الإحصائيات الإثنية، وقودا للأحقاد
باريس- المعطي قبال
أحد المرتكزات التي تقوم عليها سياسة الخوف الغربي من الأجنبي هو مرتكز العدد والكثرة. كثرة الأجانب وتزايد اعدادهم الذي يهدد بتجاوز ما يسمى بالسكان الأصليين. ويرى الغرب في هذا التكاثر «قنبلة موقوتة» من شأنها محو هويته.
نعاين هذا الوضع بأوروبا، أمريكا لكن نعاينه كذلك بشكل ملموس بإسرائيل التي ترى في تكاثر الفلسطينيين خطرا على كيانها. تتقدم بعض النظريات والأطروحات لتفسير هذه الظاهرة حيث يذهب البعض في فرنسا إلى الحديث عن «الإبدال الأكبر» أي إحلال الأجانب محل الفرنسيين «الأصليين». وقد كان رونو كامي، الروائي والناقد من وراء هذه الأطروحة التي أصبحت شعارا انتخابيا في برنامج حزب مارين لوبان وحزب إيريك زمور. ونجد نفس الطروحات في إيطاليا، الدول الاسكندنافية وفي الولايات المتحدة. ويتخذ معيار الدين محكا لهذا الإبدال. بناء على هذا التصور، قد ينمحي مستقبلا الدين المسيحي من الديكور ليحل محله الإسلام. ولم يتردد بعض الروائيين، من أمثال ميشال ويلبيك في طرح سيناريو صعود رئيس للجمهورية الفرنسية من أصول عربية-إسلامية.
نعثر على هذا الاستيهام المخيف في الإحصائيات التي تعدها وتنشرها على نطاق واسع بعض معاهد الاستفتاء والتي تجيز فيها بعض البلدان إجراء استفتاءات إثنية أو عرقية. إذا كانت فرنسا لا تسمح بإجراء مثل هذه الاستفتاءات استنادا لقرارات المجلس التشريعي الذي سطر هذا المنع، فإن إنجلترا على العكس من ذلك جعلت من القضية الاثنية ومن إحصاء الأجانب بحسب انتمائهم العرقي والاثني شيئا عاديا بل مبتذلا. آخر استفتاء هو الذي أجراه المعهد الوطني الإنجليزي للإحصاء والذي تبين منه بأن 2/3 من اللندنيين ينحدرون من أقلية إثنية. وأنهم يشكلون 45% من ساكنة لندن أي 3,7 على 8,2 مليون نسمة، فيما كانت النسبة 51% عام 2001.
ويوضح الاستفتاء أنه لأول مرة أقل من نصف السكان البريطانيين يعترفون أنهم مسيحيون. أثار هذا الاستفتاء الهلع في صفوف البريطانيين الذين قد يصبحون أقلية في أفق 2050. ويرى بعض المحللين المغرضين أن أسم محمد الذي يقبل عليه مسلمو بريطانيا وبقية مسلمي أوروبا وأمريكا هو مقياس حرارة لـ «زحف» الجالية المسلمة! يتربع اسم محمد إذا على رأس قائمة الأسماء في أكثر من بلد أوروبي وذلك منذ عام 2010 على الأقل. في أفق 2050 هناك إذا تخوف من أن تصبح بريطانيا محمدية.
أما ألمانيا فتعيش نسبيا وضعا مغايرا: منذ 2014 تناقص عدد السكان بنسبة 1,5%، بسبب شيخوخة المجتمع، لكنه في ظرف ثماني سنوات وابداء من 2015 ازداد العدد بـ 3 ملايين نسمة بفضل سياسة استقبال المهاجرين وتشجيع ألمانيا لهم على اقتناء الجنسية الألمانية. العامل الثالث بعد الإحصائيات وانتشار اسم محمد الذي تقدمه هذه الأطروحات هو معدلات الخصوبة للنساء المهاجرات أو المنحدرات من بلدان الهجرة. في الوقت الذي يلاحظ انخفاظ في معدل خصوبة النساء ذات الأصول الأوروبية «الأصلية»، على الرغم من تشجيع المسيحية على الإنجاب، تسجل النساء المغاربيات، الأفريقيات أو الوافدات من آسيا والشرق الأوسط معدلات مرتفعة. تشكل كل هذه العناصر موضوعا للتشنج بل للتصادم. كما تعتبر وقودا قابلا لاشتعال العنصرية والنبذ والأحقاد.