هل يخاطر زعيم كازاخستان بمصيره ليكرر ما واجهه يانوكوفيتش وبوروشينكو؟
د. زياد منصور
يبدو أن كازاخستان ورئيسها قاسم جومارت توكاييف،، سيجدان نفسيهما في وضع مشابه لما شهدته أوكرانيا ورئيسها المخلوع فيكتور يانوكوفيتش في تشرين الثاني 2013. المصير الذي جعل من يانوكوفيتش كحامل للسيف بين روسيا والاتحاد الأوروبي، كان يعكس بدقة جوهر ما كان يحدث حينها، إلى أن آثر يانوكوفيتش الوقوف في الوسط بين روسيا وأوروبا، فأصيب بالتردد، ثم فجأة أصر على التوقيع على اتفاقية عضوية أوكرانيا في الاتحاد الأوروبي، فأوقع نفسه في الفخ. ومع ذلك، فإن هذه القفزات والشقلبات من موقع إلى موقع بين شرق وغرب، لم تنقذ يانوكوفيتش من المصير المحزن لول إلى منبوذ في بلده.
توكاييف الآن كمن داس على المذراة نفسها. منذ فترة قصيرة، أصبح معروفًا أن وزارة المالية الكازاخستانية قدمت للنقاش العام مشروعاً ينظم توريد السلع الخاضعة للعقوبات إلى روسيا وبيلاروسيا. جوهر المستند هو كما يلي: لن تصدق دائرة الضرائب والجمارك في كازاخستان على نُسَخ فواتير البضائع المحظورة من قبل الدول الغربية للتصدير إلى الاتحاد الروسي وبيلاروسيا. وبدون فواتير مصدق عليها، لن تعبر البضائع الحدود.
تم تمويه أمر المسودة بمهارة مطلقة. يكفي أن نرى عنوانها المعقد والمرمَّز – “الموافقة على قواعد تنفيذ مشروع تجريبي لتسجيل وتقييد حركة عبور أنواع معينة من البضائع عند تصديرها من أراضي جمهورية كازاخستان إلى أراضي روسيا الاتحاد وجمهورية بيلاروسيا”..
في محتوى “النموذج التجريبي”، تم اقتراح حظر تصدير جميع السلع الخاضعة للعقوبات إلى البلدان التي، مثل كازاخستان، أعضاء في الاتحاد الاقتصادي الأوراسي (EAEU). كما صدرت تصريحات من قبيل: “سنثبت لشركائنا الأوروبيين أن كازاخستان لن تكون أداة للتحايل على العقوبات ضد روسيا من قبل الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي. سنلتزم بالعقوبات. على الرغم من حقيقة ذلك نحن جزء من اتحاد اقتصادي مع روسيا وبيلاروسيا ودول أخرى ونحن أيضا جزء من المجتمع الدولي، لذا فإن آخر شيء نريده هو أن تخضع كازاخستان لعقوبات ثانوية من قبل الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي”.
تسبب نشر مسودة النظام في صدى أكبر حتى من تصريحات توكاييف في منتدى سانت بطرسبرغ الاقتصادي الدولي، والتي تلخصت بأن نور سلطان (عاصمة كازاخستان) لن تعترف أبدًا بـ”أشباه دول كجمهوريتي دونيتسك ولوغانسك الشعبيتين. فالانطباعات الجيوسياسية تجاه الغرب شيء، والطعنة المحددة في ظهر شريك رئيسي في الاتحاد الاقتصادي الأوراسي شيء آخر. بعد أن تحرك الثلج من أعلى الجبل، معرضًا لخطر الانهيار الجليدي، تمت إزالة أمر المسودة على عجل من موقع نشر اللوائح ومشاريع القوانين، على الرغم من حقيقة أن وقت مناقشتها ما زال سارياً. ومع ذلك، بقيت هناك بعض الرواسب، فهناك خيبة امل من المواقف الرسمية وحتى تلك في بعض الأوساط الشعبية، خصوصاً بعد أن سمحت السلطات الكازاخستانية لمواطنيها بتنظيم المساعدات الإنسانية لأوكرانيا، وليس للدونباس، ولأنه بدلًا من قضاء الحكومة الكازاخستانية على “الروسوفوبيا” أو كراهية الروس (بعد الاحتجاجات التي عصفت بالبلاد وأخمدتها موسكو)، أجازت للجماعات التي تعتبرها موسكو معادية لروسيا بتشكيل حزب سياسي جديد.
في موازاة ذلك، تطورت قصة أخرى مرتبطة بوقف إمدادات النفط الكازاخستاني عبر ميناء نوفوروسيسك، وهو طريق التصدير الرئيسي إلى الغرب عبر شبكة خطوط أنابيب بحر قزوين (CPC)، وهو عبارة عن مساهمة مشتركة بين دولتي (روسيا وكازاخستان) وشركات خاصة (شيفرون وشل وروسنفت ولوك أويل). ولكن بما أن الأنبوب ينتهي في ميناء نوفوروسيسك، فإن روسيا هي التي تتحكم فعليًا في تصدير النفط الذي تنتجه الشركات الغربية في كازاخستان. بعد اختفاء الأمر المزعج، في 11 تموز، وبسحر ساحر، استبدلت محكمة كراسنودار، قرارها، تعليق العمل بخطوط أنابيب بحر قزوين لمدة 30 يومًا (بسبب الانتهاكات البيئية) بغرامة قدرها 200 ألف روبل.
خفف هذا الأمر التوتر الأخير بين موسكو ونور سلطان. لكن المشكلة، بالطبع، لم تنته. من دون إعلان الحرب الاقتصادية، أوضحت كازاخستان أنها تعتزم تطبيق عقوبات الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي ودول غربية أخرى، على الرغم من حقيقة أن القانون الدولي لا يلزمها بالقيام بذلك -لم تتم الموافقة على العقوبات على مستوى الأمم المتحدة حتى.
في الوقت نفسه، يتم بث أطروحة للجمهور الغربي أن كازاخستان لا تريد أن تكون بمثابة أداة لتجاوز القيود المفروضة وتخشى فرض عقوبات ثانوية ضدها بالفعل، لذلك اضطرت لاتخاذ مثل هذه المواقف.
وهنا، بالطبع، يطرح سؤال منطقي: أين تنتهي المصالح الوطنية وتبدأ الالتزامات مع الحلفاء؟ سيتعين على الرئيس توكاييف الإجابة على هذا السؤال في المستقبل القريب جدًا. لقد وصلت إبرة البارومتر كما يقال إلى 180 درجة، ولا يوجد إمكانية لتنحرف أكثر. القرار صعب بشكل خاص على توكاييف، بالنظر إلى موقفه. لا يخفى على أحد أن رئيس كازاخستان أصبح رئيسًا للدولة خلفًا لنور سلطان نزارباييف، الذي فقد، بعد أحداث كانون الثاني- يناير في الجمهورية، أدوات التأثير على صنع القرار والامتيازات التي تمتع بها بصفته أول رئيس لكازاخستان وزعيم الأمة.
لقمع الاضطرابات، التي هددت بالتطور إلى تمرد يلحق الضرر، بل ويهدد الجمهورية بخطر بقاء دولة كازاخستان نفسها، حيث شاركت قوات منظمة معاهدة الأمن الجماعي، والتي تلعب فيها روسيا بلا شك دورًا رئيسيًا بدور في منع تمددها. نتيجة لذلك، بقي توكاييف في الحكم، لكنه بدأ على الفور تقريبًا في لعب لعبة محفوفة بالمخاطر. يمكن اعتبار وجود قوات الأمن الجماعي الضامنة للحكم كبادرة حسن نية من قبل روسيا لمنع الوضع من الانفلاش الكامل، فهي ليست قوة مشاركة في أحداث كازاخستان بل هي قوة لتثبيت دعائم النظام هناك وحماية الاستقرار في آسيا الوسطى. وحتى تصريحات توكاييف حول عدم الاعتراف بدونيتسك ولوغانسك وهما جمهوريتين تخوض روسيا عملية خاصة من أجلهما، كان يفترض بعض الحذر من المسؤولين الكازاخ.
لكن توكاييف ذهب إلى أبعد من ذلك. بادئ ذي بدء، عمل كجماعة ضغط لمصالح جارته الصين، وفعل ذلك في منتدى سانت بطرسبرغ الاقتصادي الدولي بكل أمانة. يمكن الاستنتاج من تصريحات توكاييف، أن الأولوية بالنسبة لروسيا وكازاخستان يجب أن تكون التقارب مع منظمة شنغهاي للتعاون (SCO) ومشروع حزام واحد وطريق واحد في الصين. علاوة على ذلك، اقترح أن يكون التقارب ليس مع الجميع في نفس الوقت ولكن في إطار الاتحاد الاقتصادي الأوراسي، وبشكل منفصل مع كل منظمة وفقا للمصالح. دون شك فإن توافق كازاخستان المفتوح مع العقوبات الغربية ضد روسيا وبيلاروسيا يثير مسألة خروج نور سلطان من الاتحاد الاقتصادي الأوراسي.
وهذه المرة، يخاطر توكاييف بتكرار مصير زميله الأوكراني الآخر، بيترو بوروشينكو، الذي، كما نعلم، تبنى وروج بنشاط أطروحة “أبعد من موسكو!”. وحتى لو لم يفر بوروشنكو بعد من أوكرانيا، مثل يانوكوفيتش، فإن الظروف قد تجبره قريبًا على القيام بذلك.