لأي هدف أقيم مركز حدودي بين موريتانيا والجزائر؟
عبد السلام البوسرغيني
ليس مطروحا وضع موريتانيا أمام الاختيار بين المغرب أو الجزائر
مرت على كتابتي لهذا المقال ثلاث سنوات ولم يفقد في نظري أهميته، من حيث تناوله قضية من الآهمية بمكان، وهي قضية المواصلات وتأثيرها على علاقة موريتانيا بالمغرب وعلاقتها بالجزائر. ويدفعني إلى نشره إلى ما عرفته المنطقة من تطور بعد أحداث الكركرات في نوفمبر – تشرين الثاني سنة2020٠، التي قيل في وصف ما آلت إليه “لقد انقلب السحر على الساحر”.
في أي إطار ولأي هدف تمت إقامة مركز للحدود بين موريتانيا والجزائر في منطقة صحراوية الطبيعة، كانت حتى وقت قصير خاضعة لحظر عسكري من جانب موريتانيا؟ وما هي المستجدات التي كانت قد أملت فتح ذلك المركز بصفته المعبر الأول من نوعه، بعد مرور أكثر من خمسين عاما على استقلال البلدين، ظل خلالها التنقل في تلك المنطقة الصحراوية لا يخضع لأي إشراف إداري أو مراقبة رسمية متفق عليها بين البلدين؟
ويمكن التساؤل أيضا عن الاعتبارات غير الاقتصادية التي عجلت، وخصوصا لدى الجانب الجزائري، باتخاذ قرار إقامة ذلك المركز الذي كلفها لوحدها على ما يبدو على مليار و 150 مليون دينار جزائري، ما دام أن حركة التبادل التجاري عبر تلك الحدود الصحراوية منعدمة تقريبا؟
إنها أسئلة تفرض نفسها بالنسبة للظرفية التي كانت سائدة سنة 2018 في المنطقة المغاربية، وبالنسبة لكون الجزائريين والموريتانيين أعطوا أهمية كبرى لحفل التدشين الذي نظم يوم 19 غشت- آب 2018، وحضرته شخصيات مدنية وعسكرية يتقدمهم وزيرا الداخلية لكلا البلدين، واستدعي للحفل عدد من الديبلوماسيين.
وبالنظر إلى الأحداث التي وقعت في شهر نوفمبر – تشرين الثاني 2020 في منطقة الكركرات، حيث يوجد مركز حدودي هام أضحى يضمن المواصلات والمبادلات التجارية، لا فقط بين المغرب وعمقه الإفريقي، بل وأيضا بين القارتين الإفريقية والأروبية، فقد كشفت تطوراتها على أن إقامة ذلك المركز الحدودي كان بهدف تنفيذ مخطط محاصرة، بل وإغلاق مركز العبورالرئيسي بين موريتانيا والمغرب. وبالفعل فقد تم تجنيد فلول من اللاجئين الصحراويين والإتيان بهم إلى مركز الكركرات، حيث أقاموا حوله مخيمات في المنطقة، وعبثوا بالطريق وتخريبها وأغلقوا مركز العبوربين موريتانيا والمغرب. ولقد تجندت أجهزة الإعلام الجزائرية وعبأت العاملين بها في حملة دعائية وكأنها توحي بأن المنطقة مقبلة على تحول حاسم لنزاع الصحراء، وبأن البوليساريو لها من القدرة على إغلاق ذلك المركز الحدودي بين موريتانيا والمغرب، بدعوى أنه غير شرعي، وعلى اعتبار أن المنطقة العازلة هي منطقة محررة يحق للبوليساريو التصرف فيها، مثلما هو الأمر في منطقة بير لحلو وتيفارتي، وهي منطقة ما يزال للبوليساريو وجود فيها.
ولقد انتهى الأمر بتفكيك الحصار المضروب على المركز من طرف الجيش المغربي، الذي أقدم على تطهير منطقة الكركرات وإغلاقها في وجه فلول الانفصاليين الصحراويين، وبذلك مهد السبيل لتمديد الجدار الأمني ليصل إلى الحدود الموريتانية، وأتاح ذلك للمغرب الفرصة كي يعلن عن كون منطقة الكركرات لم تعد خاضعة لنظام المنطقة العازلة المنزوعة السلاح، التي أقيمت بمقتضى اتفاقية وقف إطلاق النار المبرمة مع الأمم المتحدة، في انتظار إيجاد سبل لتسوية نزاع الصحراء. وبتمديد الجدار الأمني الدفاعي لتحصين منطقة الكركرات، فقدت البوليساريو سبل الاتصال بهذه المنطقة، ولم يعد لها أي وجود فيها، وقد حدث ذلك بعد أن كان قادة الانفصاليين يتباهون ببث الصور التي تظهرهم وهم يتجولون على رمال شاطئ المحيط الأطلسي في الكركرات.
لقد حدثت تلك التطورات في شهر نوفمبر – تشرين الثاني 2020، ومنذ ذلك الحين عرف مركز الحدود ومنطقة الكركرات عموما تطورا مدهشا، وتبين مما أنجز حتى الآن، وضمنه مسجد كبير في طور البناء، أن هذه المنطقة سائرة لتتحول إلى مدينة واسعة، على غرار ما حصل في بوجدور الذي أصبح من أهم المدن الصحراوية، بعد أن لم يكن في موقع المدينة كما تركه الإسبانيون لدى انسحابهم من الصحراء الغربية، سوى منارة لإرشاد السفن العابرة بالقرب من الشوطئ الأطلسية للمغرب.
ونعود للحديث عن مركز الحدود الموريتاني الجزائري، لنشير إلى أنه أقيم على بعد 75 كيلومتر غرب الحدود الموريتانية الجزائرية البالغ طولها ٤٠٠ كلوميتر، ومن خلال الصور التي نشرت عن المركز الجزائري، يبدو وكأنه ثكنة عسكرية أو مركزا لوجيستيكيا أملت تشييده اعتبارات استراتيجية، وقد تكون عسكرية، وقد شيد في منطقة كانت خالية من كل نشاط، باستثناء تحركات مشبوهة تنتمي لعصابات البوليساريوأو لمهربين، ويرتادها أحيانا المنقبون عن الذهب في الصحراء. ولدرء مخاطر التهريب على الأمن الوطني الموريتاني، والذي قد يشمل السلاح وما يمثله ذلك من خطر، وجد الموريتانيون أنفسهم قبل بضع سنوات مضطرين إلى إعلان تلك المنطقة منطقة خاضعة لنظام عسكري يحظر التنقل فيها.
وكما ذكرت المصادر الجزائرية فإن قرار تشييد المركز الحدودي اتخذ في اجتماع اللجنة المشتركة الجزائرية الموريتانية المنعقد في دجنبر 2016، لكن تشييده وتدشينه تآخر لسنوات. ويروم المركز، حسب نفس المصادر، إقامة إدارة محكمة ومراقبة دائمة لتحرك الأشخاص والبضائع ومنع آلتهريب.
وبالتأكيد فإنه حتى في حالة خلق نشاط تجاري عبر المعبر، وهو ما لم يتحقق خلال السنين القليلة التي مرت على افتتاحه، ولن يتحقق في المستقبل المنظور، فإن الأمر لن يخرج عن نطاق ربط تندوف بمدينة الزويرات الموريتانية، لإحداث متنفس المهيمنين على مخيمات اللاجئين الصحراويين المحتجزين في منطقة تندوف الجزائرية، حيث يعانون من قساوة الطبيعة وشظف العيش منذ أكثر من أربعة عقود ونصف من الزمن، في حين يتمتع قادة البوليساريو بما يغدقه عليهم رجال النظام الجزائري من أموال وما يهبونه لهم من تسهيلات التنقل عبر العالم.
وبالنظر لما قيل بأن الجزائر تسعى إلى منافسة الممر الحدودي المغربي الموريتاني في منطقة الكركارات، فإن ذاك يبدو غير ممكن لأن من المسلم به أن المعابر الحدودية لا تصنعها القرارات السياسية، إذ يقول السيد علي بلعمش أحد أبرز الكتاب الموريتانيين: “إن المعابر الحدودية هي جزء من نمط العيش اجتماعيا وثقافيا واقتصاديا”، وتبعا لهذا القول لايتوقع ولو في المستقبل المنظور أي نجاح للمعبرالحودي الذي أنشئ بين الجزائر وموريتانيا، لعدة أسباب منها بعد المسافة بين التجمعات السكانية وبين مدن كلا البلدين، وانعدام أي نشاط اقتصادي وغياب البنيات الإساسية، وخصوصا الطرق المعبدة التي يتطلبها هذا النشاط. ولقد شهد الناس عن طريق وسائل الاتصال الاجتماعي، وغير ما مرة الشاحنات الجزائرية وهي غارقة في الرمال، وهو أمر لا يشجع السائقين على المغامرة في التنقل عبر منطقة صحراوية تنعدم فيها الطرق المعبدة ووسائل الراحة.
ويرى الملاحظون الذين لهم إلمام ومعرفة بالمنطقة أنه من المستبعد أن يحدث أي نشاط من شأنه أن ينافس ما بين المغرب وموريتانيا من روابط وارتباطات وتبادل المنافع، كما يرون أنه لن يرقى أي نشاط بشري مهما كان مع الجزائر إلى ما نسجه التاريخ عبر العقود، بل وعبر القرون بين المغاربة والموريتانيين. وليس مطروحا بالنسبة للشعب الموريتاني أن تفرض أية جهة أو دولة على أفراده الاختيار: إما المغرب او الجزائر، لأن للموريتانيين ألف سبب للذهاب إلى المغر، وليست لهم دوافع مشجعة للذهاب إلى الجزائر، كما يقول السيد بلعمش. وإحدى الدلائل على ذلك، أنه يوجد خط جوي يربط نواكشوط بالدار البيضاء يوميا وبطائرات ممتلئة، في حين لم تكن موجود ة حتى وقت ليس ببعيد سوى رحلة جوية واحدة أسبوعيا بين نواكشوط والعاصمة الجزائرية، وتأتي في أغلب الأحيان، كما يقال فارغة من المسافرين، لعدم وجود تعامل بين البلدين بما فيه الكفاية.
وهذه في رأيي هي الحقائق التي يجب أخذها بعين الاعتبار لتقييم المركز الحدودي الموريتاني الجزائري.