ذكرى استقلال الجزائر: الصفحات المشرقة والصفحات السوداء في تاريخ العلاقات المغربية – الجزائرية
عبد السلام البوسرغيني
تحتفل الجزائر اليوم 5 يوليو – تموز بالذكرى الستين لاستقلالها وتأسيسها كدولة ذات سيادة، بعد استعمار دام مائة وثلاثين سنة، كان قد فرض على البلاد بعد انتزاعها من الإمبراطورية العثمانية، حيث كانت الجزائر تعتبر إيالة تركية، على غرار باقي الأقطارفي مشرق ومغرب العالم العربي .
هذا الاحتفال يهم الشعب المغربي الذي يتقاسم إحياءه مع الشعب الجزائري، لما يجمعهما من علاقات الأخوة والجوار، وهي علاقات فرضت عليهما في الماضي التعاون والتآزرعلى مدى عقود خلال القرن الماضي.
فانطلاقا من العشرينيات، بدأنا نتقاسم النضال السياسي لنمر بعد ذلك للكفاح المسلح، مثلما تقاسمنا التضحيات على أمل أن نبني مستقبلا مشتركا لكلا الشعبين المغربي والجزائري. فمن الديارالفرنسية كان أول لقاء تعاون بين مواطنين من تونس والجزائر والمغرب، دفعتهم علاقات الأخوة وطموح الشباب إلى تأسيس أول حركة طلابية وحدوية للنضال المشترك، ليتحول إلى نضال سياسي، خضناه معا انطلاقا من باريس، ليمتد بعد ذلك إلى القاهرة، حيث تأسس مكتب المغرب العربي الذي حظي برعاية عدد من الزعماء المغاربيين، كان على رأسهم المجاهد محمد بن عبد الكريم الخطابي، والزعيم علال الفاسي رحمهما الله . وسرعان ما تحول هذا النضال إلى كفاح مسلح ظل جزء هام منه، ينطلق من شمال المغرب حيث كانت توجد قيادة مغربية – جزائرية مشتركة للتنسيق والتوجيه والتموين والتمويل .
تلك كانت صفحات مشرقة، كما يصفها المواطنون المغربيون، عندما يتحدثون عن الكفاح المغاربي من أجل الحرية والاستقلال.
فكيف تحولت بعد استقلال الجزائر سنة 1962 إلى صفحات تسودها العتمة وأحيانا يغمرها السواد؟
ثم لماذا كلما انقشع جزء من الضباب في العلاقات يتحول الوضع إلى ظلمة تعمي البصر، بل وحتى البصيرة لدى البعض؟
إنه لا يمكن لأي إنسان ذي بصيرة ينظر بعين الإنصاف، ولا لمن له ضمير حي ، أن ينكر أن ما صنعه الاستعمار الفرنسي بالمغرب كان السبب فيما عاشته العلاقات المغربية – الجزائرية من مشاكل ونزاعات واصطدامات، وأن ما عاناه المغاربة في تعاملهم مع الجزائر، كان نتيجة تصرفات ومخططات بعض أسسوا لحكم ذي نفوذ مخابراتي وصبغة عسكرية تفكيراً وممارسة. ولقد ظلوا يسيئون إلى علاقات الشعب الجزائري بأخيه الشعب المغربي.
أعتقد أن المسؤولين المغاربة لا يرغبون في إثارة مشكل الحدود. فتلك صفحة طويت حاليا، بما لها وعليها، رغم ما أصاب المغرب من غبن في التقسيم الاستعماري الذي فرض عليه، وكما يتضح ذلك لكل منصف إذا ما وضع أمامه الخريطة الجغرافية لمنطقة شمال غرب افريقيا.
ولا يريد المغرب مطلقا أن تتكرر تجربة أكتوبر 1963، التي لم يكن المغرب قد أعد لها ما تتطلبه سياسيا ودبلوماسيا، لا داخليا ولا خارجيا، تساعد المغاربة و الجزائريين على التوصل إلى تفاهم لتسوية ولو جزء يسير من المشكل. وقد تحمل المغرب بكل صبر مضاعفاته وعواقبه المريرة. وإنه لمن المؤسف والمؤلم أن يظل أصحاب النوايا السيئة، من المسؤولين الجزائريين، يتحدثون عما حدث في “حرب الرمال” كاعتداء على سيادة الجزائر، ويتخذونه مبررا للعداوة التي استحكمت في نفوسهم ضد المغرب، ويجعلون منه عقيدة تتحكم في أي تعامل معه، ولا يميلون إلى التخلي عنه، حتى ولو حدث وظهرت من حين لآخر بوادر الانفراج في العلاقات الثنائية.
وأود هنا أن أشير إلى أن أهم تلك البوادر تمثلت في التوصل إلى ذلك الميثاق الذي أبرم يوم 15 يناير 1969 في مدينة إفران، اطلق عليه اسم “ميثاق الأخوة وحسن الجواروالتعاون”، على أن يسري مفعوله لمدة عشرين سنة، وبمقتضاه تتعهد الدولتان “باحترام السيادة الوطنية والوحدة الترابية، والامتناع عن التدخل في الشؤون الداخلية، وعدم اللجوء إلى القوة لتسوية اَي خلاف أونزاع “.
ومع ما كان الرأي العام المغربي والجزائري قد علقه من أمال على إبرام ذلك الميثاق، فإن القادة الجزائريين لم يترددوا في التحرك في الخفاء ثم في العلن، وبكل الشراسة التي يمكن تصورها على ضوء ما أبداه المغرب من استعداد، وما هيأه تمهيدا لخوض معركة استرجاع أراضيه الصحراوية، التي كانت ما تزال خاضعة للاستعمار الإسباني.