسليح ميليشياتها، وتدريبها، وإعدادها لشن الاعتداءات على المغرب، وتجهيز ما تسميه سفاراتها وتمويل تحركاتها، ناهيك عن نفقات الأكل، والشرب، والتطبيب، والتعليم للمحتجزين في مخيمات تندوف الموجودة فوق التراب الجزائري..
الجزائر تُميّزُ بشكل كبير في تعاطيها على كافة المستويات بين البوليزاريو وبين الفلسطينيين، وإلا متى قامت الدولة الجزائرية بسحب سفيرٍ من سفرائها من عاصمة من العواصم الكبرى احتجاجا على الدعم المقدم للكيان الصهيوني، كما بادرت إلى استدعاء سفيرها من مدريد للاحتجاج على تأييد إسبانيا لمبادرة الحكم الذاتي؟ فهل الاحتجاج باستدعاء السفير الجزائري لا يتمُّ إلا بدافعِ التأييد للبوليزاريو؟ أليس في هذا التصرف ما يدلُّ على أن الأولوية بالنسبة للسلطات الجزائرية هي للبوليزاريو وأن قضية الشعب الفلسطيني تأتي في درجة دنيا من اشنغالاتها؟؟؟