“حزب الله” واليسار… والحالة الخمينية
فاطمة حوحو
ليس “حزب الله” بتركيبته ودوره حزبا مقاوما من أجل حرية الشعوب، وليست مقاومته مقاومة وطنية، بل هي مجرد بروباغندا سياسية من أجل بناء دويلات الولي الفقيه والهيمنة الاستعمارية على المنطقة العربية، على عكس ما يعتقد الكثيرون من قوى اليسار العربي الشيوعي والقومي وغيره، لنستعرض هنا التجربة اللبنانية ودلالاتها واضحة للعيان.
كثير من اللبنانيين لم يهضموا في حياتهم فكرة وجود حزب يتخذ الدين غطاء لدخول باب السياسة، ولم يتعاطفوا مع الثورة الخمينية وإن وقفوا متفرجين، وكأن شيئا ما كان يدفعهم لأن يراقبوا صامتين تلك التظاهرات الشعبية المفاجئة في الشارع الإيراني في العام 1979، ثورة ضد الملكية أتت بجمهورية إسلامية، تثبت نظاما يزيح كل الآخرين من طريقه ويمارس ممارسات شبيهة بتلك حصلت بعيد ثورة البلاشفة في روسيا، حيث لا مكان للآخر حتى ولو كان شريكاً في التغيير. هذا ما حصل مع حركة “مجاهدي خلق” على سبيل المثال لا الحصر، فيما كان اليسار العربي واللبناني يهلل لسقوط نظام الشاه حليف إسرائيل، ويبني أوهامه على نظام جديد في المنطقة يحرر فلسطين. كان هناك شيء يمنع هؤلاء اللبنانيين من التصفيق، لعلها صورة النساء بالأسود التي كانت تطبق على النفس البشرية ولا ترى الحياة بألوانها وإنما باللون المرعب المعتم القاتم الذي يذكرهم بصورة الموت وحده. كانت كل احتفاليات الثورة الفلسطينية في بيروت وتصريحات الترحيب ولهيب اليساريين العرب، الذي ترجمه ربما الشيخ إمام وعزة بلبع والشاعر أحمد فؤاد نجم بشريط غنائي حينها، انتشر بشكل واسع أيامها، مهدى إلى الثورة الإيرانية الخمينية، يدعو إلى التمثل بها، تجعلهم حيارى أمام هذه الحالة “الشيزوفرونية” لهذه القوى القومية والعروبية والعلمانية، حينها كان قسم من الشباب اللبناني يناضل من اجل التغيير، رافضا لفكرة السلام مع إسرائيل أو الاكتفاء بشعار الدولتين، ومتهما الأنظمة العربية بخيانة القضية، ولا بأس بالتضحية بالوطن الصغير من أجل كبرى القضايا القومية. كان الجيش السوري قد سيطر تماما على لبنان، بعد اغتيال الزعيم كمال جنبلاط وفرض الرقابة على الصحف وضرب الحالة الديموقراطية في البلاد، ورغم ذلك كان الشباب يخرجون في تظاهرة من أجل انتخابات رابطة للثانويين، ويُقمعون أمام مبنى الاونيسكو بــ “كلاشينات” قوات نظام حافظ الأسد، التي رسمت حدودا شرقية وغربية في عاصمة لبنان، في جولات الحرب التي صارت تندلع فجأة وتشكل خطوط تماس بين أهل البلد. وكانت بيروت تقاوم فكرة السلام مع إسرائيل وتتظاهر رفضا لاتفاقات كمب ديفيد، إلى حد القطيعة مع مصر والالتحام مع نظام يدعي الممانعة رغم ما يقوم به من ممارسات تؤكد سعيه إلى مسك ورقتي لبنان ومنظمة التحرير للتفاوض عليهما في المؤتمرات الدولية.
ممنوعات الثورة الدينية
كان الشباب اللبناني من اليسار والناصريين والقوميين يشاهدون بأم العين الممنوعات السياسية والاجتماعية لتلك الثورة الدينية من دون نقد أو رؤية، يكفي شعار فلسطين زورا ليخرس كل الألسنة، نظام يمنع الموسيقى، يمنع ارتداء ربطة العنق، رجال يرخون ذقونهم مع ياقة قميص عالية، أشبه بلباس أهل الصين الموحد لدى الرجال والنساء على حد سواء، حيث لا خصوصية ولا روح ذاتية إنسانية، عادات جديدة وثقافة التحريم تنهش المجتمع الإيراني مع ترويج زواج المتعة، فيما أخطبوط الجهل يفرد أذرعه في المنطقة، غرق العراق في حرب مع الجارة إيران في إطار الصراع على شط العرب، وفي لبنان قامت إسرائيل باجتياح لبنان بهدف ضرب منظمة التحرير الفلسطينية كرد على اغتيال مجموعة تتبع “جماعة أبو نضال” لسفير إسرائيل في المملكة المتحدة في العام 1982، أدى إلى إخراج الفلسطينيين من لبنان بعد اتفاق أجراه المبعوث الدولي فيليب حبيب، كما قام النظام السوري بالقضاء كلياً على الوجود الفلسطيني في لبنان، من خلال معارك خاضها ضد الزعيم الفلسطيني ياسر عرفات في طرابلس، ولاحقاً من خلال حصار المخيمات في بيروت على يد حركة “أمل” في أواسط الثمانينيات، وكان هذا الخروج الفلسطيني إخراجاً مدبراً ربما للعروبة من الفضاء اللبناني، وهو جاء تتويجاً لتطورات تهدف إلى تغيير وجه لبنان. في العام 1982 نشأ “حزب الله” سراً، كان الجنوب والمناطق اللبنانية الأخرى تقاوم احتلال إسرائيل، بعمليات عسكرية بقيادة “جبهة المقاومة”، حتى حصل الانسحاب الإسرائيلي في العام 1985، لكن صورة الجنوب بدأت تتغير، عندما قرر النظام السوري إنشاء غرفة عمليات مشتركة للمقاومة برعاية مخابراته تضم حركة “أمل” والأحزاب الأخرى. رفض “الشيوعيون” فكانت رصاصات الغدر بانتظار مقاوميهم من الخلف، واغتيلت قياداتهم وهددت عائلاتهم، وعذب من عذب منهم في سجون حركة “أمل” في زفتا وغيرها، وتكفلت مخابرات النظام السوري بترويع قياداته في بيروت بسلسلة اغتيالات بعد اشتباكات مع ميليشيات شيعية قديمة وناشئة، وتهجير من الضاحية، وهكذا صار “حزب الله” هو المقاومة بعد الإجهاز على قوة حليفه “الشيعي” الآخر، والقضاء على معارضيه، وبعد مدّ اليد إلى النظام السوري مع تصاعد قوة “الحرس الثوري” وهيمنته على السلطة وبناء دولة الولي الفقيه التوسعية. كثير من الشباب اللبناني لم يتعاطف مع “حزب الله” ولم يقتنع بكونه “مقاومة” بالمرة، فمن كان مقاوماً لا يقتل مقاوماً آخر، ومن يريد محاربة إسرائيل لا يحاربها بعقيدة دينية، وإنما ينافسها بنظام ديموقراطي، لا نظام عنصري شبيه بالصهيونية.
هكذا تغير المزاج الجنوبي
لا شك أن الحزب ضم في صفوفه مناضلين ضد الاحتلال الإسرائيلي، صادقين في ذلك بسبب تأثرهم بجو أهالي القرى الجنوبية الذين كانوا يتعرضون لاعتداءات إسرائيلية وتقف الدولة عاجزة عن الدفاع عنهم، وكانت أحزاب ما يسمى “الحركة الوطنية” تعمل على استقطابهم في صفوف أحزابها على تنوعها في التصدي لمهمة وطنية في الدفاع عن الجنوب، وكذلك المقاومة الفلسطينية، فهؤلاء كانوا أبناء بيئة معادية لإسرائيل رغم محاولة إظهارها في وقت من الأوقات أنها بيئة رافضة للوجود الفلسطيني المسلح، الذي كانت له سلبيات بالتأكيد، إلا أنه ليس بمثل تلك الصورة التي جرى الترويج لها لاحقاً لتبرير القمع وإنشاء بيئة متجانسة في الجنوب والبقاع لصالح إيران، تحت عنوان “الإسلام” والعودة إلى الدين وفشل اليسار، ليصبح في أواخر التسعينات شعار الدفاع عن “الشيعة” وتحقيق المكتسبات، ولو على حساب الآخرين، فالانتهازية ضرورة للوصول إلى السلطة وإن كان الخطاب الأولي لــ “حزب الله” ينفي ذلك، ليتبين في السنوات الأخيرة أنه لم يكن يسعى إلا لسلطة تشكل امتدادا لولاية الفقيه وتأتمر بإمرته، وإن كان الثمن لبنان وهويته ودوره وحضوره ودولته واستقلاله. في تلك المرحلة جرى تحول في المزاج الجنوبي وفي قرى البقاع الشيعية التي تخضع لهيمنة المخابرات السورية التي قضت بالكامل على معارضيها، بمن فيهم البعثيين العراقيين، فتغيرت اللغة الوطنية من الأنا “العربي” إلى الأنا “الشيعي”، وولدت نعرة مذهبية دفعت ببعض السنة للانزلاق في مشهدية ممسرحة، نراها اليوم في العالم العربي عبر تنظيمات إسلامية تكفيرية، تخرجت من سجون النظام السوري أو تأثرت بفكر تنظيم “القاعدة”. كان معظم الناس العاديين غير الحزبيين يتباهون عندما تسألهم عن انتمائهم في ظل احتدام الصراع الداخلي اللبناني بين اليمين واليسار أثناء الحرب الاهلية، بأنهم من “حزب الله” تدليلا على حيادهم ورفضهم للحرب، معظم أهالي لبنان المسلمون كانوا مؤمنين من غير تعصب، ولم تكن النساء يرون عيباً في الظهور دون “إيشارب” أمام الرجال، يصمن وبعضهن لا يصلي، وكن عطوفات ومتسامحات ولا يكفرن أحداً من فتيات الايديولوجيا المنفتحات والباحثات عن مكان أفضل لهن في المجتمع، لم يكن “حزب الله” قد ظهر على الساحة السياسية، وكان هذا الجواب العفوي كافياً للمقارنة بين “حزب الله” الذي ينتمي إليه هؤلاء المستقلون مجازياً، وبين “حزب الله” الذي سرق من الناس عفويتهم، واستخدم اسم “الله” طعماً لاستقطاب العامة، وحتى لا يناقشه أحد بالمحظور وإلا جرى تكفيره، فمن يقدر على أن يمس “حزب الله” بكلمة أو ينتقده على أفعاله، فهو يتعرض للمقدس. نجح “حزب الله” في تهجير النخب وإسكات الصوت الآخر وإعادة تدوير الأحزاب التي قاومت وصارت مجرد ميليشيا ملحقة به في سرايا المقاومة التي ابتدعها النظام السوري، وتعرضت النخب الشيعية للاضطهاد، إذ كانت تهم الخيانة والعمالة مع إسرائيل جاهزة لتبرير استخدام العنف ضدها وضد غيرها من المعترضين، حتى في لقمة العيش حوربوا بعد أن حرم “حزب الله” على الأهالي التطبب أو شراء البضاعة من أشخاص لا ينتمون إلى صفوفه وهكذا إلى أن فرض دولته وفرض على الناس قيمه، فلم يعد في مجتمعات القرى الجنوبية مكان للفرح ولا للأعراس ولا للنشاطات الثقافية، بل فقط حفلات تأبين لا تنتهي، وخطابات مشايخ مسؤولي الحزب المفروضة في كل “الحسينيات”، وسهر مع الموتى واستعراضات عسكرية وأعلام صفراء، حتى العلم اللبناني رفع خجولا عندما تحرر الجنوب من إسرائيل في العام 2000، وكانت مفاجأة غير سارة للنظام السوري و”حزب الله” لكونه طرح على الساحة عودة الجيش اللبناني إلى الجنوب ودوره في حماية لبنان من العدوان الإسرائيلي، ومصير سلاح الحزب.
إقحام الإسلام في المعادلة السياسية
نجح أيضا في إقحام “الاسلام” بالمعادلة السياسية، وساعده في ذلك سياسة الولايات المتحدة الأميركية التي استخدمت الإسلاميين في محاربتها للأنظمة الشيوعية قبل انهيارها في أواخر الثمانينيات، وفتح المجال أمام جماعات حركة “الإخوان المسلمين” وأذرعهم في الدول العربية، مع انكفاء قضية فلسطين إلى أروقة الداخل، حيث مدت إيران ذراعها أيضا لتدعم تنظيمات فلسطينية متطرفة عملت لإضعاف منظمة التحرير ومنعت بسلوكياتها الانقسامية من تحقيق إنجازات بسبب اعتمادها سياسة التخوين، وفي لبنان كانت المخابرات السورية تستنبت قوى طائفية ومذهبية تهيمن على المساجد، بعيد اغتيال المفتي حسن خالد، بهدف مسك كل الأوراق المحلية، ومن هنا برزت حالات شبيهة مصغرة، نمت واخترعت لنفسها عادات وأساليب عيش لم تكن موجودة في البيئة اللبنانية، ومقابل “الشادور” في الضاحية صار هناك “حجاب حبشي”، وآخر للجماعة الإسلامية، وغاب “الإيشارب” والمنديل، وتبعه في السنوات الأخيرة ظاهرة النقاب “القاعدي”، الشبيه إلى حد بالزي الأفغاني الأزرق الموحد المفروض من حركة “طالبان”. هكذا صارت الساحة اللبنانية لا تشبه نفسها، وصار اللبنانيون لا يشبهون أنفسهم، ولم تعد بيروت عاصمة الثقافة العربية، ومدينة الديموقراطية يلجأ إلى رحابها كل مضطهد من نظام أو جماعة. “حزب الله” كذبة نيسان (أبريل) الإيرانية الصنع، لكنها ليست كذبة بيضاء، وإن ارتدت لبوس “المقاومة”، لأن وجه “المذهبية” ليس خافياً على أحد، ولم يضر صاحبه فقط، وإنما أضر بكل البيئة اللبنانية وخرب عيش المواطنين وعلاقاتهم ببعضهم البعض. فالتعالي وتصنيف بشر بأنهم من صنف الآلهة والآخرين من صنف الشياطين أمر مضحك مبكٍ، لكن لا يمكن أن يمر على العقلاء. وتقديس سلاح قاتل لا يمكن أن يزيل تهم القتل والاغتيال. فالعدالة لها ميزانها، والتحريض على الدول العربية يختلف عن انتقاد السياسات، والعمل على قلب أنظمة وتخريب مجتمعات أخرى وإرسال “ميليشيات المقاومة” للدفاع عن الديكتاتوريات سيناريوهات احتلال فاشلة سترتد على أصحابها بالخيبة والهزائم والانكسار. قصة “حزب الله” الذي لا يطيق التواصل، وابتسامات قياداته الصفراء لا تغير في حقيقة الأمور ولا تمر على عاقل أو مخبول على حد سواء، فسياساته مفضوحة مهما ارتفعت الأصوات ورفعت أصابع التهديد، ولم يعد من الممكن السكوت عليها، المصارحة ضرورة والمواربة لم تعد تجدي نفعاً اليوم. ويبقى أمر لا يمكن الغياب عنه، في ظل هذه الصورة وإثر الاجتياح الإسرائيلي 1982، برز وجه رفيق الحريري، صاحب مشروع إعادة إعمار لبنان، من وراء الستار عمل لإنهاء الحرب الأهلية، لكن بعض اللبنانيين لم يكن يريد أن يفهم هذا الرجل الحالم بقيامة لبنان من رماد الحرب، وعلى طريقة النظام السوري ونتيجة تبعيته له، شكك في وطنيته عندما قام عبر شركة “أوجيه لبنان” بإزالة المتاريس بين البيروتيين، وعندما أعطى بعضا من الأمل لشباب لبنان في تلقي العلم في الخارج بدل حمل السلاح، أو عندما شجع اللبنانيين على التواصل للخروج من الحرب الأهلية، وقدم لهم مشاريع مصالحة وبناءً وإعماراً، لم يسلم الحريري من حملات التخوين واتهم باحتضان مشروع أميركي – إسرائيلي لشرق أوسط جديد في إعلام الغرف السوداء، ليتبين بعد ذلك أن جوقة الاتهام هذه كانت تمهد الطريق لاغتياله، رغم ما فعله بالإسرائيليين بعد عدوان نيسان 1996، حين شرّع حق لبنان في المقاومة ضد الاحتلال الإسرائيلي. لقد كان رفيق الحريري العقدة أمام سياسة إيران التوسعية في العالم العربي لإقامة هلال خصيب، أو الانتقام التاريخي من العرب، وكان لا بد من إزاحته من الدرب لأنه أراد تقديم نموذج جديد وحديث للدولة العربية المعاصرة في لبنان، دولة قابلة للتطور والحياة نموذج متقدم وحيوي، يشكل علامة فارقة في المنطقة وتجربة يمكن رائدة قد يجري تعميمها في العالم العربي لتنهي أنظمة القتل والاستبداد والقهر، لصالح دول قادرة على التطور والإنتاج وعلى العيش الواحد التعددي والمتنوع بين الجميع تحت سقف القانون والعدالة.
“حزب الله” لم يحفظ جميل الحريري والسنيورة
لم يحفظ حزب الله للرئيس رفيق الحريري أي جميل، وعلى أية حال فإن الرئيس الحريري قام بواجبه الوطني في الدفاع عن المقاومة في أروقة الأمم المتحدة، ومن خلال علاقاته الدولية أعاد اسم لبنان للوجود، وكذلك فعل مع الرئيس فؤاد السنيورة في حرب تموز 2006، التي كانت مقدمة لفضح مشروع “حزب الله” الحقيقي في الهيمنة على السلطة وفي تغيير دستور لبنان من خلال طرح “المثالثة”، ولم يتورع عن تخوينه وإجراء فحوص الدم في المختبرات الإيرانية والسورية، بحسب الأوامر واراد لاحقا الاستفراد في الحكم من خلال الانقلاب على حكومة الرئيس سعد الحريري وتقديس سلاحه “الذي لا ينتهي إلا عندما ينتهي القرآن”، ووضع جماعته في قائمة الشرف، فيما اعتبر الآخرين عملاء، ورغم ذلك صبر اللبنانيون وتعاطوا بطول نفس مع حالته على أساس أنه فريق لبناني، لكن جاءت ثورة سوريا لتكشف حجم ارتباطه بالنظام الإيراني وبكونه مجرد فصيل من فصائل الحرس الثوري، وأعضاؤه جنود دفاع في ولاية الفقيه وحلفائه، وها هو انكشف اليوم من خلال حرب اليمن ودعم الانقلاب الحوثي، لا بل السعي إلى التلاعب في ساحات العالم العربي، بعد أن انكشاف حجم تورطه في تجارة غير شرعية عالمية، وفي تفجيرات أمنية هنا أو هناك. لم يرتدع “حزب الله” رغم الخسائر التي مني فيها، من خلال قتاله في سوريا والعراق واليمن، وفي وقت تكبر فيه الأسئلة داخل بيئته الحاضنة التي تخسر يوما بعد يوم من لحمها الحي أبناءً لها يموتون في المكان الخاطىء، فيما نسبة الأمية تزداد عند الشيعة بعد أن كانت قد تقدمت في السابق على الطوائف الأخرى، والبطالة منتشرة لا يعوضها تجنيد إجباري أو وظيفة أمنية لكتبة تقارير، ربما لم تنطلق الصرخة بعد، ربما لم تظهر صحوة الضمير إلا أن الثابت أن الشيعة اللبنانيون لا يريدون الانتحار مع “حزب الله” وسيتركونه يغرق لوحده في وحل أفعاله، طالما لم يرتدع ولم يقرأ التطورات ولم يحفظ السلم الأهلي والعيش الواحد، ولم يعترف بأن الدويلة التي أقامها غير قابلة للحياة. ربما كان على “حزب الله” مراجعة سياساته والانخراط في مشروع وطني لبناني، رغم صعوبة الأمرين، لكن ذلك لن يكون صعبا إذا غيّر اسمه اليوم وتلبنن وتأنسن وخلع عباءة التعصب وتواضع، وإلا فإن لعنة التاريخ ستلاحقه، وإن كان بعض اللبنانيين والعرب “انغشوا” بسلوكياته ذات مرة، فقط سقط القناع اليوم في سوريا وفي اليمن وفي البحرين وفي فنزويلا وفي فلسطين وفي مصر، وظهر وجهه الحقيقي، وهو أنه مجرد “بيّاع ميليشيا” مقاتلة من أجل مساعدة إيران على غزو الدول العربية ونشر نظام سياسي متخلف يعيد التاريخ إلى الوراء، بدل الدفع نحو ركب التقدم، ولكن على من تقرع مزاميرك يا داوود!
واليوم ها هو حزب الله يلعب لعبة إيران في ترسيم الحدود البحرية مع إسرائيل، ويستعرض مسيراته فوق “حقل كاريش” فقط من باب الضغط من أجل تحقيق نجاحات لإيران في مفاوضاتها النووية، كما أنه يغطي فساد السلطة الحاكمة ويحول “ميليشياته” إلى تجار مخدرات، على أساس أن المشروب حرام، ولكن “الكبتاغون” حلال، ولا يخفي، كما قال أمينه العام، أنه يتلقى السلاح والمال من إيران، ويشتري شخصيات و”حزبيات”، ويجعل اللبنانيين يعيشون في الجحيم من أجل تحقيق النصر لدولة الولي الفقيه، وكل كلام آخر لا معنى له في زمن العجاف هذا.