“عملية مرحبا” وتنقل المغاربة في الصيف والفصول الأربعة
مصطفى الساحلي
هناك تنويه على أن عملية “مرحبا ” ببرامجها ومبادراتها المتجددة، أحدثت تغييرات تدريجة ملموسة على مستوى الاستقبال والولوج والتعامل مع بعض قضايا الهجرة، وكذا على مستوى الجهد الإداري، وفقا للتوجيهات والتعليمات لأنسنة العلاقات بين الإدارات المغربية والمهاجرين المغاربة وغيرهم.. وهذا يتطلب السير بالعملية نحو وضع قواعد دائمة لعمليات العبور، حتى تكون جزءا من فطرتنا تلقائية حداثية وحضارية، مع أهمية ضرورة جعلها تطال الهجرات الداخلية والخارجية ولتشمل الفصول الأربعة..
وفي هذا السياق لابد أن ننتبه إلى أن أسباب الهجرة مشتركة، إما لطلب العلم والانخراط في مؤسسات علمية أو اقتصادية، أو البحث عن أبواب رزق غير التي في الوطن، بما يضمن عيشة يحقق بها دعما لأسرته واستقراره ولتطوير موارده المالية، وللاستثمار بعد صبر وتضحية في التجارة أوالصناعات أوالعقار و.. بدول المهجر أو بالوطن أو بهما..
كما يجب الانتباه إلى أن ملايين المغاربة اختاروا ضرورة أو كرها الهجرة من العوالم القروية إلى مدن صغرى ومتوسطة وكبرى، وبمعاينات بسيطة سنجد على سبيل المثال أن أغلب التجار والحرفيين واليد العاملة بالمغرب أصولهم قروية بامتياز، وعمليات هجرتهم امتدت لقرون ووصلت إلى مستويات أصبحت تخل بالتوازن الديموغرافي، نتج عنها شبه فراغ بالبوادي التي تدهورت أدوارها الريادية السابقة، بسبب السياسات التي أنتجت إكراهات وأزمات بتأثيراتها على المستوى الاقتصادي والتنموي والاجتماعي والتعليمي وفرص العمل، وغياب بدائل أكثر مردودية لمصادر العيش ببلدان الأصول والنشأة…
ونحن نستعد لعطلة الصيف، وللاحتفال بعيد الأضحى، نستحضر أن عدة مدن كبرى ومتوسطة وصغرى، ومنها الدار البيضاء، تتقلص فيها الحركة التجارية والاستهلاكية في قطاع التجار الصغار والمتوسطين بنسبة مهمة، نظرا لعودتهم لمواطنهم الأصلية بأقاليم المغرب، لقضاء أيام العيد والعطلة السنوية رفقة أسرهم، ومنهم خاصة مئات الآلاف من أبناء أقاليم جهة سوس ماسة وجهة كلميم واد نون… حيث من الضرورات الاهتمام بدراسة أحوال وأوضاع حركية الساكنة عبر كل جهات وأقاليم وجماعات المغرب، في عطلة الصيف والعطل السنوية، سواء لقضاء عطل سياحية أو لصلة الرحم مع الأصول وبلاد الوالدين والأجداد. ذلك أن أسباب هجرة المواطنين والمواطنات داخل الوطن وخارجه، يجب أن تحظى بكل الاهتمام الحكومي، وطنيا وترابيا وعلى مستوى النهوض بأراضي النشأة، بفتح أبواب التنمية المحلية القادرة على إدماج وتأهيل واستقرار الناس في قراهم عند عودتهم..
إن المهاجرين والمهاجرات المغاربة بدول العالم ومن مختلف ربوع الوطن يقومون بجهد وتضحيات كبيرة، لتنمية قدراتهم وتحسين أوضاعهم وخلق دينامية في مختلف مجالات الإنتاج، فيجعلون كل ذلك في خدمة أسرهم وقراهم وجماعاتهم والوطن، وهنا يجب التنويه بالمجهودات التنموية التي قاموا ويقومون بها للنهوض بتنمية قراهم، والمساهمة الفعلية في العديد من المشاريع والبرامج، من بناء الأقسام والمراكز الصحية، وتهيئة الطرق والماء الشروب، والربط بالكهرباء والأعمال الإنسانية والاجتماعية والتراثية… ولولاهم لتحولت قرانا بأعالي الجبال وعمق البوادي إلى أراضٍ مهجورة وخلاء تندثر بها ثقافات محلية، ويتعطل التوازن الحكيم الضامن لنجاح إبداعات واجتهادات الساكنة المستقرة بما يخدم ويحمي المجال والبيئة ويخفف من ثقل المسؤوليات العمومية..
لهذا من الضرورات الاستعجالية العادلة مراجعة وتغيير سياسات تعميم التنمية وآثارها على المناطق التي عرفت هجرات كبيرة، وكذا التي بدأت تعرف ارتفاعا في نسبها مع تعلق الأمر بالعالم القروي منه الأراضي السهلية والصحراوية، كما وبصفة أكبر جبال الوطن التي لازالت في حاجة كبيرة إلى آلية تنموية تضمن الاستقرار، وتخلق فرص العمل والإنتاج، انطلاقا من الثروات والمنتوجات والمؤهلات المحلية الطبيعية والسياحية والثقافية والتاريخية..
إن الأمل كبير في المستقبل، لأن أبناء الوطن يضخون دماء الحياة والوفاء والتنمية لبلدان نشأتهم، بهجرتهم السنوية الكبرى من دول العالم ومختلف مدن المغرب، ولنا أن نحرص بقوة على أن تستمر على نفس النهج الاجيال التي ولدت في بلدان الاستقبال..
لهذا، لنا أن نفكر ونقول ونعمل من أجل عبور تنموي بالإنسان المغربي، الذي يضخ العملة الصعبة نحو مالية الدولة والأسر في كل الربوع، وهذه تحتسب طوال أشهر السنة في الدراسات المالية والاقتصادية ويفتخر بها، مع العلم أن المهاجرين من قراهم إلى حيث العمل بالمغرب، يضخون أيضا أموالا طائلة يجب تثمينها بتدعيم مجهوداتهم الكبيرة، التي تسعى بحكمة إلى إبداع وإنجاز برامج تهم الرعاية المالية والاقتصادية والاجتماعية والتعليمية والإنسانية، لأبناء البوادي لعقود ما قبل الاستقلال وبعده، ولازالوا على نهجهم القويم الى يومنا هذا.. وهذا يتطلب من الحكومة:
– توسيع مفهوم وغايات عملية “مرحبا”، لتكون عبورا تنمويا وتأهيليا واستقطابيا وتشجيعيا للاستثمارات الملائمة لكل منطقة، بالاعتماد على قدرات وإمكانيات المهاجرين، ودعم الدولة ومؤسساتها. وهذا لن يتأتى إلا بالانتقال من الأقطاب الجهوية إلى الأقطاب الترابية، على مستوى كل المناطق المعنية بكل إقليم، بما يحقق قربا من العلاج والتعليم والاستثمار في الثروات المختلفة بالبلدان، ومنها المعادن، بشراكات مع الساكنة وجماعاتها الترابية، مع توظيف الخيرات في التأهيل والتهيئة والتجهيز، ولتطوير الاقتصاد والانتاج المحلي في الفلاحة والتشجير والرعي، وتثمين المنتوجات المحلية وحمايتها وتسير تسويقا داخليا وخارجيا..
– التعجيل بتنزيل قواعد وآليات “العبور” المختلفة لمصالح وحاجات وخدمات الشعب، بين الإدارات والمؤسسات والسلطات الترابية المنتخبة والإدارية، بما يضمن السرعة والنجاعة والشفافية، والقرب وحسن الاستقبال، مع مراقبة وتقييم دوري للسير العادي المطلوب، في كل المرافق والإدارات، يقطع مع المحسوبية والزبونية والتراخي والتماطل وتعقيد المساطر..
فليكن عبورنا جميعا جديا وعمليا على جميع المستويات، من خانة الدول السائرة في طريق النمو، أو المتخلفة إلى الدول الرائدة والمتقدمة والمتحضرة، لأن وقت التقدم يضايقه مد التخلف والجهل من جهة، وتغول المحتكرين للتكنولوجيا والاقتصاد العالمي من جهة أخرى، ولنتفادى أن نضيع على أمتنا وشعبنا عقودا تنموية قد تغرق أقدامنا في أوحال التأخر والتخلف والتبعية.
تارودانت: الخميس 02 يونيو 2022