معارك انتخابية حامية في لبنان بكل الأسلحة والشعارات
درويش حوحو
يعيش اللبنانيون تحت وطأة معركة انتخابية حامية الوطيس، حيث تشتد المنافسة بين اللوائح وخصوصا بين لوائح منظومة الحكم الفاسد، التي تتصارع فيما بينها على حصد أكبر كتلة نيابية ممكنة، تجعلها تؤكد حضورها السياسي، أو الحفاظ على حصتها وتأكيد تاثيرها ومشاركتها، في ما يمكن أن يطرأ من أحداث بعد الانتخابات من تشكيل الحكومة الجديدة أو الانتخابات الرئاسية في الخريف المقبل.
وفي هذه المعركة كل الأسلحة والشعارات باتت مسموحة، وهي تتخطى الخطوط الحمر التي كانت تنتظم في الحياة السياسية والصراعات بين القوى المختلفة. فمن تأجيج المشاعر المذهبية والدينية والطائفية، إلى التهديد بالقتل، إلى توتير الأوضاع الأمنية واستخدام المال بكثافة، دون رادع أو وازع من الأحزاب أو من السلطات المسؤولة، حيث باتت الرشاوى تدفع علانية، ويتم فرض توقيع المرتشي وحجز بطاقة هويته، إلى تأمين الخدمات على طريقة الباعة وأصحاب السوبر ماركت. فكل شيء أصبح مسموحا به في هذه المعركة، التي يتوقع البعض أن مصير لبنان ومستقبله سيتقرر على ضوء نتائج الاقتراع فيها، وأن من سيحصل على الغالبية يستطيع أن يتحكم بمصير لبنان لسنوات عديدة مقبلة.
فحزب الله يسعى مع حلفائه إلى تأمين ثلثي أعضاء مجلس النواب، ليفرض انتخاب رئيس الجمهورية الذي يطمئن إليه ويدعمه في الحفاظ على سلاحه وإبقاء لبنان رهينة للمحور الإيراني، بغض النظر عن رأي المواطنين، وهو لذلك يرضي تأمين كتلة نيابية سنية وازنة، تدعمه وتؤكد مشروعيته السياسية والشعبية، خصوصا بعد انكفاء تيار المستقبل عن المشاركة في الانتخابات ترشيحا واقتراعا، ما انعكس سلبا على المواجهة الوطنية المطلوبة في وجه مشروع حزب الله المدعوم من إيران، وأضعف مواقع حلفائه السابقين: الحزب الاشتراكي والقوات اللبنانية والكتائب وبعض القوى السنية، وكذلك أدى هذا الموقف إلى إضعاف الدور السني في المعادلة السياسية الوطنية.
في سبيل هذا الهدف، لجأ حزب الله إلى استخدام كل الوسائل، من الشحن المذهبي إلى فتاوى رجال الدين والمعممين، وكان آخرها فتوى رئيس المجلس الشيعي الأعلى الشيخ أحمد قبلان، الذي أفتى بأن الاقتراع لغير لوائح الثنائي الشيعي (أمل ــ حزب الله) حرام ومدان، وفض المهرجانات واللقاءات الانتخابية التي ينظمها معارضوه بقوة السلاح. وهذا ما حصل في محافظة بعلبك ــ الهرمل، إلى تهديد مرشحين معارضين له من الشيعة بالقتل وإجبارهم بقوة السلاح على الانسحاب من اللوائح المعارضة، اضافة إلى الضغوط اليومية على العائلات والمؤيدين للوائح المعارضة.
وفي حين يسعى حزب الله إلى إضعاف معارضيه من القوى والاحزاب السياسية داخل المنظومة، فإن هذا الأمر يتضح في مواقف رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي، الذي يخوض معركة وجود سياسي تحت شعار “إن حزب الله يود شطب الطائفة الدرزية من المعادلة السياسية اللبنانية وإقفال دار المختارة”، وفي معركته هذه يجهد جنبلاط إلى الحفاظ على حجم كتلته النيابية، وخصوصا الدروز، وجند في سبيل ذلك مشايخ الطائفة وكبارها، لتحشيد المؤيدين ودفعهم إلى الاقتراع بكثافة لزيادة الحواصل الانتخابية، التي يفرضها قانون الانتخاب، في محاولة لمنع فوز بعض المرشحين للدروز المعارضين له، وخاصة المرشح وئام وهاب، الحليف المخلص لحزب الله والنظام السوري، وهذا الأخير يرش الأموال والرشاوى في كل قرى ومنطقة عاليه ــ الشوف، لشراء الأصوات وتأمين فوزه.
يعتبر جنبلاط أن معركته الكبرى منع وهاب من الفوز على حساب النائب المستقيل مروان حمادة. في سبيل ذلك يعمل جنبلاط على الضغط على لوائح المعارضة من المجتمع المدني، لسحب مرشحيهم ودعمه في هذه المعركة، وهو ما حصل مع مرشح الجماعة الإسلامية ومرشحي لائحة “سيادة وطن”، فجنبلاط يتخوف من نتائج المعركة. وانعكاس ذلك على زعامة ابنه تيمور، فتيمور طري العود في السياسة وخبرته ما زالت دون المطلوب، إذ عليه أن يصارع مع حيتان الذين خبروا المناورات والتوافقات والمحاصصات فيما بينهم، لذلك يود زعيم المختارة أن يسلم ابنه زمام الأمور من موقع القوة والقدرة على مقارعة الآخرين، عبر تأمين كتلة نيابية وازنة، تحفظ موقع الزعامة الجنبلاطية بين مقومات السلطة.
في جانب آخر من المعركة، يعاني التيار الوطني الحر ضعفا وبلبلة، إذ لم يستطع تأمين تحالفات وازنة تمكنه من الحفاظ على موقعه وكتلته النيابية التي حظي بها في انتخابات 2018. فراح يستجدي حليفه حزب الله، الذي ضغط على رئيس مجلس النواب نبيه بري لتأمين جزء من أصوات حركة أمل في لوائح كسروان – جبيل وصيدا – جزين والشوف ـ عاليه وبعبدا.
أما على جانب التغييريين، فإن سوء إدارتهم للمعركة، وتشرذمهم في لوائح عدة في معظم الدوائر، قد باتوا يلهثون وراء الصوت، ويعانون ضعف التأييد، نظرا لانفكاك قسم كبير من الرأي العام عن تأييدهم نتيجة الانقسامات والخلافات، وبدلا من خوض المعركة ضد المنظومة من أجل التغيير الحقيقي فإن المعركة باتت إلى حد كبير بين لوائحهم، والتنافس بين مرشحيهم، ما أضعف القدرة على إمكانية تحقيق خروقات ملموسة.
فهل فقد اللبنانيون الأمل بتحسن أوضاعهم وانتشالهم من البؤس والفقر والعوز، الذي فرضته منظومة الفساد المتحكمة بالقرارات؟ وهل سيتمكن حزب الله من تأمين أكثرية واسعة في المجلس النيابي المقبل، ما يدعم شرعيته حسب ادعائه ويمكنه من الإمساك بقرار الوطن على الأصعدة كافة وعلى كل المستويات للسنوات الأربعة المقبلة؟
الجواب سيكون في صناديق الاقتراع، وعسى أن يستفيق اللبنانيون وينتفضوا في اللحظات الاخيرة، فيغيرون المعادلة بأصواتهم إلى جانب المعارضة، على تنوع مذاهبها وأحزابها، الجواب سيكون في السادس عشر من أيار – ماي الحالي.