تعطيل انتخاب الرئيس من فيدرالية المذاهب إلى المواطنة
سمير سكاف
انتهت الطائفية في لبنان منذ زمن بعيد، وهو انتقل معها الى النظام المذهبي والى الفيتوهات المذهبية، والمشكلة ليست في تفسير المادة 75 من الدستور بل في تفسير الفقرة (ي) من مقدمته، التي نصت على أن “لا شرعية لأي سلطة تناقض ميثاق العيش المشترك”.
وفي فيدرالية المذاهب، وعملياً ودستورياً، ماذا لو كان الكل موافق أن نصاب كل جلسات الانتخابات الرئاسية هو الثلثين فعلاً، وقرر مع ذلك كل نواب الشيعة أو السنة (27 نائباً) مثلاً مقاطعة الانتخابات الرئاسية؟ ألن يتمّ اللجوء عندها الى القول بعدم شرعية الجلسات تحت مبرر عدم ميثاقيتها؟ كما جرى الأمر عند استقالة الوزراء الشيعة جميعاً من حكومة الرئيس فؤاد السنيورة؟ ألن “تقوم القيامة” لجهة عدم شرعية جلسات الإنتخاب لانتفاء الميثاقية، حتى بحضور 100 نائب من كل الطوائف الأخرى؟ ماذا لو قاطع الجلسة كل النواب الموارنة 34 نائباً؟
الميثاقية وأرقامها تختلف بحسب المذاهب
وفي المقابل، هل ستنتفي الميثاقية إذا قرر جميع النواب الحضور (114 نائباً) باستثناء النواب الأورثوذوكس (14 نائباً)؟ أو 120 نائباً باستثناء النواب الدروز (8 نواب) أو الكاثوليك (8 نواب)؟ أو 122 نائباً باستثناء النواب الأرمن (6 نواب؛ 5 أرمن أرثوذوكس ونائب أرمن كاثوليك)، أو حتى بمقاطعة فقط من النواب العلويين (نائبان) ؟ ماذا لو قرر النائب الانجيلي أو نائب الأقليات المقاطعة وحده؟ هل تبقى مشكلة الميثاقية نفسها؟! وهل تعتمد الميثاقية الدستورية على الطوائف أو على المذاهب؟ وهل يبقى “الفيتو” المذهبي هو نفسه بحسب حجم المذهب!
النصاب في ظل فيدرالية المذاهب وشرعية “الميثاقية” هو كالتالي:
ــــ اذا احتاجت الجلسات، بحضور كل نواب المذاهب الأخرى، لحضور نائب ماروني واحد، للقول بشرعيتها وميثاقيتها (إذا كان يمكن اعتماد هذا المعيار)، يكون نصاب الجلسة 95 نائباً، وهي المرة الوحيدة التي يمكن عقد الجلسة بحضور أقل من 100 نائب! (طبعاً يمكن لنواب المذاهب الأخرى ألا يحضروا جميعاً فيتناقص عندها حجم النصاب).
وقياساً وبالظروف نفسها:
ــــ إذا احتاجت الجلسات الى حضور نائب شيعي أو سني واحد على الأقل لتأمين الميثاقية، يكون النصاب المطلوب 102 نائب.
ــــ إذا احتاجت الجلسات حضور نائب أورثوذوكسي واحد يكون النصاب 115 نائبا.
ــــ إذا احتاجت الجلسات حضور نائب درزي أو كاثوليكي واحد يكون النصاب 121 نائباً.
ــــ إذا احتاجت الجلسات حضور نائب أرمني واحد (خاصة الأورثوذوكسي منهم) يكون النصاب 123 نائباً.
ــــ إذا احتاجت الجلسات حضور نائب علوي واحد يكون النصاب 127 نائباً.
ــــ لا يمكن أن يكون النصاب إلا 128 نائباً بحضور النائب الانجيلي أو نائب الأقليات.
ـــ إساءة استعمال الدستور وإساءة تفسيره لتبرير تعطيل الدولة.
يتلطى “المعطلون” لانتخاب رئيس للجمهورية خلف تفسير المادة 75 وعدم وضوحها لجهة أكثرية النصاب. وهي لا شك تحتاج الى توضيح. ولكن المشكلة ليست في المادة ولا في تفسيرها، إذا ما مارس النواب دورهم الطبيعي بحضور الجلسات النيابية بشكل عام وبحضور جلسات الانتخابات الرئاسية بشكل خاص. فعندها لا حاجة للعودة الى النص الدستوري! فاللجوء الى الدستور، والى المادة 75 في الانتخابات الرئاسية، هو لتبرير عدم قيام بعض النواب بواجبههم الوطني بحضور الجلسات وبالتصويت لأي مرشح يختارونه! هذا هو الوضع الطبيعي.
للأسف أنه في الحياة السياسية اللبنانية، يتمّ اللجوء الى الدستور لتبرير إساءة استعمال صلاحية الرؤساء، وإساءة القيام بالواجبات الدستورية ضمن المهل “المعقولة، وإرادة التعطيل بناء على “النكايات” المذهبية للسيطرة على ما أمكن من أسلوب الحكم للبلاد، أي أن ما يجري هو إساءة استعمال المواد الدستورية والصلاحيات الرئاسية والمواعيد الدستورية… بسبب الشذوذ الذهني لدى “المسؤولين” في لبنان، أليس من المحتمل أن يتمّ اللجوء الى عمليات “قمصان سود” وأخواتها في هذه الظروف، تطبيقاً للميثاقية؟!
أما الحل فيكون بالانتقال من الفيدرالية المذهبية الى المواطنة والدولة المدنية والعمل لاستمرار حياة الدولة وإلا فكل مذهب يملك حق الفيتو وحق تعطيل البلاد باسم “الميثاقية”… وبحسب الدستور.