لبنان يتكيف مع الفراغ
أحمد مطر
بات بحكم المؤكد أن البلاد دخلت سباتاً عميقاً إلى ما بعد الأعياد وربما أبعد من ذلك، وأي حل مرتقب أو طرح جدي بالشأن الرئاسي لن يلوح في الأفق القريب بما فيه الحديث عن دخول الخارج على خط رئاسة الجمهورية. بعد مضي اكثر من شهر ونصف الشهر على الشغور الرئاسي، فإن الافق الداخلي في هذا السياق ما زال مقفلاً، وفي الخارج بقي مبهماً، حيث لم يبرز في مشهد انتخاب الرئيس اي مؤشر يوحي بإمكانية تحريك المياه الرئاسية الراكدة في وقت قريب، لا بل إن كل المعطيات المتوافرة تؤكد استحالة انجاز هذا الاستحقاق في ظل الواقع السياسي اللبناني المأزوم الذي يسد كل النوافذ التي من الممكن الولوج منها لوضع حد للفراغ الذي حصل في قصر بعبدا بعد خروج الرئيس السابق ميشال عون .
وكان لافتاً ما قاله المساعد السابق لوزير الخارجية الاميركية ديفيد هيل الذي يُحسن قراءة المشهد السياسي اللبناني من ان الفراغ الرئاسي قد يمتد في لبنان لسنوات، ومن ثم تراجعه عن ذلك في المحاضرة التي ألقاها في وزارة الخارجية اللبنانية،حيث ان اي متابع لسلوك الدبلوماسيين الاميركيين يدرك بأن اي سفير او اي مسؤول اميركي لا يعلن اي موقف من دون علم وزارة الخارجية في واشنطن،وهو ما يؤكد بأن هيل تقصد الكلام عن فراغ طويل في سدة الرئاسة في لبنان، إما لجهة تراجعه عن هذا الكلام فإنه ربما يعود ذلك بناءً لطلب من بعض المسؤولين اللبنانيين الذين يرون في هذا الكلام اضافة المزيد من التعقيدات وذهاب بعض الدائرين في الفلك الاميركي الى التمترس وراء مواقفهم ظناً منهم بأن ما قاله هيل هو بمثابة كلمة سر، او الإيحاء بأن الادارة الاميركية غير مستعجلة على ان يكون هناك رئيس جمهورية في لبنان .
وبمعزل عما اذا كان ما قاله هيل صحيحاً، او تراجعه في ما بعد عن كلامه كذلك صحيحاً، فإن المشهد السياسي الموجود حالياً، لا يوحي بإمكانية إحداث اي خرق في جدار الازمة الرئاسية التي تزداد سماكته يوماً بعد يوم في ظل الحرب الكلامية المندلعة على اكثر من جهة، وفي ظل إنشغال المجتمع الدولي عن لبنان من جهة ثانية
وفي هذا السياق تؤكد اوساط متابعة بأن ما ينقل من مواقف عن الافرقاء المعنيين في لبنان يؤكد بأن جلسة الانتخاب الاخيرة لانتخاب رئيس مصيرها كسابقاتها الفشل، بسبب الاستعصاء السياسي الحاصل.
وتتوقف تلك الاوساط عند التأزم الاقليمي والدولي على اكثر من صعيد انطلاقاً من الحرب الروسية – الاوكرانية وما يتشعب عنها من ازمات، وترى ان هذا المشهد يؤكد بأن الملف اللبناني لم يعد اولوية لدى الدول التي كانت عادة تهتم بالوضع اللبناني، وهذا يدل على ان الازمة الرئاسية سترحل الى العام المقبل وبالتالي فإن جلسات الحوار إن هي انعقدت ام لا في ظل هذه الظروف فإنها لن تكون قادرة على اجتراح المعجزات والذهاب الى ملء الشغور الرئاسي في بعبدا، ما لم يترافق ذلك مع فتح الخارج نوافذه مجدداً باتجاه لبنان .
وبحسب الاوساط من المحتمل ان تنشط الاتصالات في الايام المتبقية من هذا العام في اتجاهات مختلفة حول الملف الرئاسي، وبدورها ترى ان اسم قائد الجيش العماد جوزيف عون يتقدم على ما عداه من اسماء متداولة لتولي سدة الرئاسة، وان ذلك ينبع من كون ان قائد الجيش يمثل مكانة مرموقة لدى غالبية القوى السياسية في لبنان وكذلك فإنه محط ترحيب خارجي، وأن دعم وصوله الى قصر بعبدا من قبل القوى السياسية يزداد يوماً بعد يوم بالتزامن مع حرب الفيتوات المندلعة على اسماء مرشحين آخرين . وتعتبر تلك الاوساط ان التداول باسم قائد الجيش هو جدي حتى اللحظة وليس مجرد بالون اختبار، باعتبار ان العماد عون يشكل الفرصة الوحيدة السانحة للخروج من هذه الازمة، كما انه يحظى برعاية ودعم اقليمي وعربي، وان هذا الخيار سيبقى قائماً ما لم تطرأ معطيات جديدة تحتم الانتقال الى طرح اسم آخر يتفق عليه جميع من في الداخل ولا يكون محل رفض من الخارج .