اِستحالة مساعي السعودية في لبنان في ظل الاحتلال الإيراني
د. رودريك نوفل
منذ ٣٣ سنة تم توقيع إتفاق الطائف كآخر الحلول لوقف إراقة الدماء في لبنان بعد حروب دامية مدّة ١٥ سنة متتالية، إنتهت بتكريس إحتلال سوري ظالم وقاسي تم استبداله ما بعد سنة ٢٠٠٥ بإحتلال إيراني أقسى وأظلم وقد حصل المؤتمر المنعقد في قصر اليونيسكو في الخامس من الشهر الجاري تكريساً وتذكيراً للدَور السعودي الذي ساهم في التوصّل لهذا الإتفاق.
وسواء كنّا من المؤيدين والداعمين أو الرافضين له، وقبل أن ننتقد الطائف لماذا لا نعمل بنصيحة حكيم لبنان الراحل الكاردينال نصر الله بطرس صفَير رحمه الله الذي قال: “دعونا نطبق الطائف أولاً ثم نعالج شوائبه ونعيد النظر به”.
ربما تناسى المؤتمرون وعن دراية وسابق تصوّر وتصميم ولأسباب مصلحيّة بإمتياز مساوىء الإحتلال الإيراني والذي ينطبق عليه بالنصّ المادة الثانية من إتفاق الطائف، التي تقول ببسط كلّ سيادة الدولة اللبنانية على كامل الأراضي اللبنانية، ونَصَّت فقراتها على “حلّ جميع الميليشيات اللبنانية وغير اللبنانية وتعزيز قوى الأمن الداخلي والقوات المسلحة وحلّ مشكلة المهجرين وتأكيد حق المهجرين بالعودة إلى الأماكن الأصلية التي هُجروا منها.”
فمنهم من رفض الحضور شخصياً مثل رئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع وحتى رفض نائبه النائب جورج عدوان، ومثلا بنائب الأشرفية غسّان حاصباني الذي لم يأتِ على ذكر الاحتلال كما غالبية الحضور.
أما رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط الذي يجاهر بالطائف على القطعة، فجاء ليخبرنا كيف قصفت ميليشياته على الجيش اللبناني وليستعطف جمهوره باعتذار علني ويبيعهم “رئاسة مجلس شيوخ” على قياس طائفته.
ولأسبابٍ محاصصة وتسوية لم يذكر أحدهم السبب الوحيد والأصلي للانهيار وهو بالخط العريض “الاحتلال الإيراني”.
ـــ لا يوجد سائح في البلد بسبب هذا السلاح، بالرغم أن لبنان بلد سياحي بإمتياز وفيه عدد كبير من الآثار المُدرجة على لوائح “اليونسكو” وخليط ثقافي وحضاري ممَيَّز في المنطقة مع إنفتاح تاريخي على العالم.
ــــ لا يوجد مُستثمر اجنبي واحد في البلد بعد أن غادره الكمّ الكبير توالياً بعد حرب تمّوز و٧ أيّار و سقوط حكومة الرئيس سعد الحريري بقوّة القمصان السّود وغيرها من الأحداث، لا سيما الاغتيالات التي لا تُعَدّ ولا تُحصى وآخرها غزوة عين الرمانة يوم ١٤ من شهر ١٠ سنة ٢٠٢١.
ـــ لم يعد يتوفّر “بنج” أو “قضيب فضّة” في مستشفى لإجراء أبسط العمليات الجراحيّة، حتى أطباء لبنان هاجروا بعد أن كنّا مستشفى الشرق.
ــــ طلّاب لبنان هاجروا بعد أن كان لبنان جامعة الشرق فكم بالحري الكلام عن الطلّاب الأجانب الذين كانوا يقصدون لبنان للعلم.
ـــــ مصايف لبنان وبيوته فارغة حتى للعصافير المهاجرة.
ــــ مصارف لبنان تعاني هجرة العملات الصعبة بعد أن كان يوماً تصنيف لبنان الخامس عالمياً من الناحية الاقتصادية حيث أن البورصة العالميّة لم تكن لتقفل قبل بورصة بيروت.
ــــ فساد مستشرٍ في الإدارات والدوائر الرسميّة يغطّيه سلاح يحتمي خلفه “الزعران”.
ــــ المجاعة بدأت والفقر ينتشر في البلد أسرع من إنتشار السرطان في الدمّ.
ــــ بيوت لبنان خلَت من شبابها الذي أصبح اليد العاملة الأكثر تأثيراً في بلاد الانتشار زحفاً خلف لقمة العَيش التي حُرموا منها.
ـــ تعيينات بقوّة وبضغط السلاح في المراكز الأساسيّة في الدَّولة دون النظر إلى الكفاءة أدّت إلى تعميق الهاوية والانحدار الجهنمي الذي نعيشه.
ــــ قوى أمن تفقد عناصرها الذين يهربون توالياً بسبب الفقر سعياً وراء الهجرة لتأمين لقمة العَيش.
ـــ نسبة انتحار قياسيّة تشهدها البلاد في زمن هذا الاحتلال.
ــــ حدود بلد سائبة لتهريب ما تبقى من خيرات لبنان للخارج.
ــــ حكومات “ساقطة” دستورياً وشعبياً رفضت دفع مستحقات البلد وأدخلتنا في ورطة استحقاق كامل الديون.
ـــ تلك الحكومات نفسها هدرت مدخرات الشعب على دعم المحتل وحليفه وأدواته.
ـــ تلك الحكومات هدرت أكثر من ٥٠ مليار دولار على قطاع يكلّف بالأكثر ١٠ مليارات لإنعاشه ولا يزال يزيد نزيف البلد و يدمّره.
ـــ تلك الحكومات لم تحرّك ساكناً عندما هدد المحتلّ القضاء ودخل الناطق بإسمهم علناً إلى قصر العدل تحت أنظار الجميع وبالرغم من وجود عناصر أمنية رسمية وكاميرات مراقبة وصحافيين وهدد أحد القضاء.
ــــ والأهم والأكبر والأكثر مأساوياً تناسي جميع المسؤولين عن تفجير مرفأ بيروت والعمل على لملمة الجريمة بدل رفعها لجميع المحافل الدوليّة.
كلّ هذه المصائب وقعت علينا بسبب “إحتلال إيراني” تهرّب الجميع من مقاومته ولا بل تقاسموا معه المناصب الوزارية والتعيينات العامة إلّا بعض الوطنيين الذين نفتخر بانتمائنا لوطننا وليس لحزبنا أو لزعيمنا.
الشكر، كل الشكر للمملكة في الداخل والخارج والملامة كل الملامة للمستزعمين غير المقاومين في الداخل و الخارج.
لبنان لمن يستحقه ويقاوم لأجله دون منّة أو مصلحة شخصيّة.