رومانيا تعيد استحضار الأونيرا هل يفتح هذا الباب لبؤرة قتال جديدة في مولدوفا؟
د. زياد منصور
ديون في مولدوفا بتاريخ هام. في مثل هذا اليوم من عام 1918، أصبحت بيسارابيا جزءًا من رومانيا. وفي الأول من كانون الأول – ديسمبر من نفس العام، وقع الحدث الأبرز لما يسمى الأونيرا -أي ضم ترانسيلفانيا إلى المملكة الرومانية، والتي أكملت بذلك تشكيل رومانيا الكبرى.
كيف اتحدت بيسارابيا مع رومانيا في عام 1918، وكيف تعود اليوم هذه الفكرة مجددا الى الظهور بعد مائة عام، ومن ولماذا يلعب هذه الورقة السياسية، وهل لا يزال ممكنا تكرار الأونيرا Uniria بالفعل؟
بداية ما هو ما هو مشروع الأونيرا؟
بعد 100 عام، يستمر موضوع توحيد بيسارابيا مع رومانيا في تقسيم المجتمع المولدوفي. يعتبر البعض أن الأونيريا في العام 1918، كانت بمثابة الدواء الشافي لجميع الأمراض التي كانت على جسد الشعب الواحد، وهم على استعداد لتكرار هذه التجربة بعد قرن من الزمان. فيما البعض الآخر على يقين من أنها كانت كارثة، وإذا تكررت المحاولة، فهم مستعدون “لحمل السلاح” لحماية دولة مولدوفا.
رغم ذلك في كل عام، يحتفل الأونيوريون في مولدوفا بتاريخين -الأول من كانون الأول وهو يوم الوحدة الوطنية لرومانيا و27 آذار- مارس، الذكرى السنوية لضم بيسارابيا إلى رومانيا في عام 1918. في هذه الأيام، يتم ترداد القسم الذي يتعهد أصحابه بإعادة توحيد “الدولتين الرومانيتين”.
قلة من الناس الذين يأخذون دعاة الأونيرا على محمل الجد في مولدوفا: على الرغم من الشعبية المتزايدة لفكرة التوحيد مع رومانيا. ففي كل انتخابات جرت مؤخراً، حصل السياسيون والأحزاب التي تروج لها على أكثر من 10-13% من الأصوات. يهتم الجمهور المولدوفي أكثر بالسياسيين البارزين في رومانيا نفسها، الذين قرروا فجأة باتوا يوجهون أنظارهم نحو مولدوفا. هذا ما حدث لرئيس رومانيا السابق، ترايان باسيسكو.
في مرحلة ما، قرر الأخير الحصول على الجنسية المولدوفية، ليصبح رئيسًا فخريًا لأحد الأحزاب المولدوفية، وحتى توسيع حدود ناخبيه، والتوجه الى الجمهور الناطق باللغة الروسية، كما أنه عقد اجتماعا مع الصحفيين الناطقين بالروسية، الأمر الذي لم يفعله أي سياسي أونياني في مولدوفا في السنوات الأخيرة. برأي بيسيسكو، فإن ما ينقص هؤلاء الساسة هو افتقارهم ببساطة إلى الشجاعة والانفتاح لنقل أفكارهم إلى الجمهور الناطق باللغة الروسية.
لاعب بارز آخرخلال العقد الماضي نشط في الجزء السياسي الاونياني في مولدوفا، هي ما يسمى المنصة المدنية “أكتيونييا 2012، يقودها جورج سيميون، وهو مواطن روماني تم منعه من دخول مولدوفا من قبل السلطات المولدوفية سابقاً، ثم تم الترحيب به مرة أخرى وبأذرع مفتوحة.
اليوم هناك من يطرح، كيف ستحصل هذه الوحدة، ولماذا سيكون هذا مفيدًا أيضًا للمقيمين الناطقين بالروسية في مولدوفا ، وكم سيكلف، ومن يجب أن يقنع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين أنّ هذا ضروري؟
في فترات مختلفة، تم اللعب بورقة الاونيرا الرومانية في مولدوفا من قبل قوى مختلفة، ولأغراض سياسية متعددة. وكثيرًا ما كان المستفيدون الحقيقيون من أنشطة الاونيريين هم قوى أخرى، وأحيانًا حتى خصومهم الرسميين.
والسؤال يتكرر مرارًا: لماذا ارتفع الضجيج حول الاونيرا طوال هذه السنوات، وهل كان هذا مفيدًا لكل من السلطات والمعارضة؟
حقيقة الأمر، فإن مولدوفا لم تقترب خطوة واحدة من توحيد حقيقي مع رومانيا، على الرغم من كل هذه المناورات السياسية. من ناحية أخرى، أعطت الجمهور الكثيرمن الأسباب والذرائع للسيطرة على العقول، من قبل الذين كانوا طوال هذه السنوات قد أثاروا ضرورة الكفاح ضد الاونيرا الزاحفة وقاموا ببناء الحواجز الجيوسياسية في مولدوفا.
إثارة هذا الأمر اليوم، يطرح أسئلة عن احتمالات استئناف الصراع في ترانسنيستريا (بريدنستروفييه)، بحيث يبدو أن هناك رغبة شديدة في فتح جبهة ثانية، في إطار ما يجري من عملية عسكرية، والدور الذي تقوده بعض الدول المؤثرة لأجل ذلك، والأونيرا هي حصان طروادة لذلك.
تأتي هذه التطورات على خلفية اعتقال الرئيس السابق إيغور دادون، والقمع السياسي ضد الخصوم، وحالة الارهاب السياسي المنفلتة من عقالها في مولدوفا، ومحاولة فرض ديكتاتورية النظام الليبرالي الشمولي، من قبل نظام ماي ساندو. كل ذلك يحدث، فيما الحديث على أشده عن ابتلاع رومانيا لمولدوفا واحياء مشروع أونيرا..
من الواضح أن هذه الآفاق تداخلت لسنوات عديدة مع مشروع الاونيرا “unira”، لكن الوضع الجيوسياسي في المنطقة اليوم يساهم في ذلك. قد يحتاج الغرب إلى “جبهة ثانية” ضد روسيا، وقد يكون تسخين جبهة ترانسنيستريا أو اشعال مولدوفا بأكملها من خلال ابتلاع رومانيا لها هي الطريق، وهذا يبقى خيارًا جيدًا لخصوم روسيا، الذين يهدفون إلى خلق بؤرة توتر أخرى.
لقد كانت تجري الأمور نحو هذا منذ فترة طويلة -منذ أن فقد الشيوعيون السلطة في عام 2009، وتم الإعلان عن نهج التوجه نحو الغرب، مما يعني رفضًا تامًا للاندماج الأوراسي للجمهورية. ومع ذلك، في الوقت الحالي، وعلى خلفية العملية الخاصة في أوكرانيا فإن انضمام مولدوفا الى اوروبا أو تكامل مولدوفا مع اوروبا، قد يدخل في طوره النهائي.
عمليا لا يمكن إيقاف ما قد يحصل إلا من خلال توحيد جميع المناهضين لساندو في الجمهورية نفسها. في غضون ذلك، تعمل ساندو على تقسيم المعارضة وإخراج أقوى الحجارة من رقعة الشطرنج، مثل دودون، الذي، على الرغم من خسارته في الانتخابات، لا يزال أحد أكثر السياسيين قدرة على قيادة الاتحاد. حتى لو لم يتم تزوير الأرقام النهائية للانتخابات الأخيرة، فإن ما يقرب من 43 في المائة هي قوة لا يستهان بها.
من الواضح أن ساندو، بعد أن فهمت هذا جيدًا، قررت اللعب لتأمين ذاتها، وللتأكد من عدم وجود أي شخص قد ينافسها.
ومع ذلك، هناك أيضًا فخ خطير صنعته مايا ساندو لنفسها -من خلال خلق سابقة في الانتقام السياسي، جعلت هذا الخيار المستقبلي ممكنًا وقد يحصل معها. من الواضح أن هذا لا يخيفها، لأنها عامل مؤقت، فهي تحمل جواز سفر روماني، ولديها مكان لتهرب اليه.
الشيء الرئيسي هو أنه لا ينبغي ان يسمح لها بجر بلد يقاوم توجهاتها وراءها، فهو قد يتفكك على الطريق أمام العين، كما حدث مع أوكرانيا.
الأونيرا لمحة تاريخية:
كانت إمارة مولدافيا دولة تابعة للإمبراطورية العثمانية، وضُمّت أراضيها الشرقية بين نهر بروت ودنيستر (نصف الإمارة على وجه التقريب) من قبل الإمبراطورية الروسية في عام 1812، كان ذلك بموجب معاهدة بوخارست. أطلق الروس على هذه المنطقة اسم بيسارابيا، متخذين اسمًا سبق له أن طُبّق على جزء جنوبي فقط من المنطقة (عُرف أيضًا باسم «بودجاك») وقاموا بتوسيع نطاقها لتشمل كامل الأراضي التي ضُمّت حديثًا.
الاسم مستمد من سلالة والاشيا الباسارابية، التي كانت ترأس الجزء الجنوبي في العصور الوسطى. خلال الثورة الروسية عام 1917، أعلن برلمان إقليمي شُكّل حديثًا (سفاتول تيري) استقلال بيسارابيا داخل روسيا. في عام 1918، بعد دخول الجيش الروماني بيسارابيا، قرر البرلمان المؤقت الاستقلال، وذلك قبل أن يراجع موقفه ليتخذ أخيرًا قرارًا نهائيًا تمثل في اتحاد مشروط مع رومانيا. كانت هذه الشروط لتي شملت شكلاً من أشكال الحكم الذاتي قد سقطت. في عام 1940، خلال الحرب العالمية الثانية، استجابت رومانيا لإنذار نهائي وتنازلت عن مولدوفا إلى الاتحاد السوفييتي، الذي جعلها جمهورية سوفييتية، هي جمهورية مولدوفا الاشتراكية السوفييتية. في منتصف عام 1941، انضمت رومانيا إلى محور هتلر في غزو الاتحاد السوفييتي، مستعيدة بيسارابيا وشمال بوكوفينا، ومحتلةً أيضًا الأراضي إلى الشرق من دنيستر التي أطلقت عليها «ترانسنيستريا». بحلول نهاية الحرب العالمية الثانية، كان الاتحاد السوفييتي قد استعاد كل الأراضي المفقودة، وتمكن من إعادة تأسيس السلطة السوفييتية هناك. عزز السوفييت بقوة الهوية العرقية المولدوفية، وذلك ضد الآراء الأخرى التي نظرت إلى جميع المتحدثين باللغة الرومانية على أنهم جزء من مجموعة عرقية واحدة، مستغلين الاندماج غير الكامل لبيسارابيا في رومانيا بين الحربين.
ذكرت السياسة السوفييتية الرسمية أيضًا أن الرومانية والمولدوفية كانتا لغتين مختلفتين، وللتشديد على هذا التمييز، كان لابد من كتابة المولدوفية بأبجدية سيريلية جديدة (الأبجدية السيريلية المولدوفية) استنادًا إلى السيريلية الروسية القديمة، بدلًا من السيريلية الرومانية القديمة، التي توقف استخدامها في القرن التاسع عشر في المملكة القديمة ومنذ عام 1917 في بيسارابيا.
في عام 1990 بعد انهيار الاتحاد السوفييتي، لم يحصل هذا الاندماج. فكثيرة هي العوامل التي اعاقت الوحدة، وهي عدم مبالاة الناس بها وبضرورتها، بالإضافة إلى أن هذا التوحيد سيخلق مشكلة أخرة مع الحكم الذاتي في غاغاوزيا التي تتمتع بهذا الاستقلال في ظل الدستور المولدوفي، كما ينظم القانون الغاغاوزي الحكم الذاتي منذ العام 1994، وهناك مشاكل أخرى قد تنشأ مع الناطقين باللغة الهنغارية والروسية.