الشغور الرئاسي وتحلل المؤسسات في لبنان
أحمد مطر
في ظل الشغور الرئاسي، والذي دخل في الاسبوع الرابع للفراغ، ولا ندري متى الخروج منه، والى جانب وجود حكومة تصريف أعمال، تتولى بالتالي مهام الحد الأدنى المطلوب، الامر الذي يزيد من كثرة المخاطر.
لقد حذر خبراء كثر من أن لبنان سقط في الانهيار، وبدأ يجد بالسير الى دولة فاشلة مع السقوط المتدرج منذ زمن للطبقة المتوسطة والازدياد الحاد في مستوى الفقر في لبنان، بالاضافة للفجوة الاجتماعية وأيضاً مختلف أوجه عدم المساواة، ويواكب ذلك غياب سياسات اجتماعية هي أكثر من ضرورية لحماية الطبقات الضعيفة.
وكان صندوق النقد الدولي، قد دعا بعد التوصل إلى ما يعرف باتفاق على مستوى الموظفين مع السلطات اللبنانية إلى ضرورة اعتماد إصلاحات تقوم على تعزيز الحوكمة والشفافية وإزالة المعوقات من أمام العمالة المولِّدة للنمو وزيادة الإنفاق الاجتماعي والاستثماري. وجاءت هذه ضمن مقترحات أخرى للخروج من النفق المظلم الذي دخله لبنان بسبب غياب السياسات المطلوبة منذ سنوات للإصلاح الهيكلي الشامل، والكل يدرك أن الأزمة المالية ترتبط أساساً بأزمة اقتصادية والحاجة إلى إصلاح المنظومة الاقتصادية والأمر نفسه بالنسبة للضرورة الملحة إلى الإصلاح السياسي، في دولة تقوم في واقع الأمر أو في الممارسة على ليوجيرغا من المذهبيات السياسية التي تنمو وتتطورعلى الزبائنية، على حساب دولة المؤسسات، التي هي الشرط الضروري لتعزيز المناعة الوطنية وولوج باب التنمية المتوازنة الشاملة.
ويزيد من مخاطر سرعة الانهيار عجز السلطة في ظل الشغور الرئاسي، منذ شغور موقع الرئاسة، ولا ندري متى الخروج منه، إلى جانب وجود حكومة تصريف أعمال، تتولى بالتالي مهام الحد الأدنى المطلوب، فمجمل السيناريوهات المطروحة تتحدث عن أن انتخاب الرئيس لن يكون في القريب العاجل بسبب لعبة الصراع التقليدي حول السلطة التي عادةً ما ترافقها رهانات خارجية كما كانت الحال دائماً في لبنان. وما يزيد من تعقيدات الأزمة واستمرار الفراغ الرئاسي عدم قدرة أي طرف من اطراف الصراع السياسي في لبنان على إنجاح مرشحه بسبب الحاجة إلى ثلثي أعضاء المجلس حضوراً لتأمين النصاب القانوني حتى في الدورة الثانية للاقتراع، الأمر شبه المستحيل أن يحصل بسبب توزيع القوى في المجلس النيابي. ومن المنتظر أن يدفع ذلك مع الوقت إلى انتخاب رئيس، أي مقبولاً من اطراف المعادلة السياسية وهو ليس بالأمر السهل في هذه المرحلة بانتظار هبوط الوحي الخارجي، ومن الضروري حصوله في نهاية المطاف تلافياً للانهيار الكلّي. فلا يمكن من منطلق واقعي وضروري لأي طرف أن يحاول إخراج الآخر من المعادلة السياسية، بالضربة القاضية، عشية الانتخابات المطلوبة.
إن أي تفاهم خارجي، سيشكل تفاهم الحد الأدنى الممكن لمنع السفينة اللبنانية من الغرق، لمصلحة حصول الانتخابات الرئاسية ووقف عملية السقوط المريع للبنان الذي سيدفع ثمنه الجميع إذا ما حصل أمر ضروري ولكنه غير كافٍ. فحتى يعود لبنان ليقف على رجليه من جديد، هنالك الحاجة إلى بلورة مشروع إصلاح هيكلي شامل. فسياسة الترقيع لشراء الوقت لم تعد توفر الحلول المطلوبة للإنقاذ. المطلوب التفاهم على برنامج إصلاحي شامل يعكس الثلاثية التالية: توفر رؤية إصلاحية لبنان في أمس الحاجة إليها، وبرنامجاً إصلاحياً شاملاً يلتزم به مختلف المكونات السياسية أياً كانت اتجاهاتها وخلافاتها، وجدولاً زمنياً للتنفيذ.
المطلوب أيضاً العمل على بلورة سياسة خارجية تعمل على تعزيز علاقات لبنان بأسرته العربية وكذلك تعزيز علاقاته الدولية ودوره الخارجي. سياسة تقوم على الابتعاد عن سياسة المحاور وتندرج فيما تعرف بسياسة الحياد الإيجابي، وهو موقف سياسي، وليس وضعاً قانونياً كما تلتبس العملية بالنسبة للكثيرين. فلبنان دولة عربية ومن الدول المؤسسة لجامعة الدول العربية، ولا يمكن أن يكون محايداً في الصراع العربي – الإسرائيلي، بل عليه ما على الآخرين. ولا يحمل وزر أي صراع كأن يكون ساحة لصراع الآخرين أو باسم آخرين. وعلى لبنان إذا ما أراد تعزيز أمنه الوطني بسبب تأثره بقضايا المنطقة، أن يلعب دور الإطفائي أو الوسيط أو المسهل لتسوية الخلافات بين الدول الشقيقة والصديقة في الإقليم مما يعزز من أمنه الوطني. ويكون ذلك بالدعوة والمبادرة والعمل على تسوية الخلافات في الإقليم بغية إدارة العلاقات على أساس القوانين والأعراف الدولية وقرارات الأمم المتحدة ذات الصلة. فسياسة خارجية تقوم على هذه المبادئ والأعراف والأسس تشكل وعاءً حامياً وحاضناً للاستقرار والازدهار الوطني.
ختاماً المطلوب تشكيل سلطة في أسرع وقت ممكن من رئيس وحكومة تلتزم بهذا المشروع الإنقاذي الشامل الذي يفترض أن يشكل مرجعية وخريطة مستقبلية للعمل الوطني. مشروع يفترض البناء عليه متى قام وتعزيزه، مع الحكومات اللاحقة لأنه يوفر المناعة الوطنية للبنان، التي هي شرط الاستقرار والازدهار المسؤولية لبنانية أساساً، فهل نكون على مستوى هذا التحدي لإنقاذ البلاد والعباد، لكن إذا راهن كل طرف على تحقيق المزيد من المكاسب الداخلية أو خدمة أهداف خارجية فثمة شهور قاسية ربما تكون في الانتظار. ولن تكون السلطة التنفيذية ورئاسة الجمهورية وحدهما في خطر، بل الدولة برمتها .
<
p style=”text-align: justify;”>