الخوري الاستثنائي

الخوري الاستثنائي

برحيل ادريس الخوري ليلة الإثنين 14 فبراير 2022، نكون قد ودعنا آخر الثلاثة الذين أبدعوا في مجال القصة والرواية والسيرة الذاتية بتقنيات سردية قاسية وساخرة، بعد رحيل محمد زفزاف ومحمد شكري، مع ميزة انفرد بها ابَّا ادريس دون الراحلين قبله، تتمثل في العمل الصحفي الذي مارسه بجريدة “العلم”، وبعد ذلك بـ”المحرر ” و”الاتحاد الاشتراكي”، إلى جانب اهتمامه ومواكباته التحليلية والنقدية الرصينة للمعارض التشكيلية والمهرجانات السينمائية داخل المغرب وخارجه، وهذه الخاصية كانت وحدها تشفع له لتحديد مكانته والرد المفحم على أصدقائه المقربين الذين كانوا ينعتونه من باب الدعابة بـ”الكاتب المحلي” مقارنة مع زفزاف “الكاتب الكبير”، و شكري “الكاتب العالمي”. 

ولم يكن الخوري يقبل هذا التصنيف، رغم الشهرة العالمية التي حققها غريمه الريفي الطنجاوي، والمكانة الأدبية الإبداعية الراقية التي احتلها صديقه الوافد إلى الدار البيضاء من سوق أربعاء الغرب في القصة القصيرة والرواية.

 ومن بين المواقف التي عاتبني عليها إدريس الخوري مرة أو مرتين، بمرونة ولطف، رغم انصرام سنوات طويلة عليها، إلى حد جعلني طاويا إياها في سِفر النسيان طيا، تلك الدراسة النقدية التحليلية القاسية التي نشرتها بجريدة “الاتحاد الوطني للقوات الشعبية” سنة 1973 عن مجموعته القصصية “حزن في الرأس والقلب”، بعنوان “مفهوم البورجوازية الصغيرة في القصة المغربية القصيرة/ حزن في الرأس والقلب نموذجا”، بقلم ناقد أدبي معروف وقعها باسم مستعار، مخلفة ردود فعل متفاوتة، حملني فيها المسؤولية من موقعي رئيسا لتحرير هذه الجريدة التي كان الراحل عبد الله إبراهيم مديرها المسؤول، ورغم ذلك لم يلح علي من يكون كاتبها، لمراعاته واحترامه لأخلاقيات مهنة الصحافة التي مارسها، والتي تأبى علينا البوح بهوية الاسم المستعار أو المصدر الذي لا يريد صاحبه تحديده.   

 ولا شك أن أصدقاءه سوف يسترجعون بحزن وأسى عميقين، تلك اللحظات الكثيرة التي صال فيها الخوري وجال، بقفشاته الساخرة، ونميمته الجميلة غير الجارحة، وقهقهاته المجلجلة، ونقاشاته التي كان يخوض في خضمها، مؤكدا فيها إلمامه الواسع بمختلف مجالات الثقافة والفن، مع مراعاته المتشددة في اختيار من ينادمه أو يجالسه، وامتعاضه المعلن الذي لا يضمره من أولائك المتسلطين المتشدقين الذين يفسدون المجالس ويلوثونها.  ورغم ذلك ظلت أواصر الصداقة المتينة التي لا تشوبها شائبة، مرتبطة برباط التقدير والاحترام بيني وبين هذا الخوري الاستثنائي، على امتداد كل هذه السنوات الطويلة، إلى أن امتطى ليلة الإثنين 14 فبراير قطار الرحيل الأبدي دون متاع ولا حقيبة سفر وعلى كاهله المتعب 83 عاما من “الأيام والليالي”.

عبد اللطيف بنيحى – شاعر وإعلامي مغربي

Visited 3 times, 1 visit(s) today
شارك الموضوع

السؤال الآن

منصة إلكترونية مستقلة