التعليم الرسمي في خطر… والجامعة اللبنانية تنهار

التعليم الرسمي في خطر… والجامعة اللبنانية تنهار

أحمد ترو

الأزمة الاقتصادية التي عصفت بلبنان، لم ترحم أي قطاع من ضررها لا سيما المؤسسات الرسمية وبخاصة القطاع التعليمي. فمنذ مطلع العام الدراسي الحالي الذي شارف على الانتهاء والاساتذة المتعاقدون الذين يشكلون حوالي ٧٠٪ من إجمالي الكادر التعليمي الرسمي وهم يعيشون على أمل الحصول على حقوقهم، لكن الوعود التي تلقوها من وزير التربية عباس الحلبي في حكومة تصريف الاعمال لم يتحقق شيئا منها، باستثناء رفع اجر ساعة التدريس من ٢٠ الف ليرة الى ٤٠ الف ليرة اي ما يوازي أقل من دولار ونصف حسب سعر الصرف بالسوق السوداء، وفيما خص تحسين بدل النقل اليومي للمعلمين بقي القرار حبرا على ورق فصفيحة البنزين اليوم تلامس الــ ٧٠٠ الف ليرة، مما يعني أن مستحقات الأستاذ  لشهر الواحد لن تكفيه ثمن “بنزين” التنقلات، اما بشأن المساعدات من صندوق النقد الدولي، فقد حصلت وزارة التربية على ٣٧ مليون دولار في مطلع العام الدراسي الحالي، خصص منها ٩٠ دولارا للكادر التعليمي، لكن لم يحصل عليها إلا قلة من الاساتذة ولعدة اشهر فقط.

 وفي هذا السياق تقول رئيسة لجنة الاساتذة المتعاقدين في التعليم الرسمي  نسرين شاهين لــ “السؤال الآن”: “منذ بدء العام الدراسي لغاية اليوم تم رفع أجر ساعتنا من 20 الف ليرة الى 40 الف ليرة، وحين طالبنا برفع أجر الساعة كان الدولار بــ 17 الف ليرة اما اليوم الدولار بـ 30 الف، معنى ذلك اننا لم نستفيد من ارتفاع أجر الساعة، والمخزي اننا منذ رأس السنة لليوم لم نتقاض رواتبنا مع إننا وعدنا بالحصول عليها شهريا، لكن وللاسف حتى فصليا لم نتقاضاها”.

وتوضح: “حصلت وزارة التربية على 37 مليون دولار من صندوق النقد الدولي كحوافز للاساتذة، خصص منها 90 دولار لكل استاذ ولا نعلم لماذا 90 وليست 100، ولماذا يتم دفعها حسب سعر صيرفة لا بسعر السوق السوداء، كما إنها احتسبت بحسب الحضور والساعات وبالتالي فالأستاذ في الملاك الذي كان لديه التزام كان يتقاضاها كاملة، أما الاستاذ المتعاقد فكانت رهن نسب ساعات تدريسه ونحن نعلم أن ساعات الأستاذ المتعاقد تحدد من قبل المدراء التابعين للسلطة السياسية، التي تقدم الساعات للاساتذة وفقا لتبعية الاستاذ سياسيا ومدى خضوعه لهم، وبالتالي هذا الأمر كان ظلما للمعيار الذي دفع على اساسه، فالــ 90 دولار حصل عليها قسم من الاساتذة لعدد قليل من الاشهرـ بينما آخرون لم يحصلوا على سنت واحد منها، والوزير دائما يضع الحجة بالنظام وعدم الانتهاء من الاجراءات”.

ودعت وزير التربية “لكي يكون لهذا النظام منصة شفافة يضع عليها الـ 37 مليون دولار ويشرح كيف صرف هذا المبلغ”.

انفصال 35 % من الأساتذة

فيما خص تحسين بدل النقل، تقول شاهين: “إثر اضرابنا لثلاثة اشهر خلال العام الدراسي وبعد اعتصامنا الشهير الذي شارك فيه قرابة 4000 استاذ في ساحة رياض الصلح، صدر مرسوم من بعبدا بشأن تحسين بدل النقل ونشر بالجريدة الرسمية، لكن للاسف لغاية اليوم لم نحصل عليه. وزير التربية يقول لا يوجد أموال في وزارة التربية لكننا لا نعرف لماذا كل موظفي القطاع العام يحصلون على بدل نقل باستثناء الاساتذة، وعدم قدرة الاستاذ للوصول الى مكان عمله أدت في نهاية المطاف الى انفصال 35 % الكادر عن التعليم الرسمي”.

وزارة التربية تستغل فئات من القطاع التعليم

بالنسبة للامتحانات الرسمية ودخول اساتذة، لا تتوفر لديهم المعايير اللازمة لمراقبة التلامذة وتصحيح امتحاناتهم، تؤكد شاهين: ” نحن لسنا ضد ان يأتي أشخاصا جدد من أي فئة، لكننا ضد اذا كانوا لا يتسمون بالمعايير التي تؤهلهم للتصحيح. ونحن نعتبر ما يرسم للبنان هو تفريغ القطاع العام من الموظفين لان هناك من يعتبرهم عبئا على الدولة، وفي هذا الاطار وزارة التربية تنفذ الاجندة المطلوبة منها في خصخصة القطاع العام: اولا، عندما تسببت بانفصال ٣٥% من الكادر التعليمي عن التدريس سواء من المتعاقدين او الملاك. ثانيا، حين لجأت للخصخصة وبخاصة ان المدير العام لوزارة التربية عماد الاشقر هو نفسه رئيس مصلحة التعليم الخاص وهنا تتضارب المصالح بين المنصبين”.

وتابعت: “ما حصل بعد رفض نصف الأساتذة بالذهاب الى المراقبة والتصحيح لجأت الوزارة الى اساتذة التعليم الخاص والمستعان بهم ليس حبا بهم او لتغيبر بمفهوم الامتحانات الرسمية التي تجرى دوما تحت رعاية المدرسة الرسمية، بل لان الوزارة لم تؤمن لاساتذة التعليم الرسمي حقوقهم. وهنا لا بد من التأكيد انني لست ضد أساتذة القطاع الخاص، والغريب في سلوك الوزارة انها لم تكن تسمح للأساتذة المستعان بهم الذين دخلوا قطاع التعليم الرسمي في العام ٢٠١٤ بمراقبة تلامذتهم اما اليوم سمح لحوالي 2500 منهم للمشاركة بالتصحيح كما دخل 6000 من اساتذة التعليم الخاص.

مصححون يفتقرون المعايير!

وعن تفاصيل المعايير التي يجب توافرها بالمصححين، تقول: “الاساتذة الذين لا يملكون المعايير هم ليسوا اساتذة التعليم الخاص والمستعان بهم، بل الذين دخلوا لضرب المعايير التي اعتمدت سابقا وهي: شرط ان يكون المصحح قد درس مادة الاختصاص لثلاث سنوات متواصلة. وهذا الأمر قد تغير اليوم، لأن وزارة التربية إضطرت الى اللجوء لأساتذة لا تتوفر بهم هذه الشروط لسد الفجوة التي وقعت بها. الذين دخلوا المراقبة والتصحيح هم: أساتذة التعليم الخاص، أساتذة الملاك والأساتذة المتعاقدين. وهنا لا بد من الاشارة إلى إننا لا نهاجم أساتذة الخاص والمستعان بهم، بل هجومنا على عدم الالتزام بالمعايير، فهناك أيضا أساتذة ملاك ومتعاقدين لا يملكون هذه المعايير، فالامتحانات الرسمية تمثل شهادة وطنية ولا يصح المخاطرة بها”.

أقلام مأجورة

وتأسف شاهين على قلم بعض الصحفيين الذين وصفتهم بالمأجورين بحسب تعبيرها وتهجمهم عليها بتسميتها ممثلة المتعاقدين. وتقول: كان من الأجدى ان يسألوا لجنة التربية ووزير التربية عن الخلل الذي حصل معنا ويسألهم اين كانت مسؤولياتهم عندما أضرب الاساتذة لثلاثة اشهر، وما هي مسؤولية أحزابهم السياسية التي عينتهم داخل الوزارة، وأن يسألوا عن المحاصصة السياسية التي خلف وزير التربية لماذا لم تقوم بمشروع تثبيت من 17 عاما لليوم”.

الجامعة اللبنانية أيضا

حال أساتذة الجامعة اللبنانية لا يختلف كثيرا عن زملائهم المتعاقدين والملاك في المدارس الرسمية، فمنذ بضعة أسابيع خرج رئيس الجامعة اللبنانية بسام بدران ببيان ووزعه على الطاقم التعليمي للجامعة فيما خص استعدادهم للتعليم حضوريا في حرم الجامعة، واستغرب بعض الدكاترة هذا التصرف، معتبرين إنه في ظل هذا الغلاء المعيشي على كل المستويات من الصعب الاستمرار في التعليم من دون أي تحسين في الأجور.

 في حديث حول تفاصيل هذه الرواية مع الدكتور زياد دمج وهو أحد المدرسين المتفرغين في الجامعة اللبنانية، يقول: “هذه الرواية هي لسان حال كل أستاذ جامعي، الذي بات يتشوق للحياة المهنية التي اعتادها على مر عقود، لكن حال الجامعة اللبنانية لا يمكن أن يكون أفضل من حال لبنانها الجريح المطعون من الجميع الجهات، ولا يمكن لها أن تنهض بدون وجود دولة قادرة على تأمين مقومات الريادة، ونحن كهيئة تعليمية نتمنى أن يستعيد البلد عافيته هذا ما سيحتم عودة الأمور إلى سابق عهدها، حيث أن مكان الأساتذة والطلاب الطبيعي هو قاعات التدريس والمختبرات”.

أما عن كيفية اختلاف حال الأستاذ الجامعي لا سيما المادي، قبيل تدهور الوضع الاقتصادي وبعده يؤكد دمج: “هنا لا يوجد حديث عن إختلاف، بل هو سقوط حر من الطبقة الوسطى الى حدود خط الفقر،  ولا يقتصر فقط الحديث عن الدخل المادي، فنحن الآن نفتقد إلى الأمان الصحي، والى القدرة على تعليم أولادنا حيث أن المنحة المقدمة من الجامعة لا تغطي سوى جزء بسيط من تكلفة النقل، ناهيك عن إستجداء رواتبنا والمساعدات التي تقدمها الجامعة على أبواب المصارف.

  الحال المأساوي الذي يعيشه اليوم الأستاذ الجامعي قد يؤثر على قدرته في العطاء لتلامذته في ظل عقبات عديدة من شأنها ان تكون عائقا امامه يمنعه من تقديم المواد المطلوبة بالشكل الملائم، في هذا الاطار يقول دمج: “نحن اليوم أمام واقع لا نستطيع مجابهته بالتضحية والضمير المهني فقط، نحن أمام مأساة كبرى تنال من الطالب والأستاذ على حد سواء، بالرغم من إعتماد التعليم عن بعد، يبقى هناك الكثير من العقبات: انقطاع التيار الكهربائي وضعف الأنترنت، وعدم القدرة على صيانة أو تأمين بديل للأجهزة الإلكترونية وربما عدم توفرها لدى الكثير من الطلاب، لذلك نحن كأساتذة نبذل ما بوسعنا لإيصال المعلومات للطلاب، ونستقبل أسئلتهم عبر “الواتس أب” طيلة الأيام لمساعدتهم على تخطي العقبات.

لماذا تتأخر نتائج طلاب الجامعة في الصدور؟

وعن الطلاب الذين يشتكون من التأخير في إصدار نتائجهم إلى مدة قد تصل إلى منتصف فصل الصيف، يشرح دمج هذا الامر قائلا: “هذا التأخير يعود بالدرجة الأولى الى عدم توافر الكادر البشري اللازم في الإدارات لعدم قدرتهم على تحمل الأعباء المادية للوصول إلى مراكز عملهم، وبالدرجة الثانية إلى تأخر الأساتذة بتسلم وتسليم النتائج للأسباب عينها.

الجامعة اللبنانية هي الحاضر والمستقبل

ما سبق توضيحه يشير الى خطر يحيط بمستقبل الجامعة اللبنانية وهنا يؤكد دمج: “مستقبل التعليم في لبنان لا خوف عليه لأن اللبناني قد لا يتوانى عن بيع بيته لتعليم أولاده، لكن الخوف على الجامعة اللبنانية التي قد تشهد العام المقبل نزيف لطلابها بإتجاه الجامعات الخاصة التي لم تعان من إضطراب في روزنامتها الدراسية، لكن مهما طالت الأزمة ستبقى الجامعة اللبنانية هي الحاضر والمستقبل للتعليم في لبنان، وعلى الجميع مسؤولية انهاضها بأسرع وقت ممكن، لأنها جامعة بكل معنى الكلمة يجتمع تحت سقفها جميع مكونات وطبقات المجتمع اللبناني، ولا يحمل شهادتها إلا من يستحقها”.

اما فيما خص الوعود التي تلقاها اساتذة الجامعة من اجل تحسين أوضاعهم واجورهم المادية يشير دمج: “موضوع الأجور لا يرتبط بالوعود على قدر إرتباطه بالامكانيات، والجميع بات يعلم أن للجامعة اللبنانية ملايين الدولارات في ذمة شركات الطيران حتى الآن لم تحصل عليها، وبالتالي أن الوعود التي قدمت كانت مرتكزة على هذه المداخيل التي نطالب بصرفها بالــ “فريش” دولار للجامعة اللبنانية لكي تتمكن من صيانة مبانيها ومختبراتها وتأمين لوازم امتحانتها ومن ثم تقديم المساعدة لأساتذتها كي يتاح لهم تأدية رسالتهم التعليمية، على أمل أن يستعيد وطننا لبنان عافيته وتعود للجامعة اللبنانية مكانتها ووقارها، وبالتالي تصان حقوق جميع موظفين القطاع العام الذين انهكوا طوال هذه الأزمة”.

وفي ختام حديثه يقول: “لابد من الإشارة إلى الزملاء المتعاقدين الذين لغاية الآن لم يتقاضوا أجورهم عن العام 2020/2021 بحيث نطالب بإتمام ملف التفرغ بأسرع وقت ممكن لأن عدم إقرار هذا الملف سيؤدي إلى تفريغ الجامعة اللبنانية من كوادرها”.

Visited 5 times, 1 visit(s) today
شارك الموضوع

أحمد ترو

صحفي لبناني