دكاترة من خشب

دكاترة من خشب

باريس-المعطي قبال

 

ما أنا بدكتور

للافتخار بابنها، سربت والدتي رحمها الله خبر حصولي على شهادة الدكتوراه. وبما أن أغلبية حينا الصغير لا تعرف القراءة والكتابة، توافد على البيت الجيران والمعارف للتهنئة والتبريك. أعرف جيدا مقاصدهم وخصوصا مقاصدهن. أول من فاتحتني مهنئة هي العونية التي ألحت مرارا من أن أتزوج بابنتها “واحد الساطة تقدر تشتف علي”!  

وضعت يدها في يدي مخاطبة فيما يشبه الحميمية: تبارك الله على معيطي.. ولا لينا دكتور. غادي نطلب منك واحد الطليبة: بغيت ندير الكورتاج!

فسرت لها أنني لست دكتور في الطب، بل في الفلسفة. بل وحتى في الفلسفة لست متأكدا من ذلك!  ومع ذلك لم تتوقف الزيارات وفي كل مرة احترمت والدتي رحمها الله قواعد الصواب: أتاي، القهوة والفاكية الشيء الذي كلفنا ميزانية لا بأس بها. ولما حضر فقيه الفقهاء تحادثنا عن أمور الدين والدنيا، وقال لي أن “الفلاسفة يتبعهم الغاوون”. سألني عن الموضوع الذي اشتغلت عليه ولما أوضحت له أن الأمر يتعلق إجمالا بالقطيعة التي أحدثها الصوفية مع اللاهوت، انتفض من مكانه وبدأ في قذف الروحانيين. “راك واحد الروحاني ما تاتسواش يا دكتور!”. لكن قبل أن يغادر المكان طالب بإطعام عشرة من الطلبة. أجبته: “واخا غادي نجيب ليكم حتى السربايا. سير ولا غادي نكنف أمك…”.

لما سمعت والدتي بهذه المقابلة، سخطت ولعنت “الدكتور لي عولنا على براكتو صدق كافر بالله”. وقبل أن تغلق الباب بشدة علقت غاضبة: دابا الدكتور خاصو فقيه يصرعو!

دكاترة بالدفع

لذا ما أنا بدكتور. أعرف أغلبية من الدكاترة في العالم العربي، نالوا الشهادة إما باستنساخ نصوص الأخرين أو الدفع  الدسم لبعض المحررين. انتشرت هذه الظاهرة أيام كانت باريس عاصمة الإعلام العربي. ثلة من الصحافيين والشعراء العرب لا يجيدون الفرنسية ولم يقرأوا بشكل معمق ولا سطحي نتاج رولان بارث، فيليب سوليرس، ميشال فوكو، ليفي ستروس، أصبحوا بقدرة قادر دكاترة في نتاجهم!

النسخ واللصق

 ومع ذلك يحلو لهؤلاء تلقيب أو إلحاق صفة دكتور بأسمائهم. يعتبر من يحمل هذا اللقب إما حظوة وإما امتياز أو تفوق يمنح صاحبه “سلطة المعرفة والخبرة”. هذا الفانتازم مرض طفولي بالعالم العربي. في ثقافات أخرى وبالأخص الثقافات الغربية، لا نرى كتابا لهابيرماس، فوكو، لاكان، ليفي شتروس وغيرهم مسبوق بهذه الصفة. لذا فالعديد من “الدكاترة”، استنسخوا أو قاموا بسرقة أعمال الأخرين. هذه الظاهرة ليست وقفا على المجتمعات والجامعات العربية، بل نجدها منتشرة وسائدة في عدة بلدان أخرى وبالأخص في البلدان المتخلفة أو شبه المتخلفة. بفضل تقنية “النسخ واللصق”، يمكن لأي أن يحمل محتوى عمل أو بحث تطلب مجهودا ووقتا لإفراغه في ملفه الشخصي. إنها أحد آفات تكنولوجيا الإنترنت.

صحافية تلاحق منذ 2015 الدكاترة المزيفينحروب

تناولت الصحافة الغربية قضية الصحافية الرومانية إميليا سركان Emilia Sercan التي توجد اليوم في عين إعصار البوليس، المخابرات والمافيا الرومانية، وذلك على خلفية فضحها لشخصيات رومانية وازنة سطت بفعل الاستنساخ على العمل الذي أنجزه باحثون آخرون..

منذ 2015 وهي تلاحق الدكاترة المزيفين في هذا البلد الذي تنخره الرشوة. وقد كشفت عن الدبلومات المزيفة لـ 50 وزيرا، محاميا، مدعيا عاما، قاموا بنشر مقالات علمية، أو أطروحات مزيفة. آخر ضحية أسقطتها هو الوزير الأول الروماني البالغ من العمر 55 سنة، جنرال متقاعد نافذ عمل بالعراق وأفغانستان قبل أن يشغل مهمة وزير أول. اتهمته الصحافية بأن  الثلث من أطروحته منقول ومستنسخ، الشيء الذي أنكره. 

<

p style=”text-align: justify;”>النتيجة هي تحامل شرس لعدة أطراف (بوليس سري، مافيا، مواقع التواصل الاجتماعي، قسم من الصحافة المكتوبة الخ) على الصحافية، تلتها حملة تهديدات بالقتل والتصفية. في هذا الرد، هناك طبعا انفضاح لممارسات التزييف التي ينهجها هؤلاء الأشخاص، هناك ضربة لنرجسيتهم البدائية، ثم هناك خطر تدمير  سمعتهم وسلطتهم كدكاترة من خشب!

Visited 6 times, 1 visit(s) today
شارك الموضوع

المعطي قبّال

كاتب ومترجم مغربي - رئيس تحرير مساعد لموقع "السؤال الآن".