غورباتشوف.. نهاية الاتحاد السوفياتي على يد حفيد التروتسكيين
فجري الهاشمي
قدمت ليلة أمس قناة arte الفرنسية – الألمانية برنامجا كان قد تم إعداده قبل وفاته، لم يكن الرجل في صحة جيدة، لقد أنهكه الزمن وكان يمشي بصعوبة متكئا على كرسي عكاز.
عاش ميخائيل غورباتشوف أيامه الأخيرة في شقة واسعة، تدبر له أصدقاؤه مصعدا حتى يستطيع الصعود إلى غرفة نومه في الطابق الأول .
قال الرجل إنه يعيش بمدخراته، خصوصا تلك التي وفرها من المحاضرات التي قدمها في العديد من الجامعات. وقال إنه حصل في إحدى المرات على مبلغ أربعمأئة ألف دولار سلمت له نقدا .
طيلة الحوار يتذكر “رايسا” زوجته بتقدير كبير، إنها حاضرة في كل حياته وقراراته، إنه يقدسها ويزور قبرها بدوام إخلاصا لها.. بل إنه حرص على أن يكون قبره إلى جانبها.
في لحظة وهو في زيارتها، قال لمخاطبه بشكل مأساوي (ذلك قبري الذي ينتظرني إنه بجانبها).
في البرنامج الوثائقي تحدث غورباتشوف عن التحاقه بالحزب الشيوعي حين كان في قسم الباكالوريا، وعن دراسته في كلية الحقوق بموسكو، وكيف أصبح فيما بعد عضوا في اللجنة االمركزية، وعن علاقته بأندروبوف الذي كان زعيما لـ”الكاجيبي”، وكيف كان يلتقيان. لقد أصبح أندروبوف رئيسا للاتحاد السوفياتي، ويبدو أن هو من مهد الطريق لغورباتشوف.
أما عن البريسترويكا والغلاسنوت (الكلمة الأولى تعني “إعادة الهيكلة”، والكلمة الثاتية تعني “الشفافية”، وكلاهما يشكلان عناوين الفكر الجديد الذي أتى به غورباتشوف من أجل تجديد النظام السوفياتي). فقد قال إنه في يوم ما استدعاه أندروبوف إلى مقر “الكاجيبي” ودار بينهما حديث، حينها طرح غورباتشوف على صديقه سؤالا: لما لا نفكر في مستقبل البلاد؟ رد عليه أندوربوف قائلا: إن ذلك همنا الأول. فقال له غورباتشوف: أنظر إلى صورة الاحتفال بالعيد الوطني في المسيرة، ليس هناك سوى الشيوخ.. ولا شاب واحد هناك.. وذلك يعني بالنسبة لغورباتشوف أن التفكير في المستقبل هو تفكير في مستقبل الشباب المتعطش للحريات والديموقراطية. ذلك كان أصل البروسترويكا.
حين سئل غورباتشوف ما مدى مسؤليته عن انهيار الاتحاد السوفياتي، وهل يلتسين هو السبب؟ قال باختصار “في تجربتي على رأس الاتحاد السوفياتي تعرضت لمقاومات، وأنا اليوم مرتاح الضمير”.
وعن بوريس يلتسن أجاب مخاطبه قائلا: “أنا أتحدث عن نفسي.. وهذا الملف قد أغلق” .
طيلة الحوار كان غورباتشوف شامخا، وكان بين الفينة والأخرى يقرأ قصيدة شعر، فهو كما قال مولع جدا بالشعر..
من أجمل ما قال عن رايسا أن أمها اوكرانية وأبوها روسي، وجدُّها أعدم في عهد ستالين. أما عنه فقال إن أمه أوكرانية وأبوه روسي. وقال مازحا إن هذا الاختلاط هو ما يجعل المزاج عكرا. ثم أضاف إن جده هو أيضا كان سيعدم بعد أن مر بظروف اعتقال رهيبة، لولا أن تبينت براءته. وأضاف: “لقد كان جدي ذو ميولات تروتسكية“.
القصيدة الشعرية التى تغنى بها غورباتشوف في ذلك الحوار الطويل، جاء في خاتمتها هذه الفقرة الجميلة:
“سيعودالربيع
لكن شبابي قد راح
إنه لن يعود…”.