ضجة حول رشاوي قطرية ومغربية في الغرب… هل هي زوبعة في فنجان؟

ضجة حول رشاوي قطرية ومغربية في الغرب… هل هي زوبعة في فنجان؟

عبد السلام بنعيسي

وجهت السلطات البلجيكية اتهاماتٍ، لأشخاصٍ على علاقة بالبرلمان الأوروبي، تفيد بأنهم تلقوا رشاوي من قطر، للصمت على ضحايا تشييد ملاعب كرة القدم الخاصة بمونديال 2022، كما يواجه المغرب أيضا مزاعم حول تورط استخباراته في رشاوي مقدمة الى نواب برلمانيين للتأثير على قرارات تخص مصالح المغرب…

 فلقد صرّح في هذا السياق “جوزيه بوفيه” العضو السابق في البرلمان الأوروبي، حين حلَّ ضيفا على إذاعة “فرانس إنتير”  للتعليق على قضايا الفساد المتفجرة في البرلمان الأوروبي، أنه هو الآخر تعرض لمحاولة إرشاء عندما كان مقررًا للجنة التجارة الخارجية بين عام 2009/2014، وكان مصدر المحاولة، وفقا لبوفيه، هو عبد العزيز أخنوش الرئيس الحالي للحكومة المغربية، حين كان وزيرا للفلاحة، لثني النائب المذكور عن معارضة اتفاقية التجارة الحرة مع المغرب…

الذي نعرفه عن الدول الأوروبية هو أنها دولُ قانون، وأن ممارسة السلطة فيها تتمُّ في أجواءٍ من الشفافية والوضوح، وأن القرارات الحكومية المتخذة هناك، يقع اتخاذُها ضمن المؤسسات الدستورية المنتخبة، وأنها تكون خاضعة للرقابة على عدة مستويات، بدءا بالبرلمان، والأجهزة الحكومية، والصحافة، والرأي العام، وأنها تخضع في جميع المراحل التي تقطعها لنقاشات، وتقييمات متعددة ومختلفة، ويشارك فاعلون كثيرون في بلورة هذه القرارات وتبنيها، فكيف يمكن لبضعة أشخاص محصوري العدد، يحصلون من قطر أو من المغرب على رشاوي، أن يمرروا قرارات بشكلٍ غير قانوني، ولا تتماشى مع الإرادة والمصلحة الأوروبيتين؟

إذا حدث هذا فإنه يفيد بأن الفساد ضاربٌ أطنابه في الدول الغربية، وأن الحكومات، والبرلمانات، والصحف الغربية، غارقة حتى الأذنين في هذا الفساد وتستفيد منه، وتمرر، عبر الرشاوي التي تحصل عليها من دول الجنوب، قرارات عديدة، بصيغ ملتبسة ومشبوهة، وحين تفوح الرائحة الكريهة للفساد، تهب هذه الحكومات لإثارة الموضوع، من أجل امتصاص الغضب، والالتفاف عليه، وليس من أجل محاربة الفساد، كما أن على الحكومات الغربية تطهير مؤسساتها من الفاسدين الغربيين في المقام الأول، وهذا من صميم مسؤوليتها…

إذا كانت الأجهزة التنفيذية الغربية جادةً في محاربة الفساد الذي يأتيها من الجنوب، لماذا لا تستدرج هؤلاء الفاسدين إلى عواصمها، سواء كانوا، من قطر، أو المغرب، أو السعودية، أو الإمارات، أو أي بلدٍ آخر… وتنصب كمائن لهم، بعلم القضاء وتحت مراقبته، وتلقي عليهم القبض، وهم يقدمون الرشاوي للغربيين، وتعرضهم على محاكمها، ليقول القضاء كلمته فيهم، وتزج بهم في سجونها؟ من الذي يمنعها من اتخاذ خطوات عملية في هذا الاتجاه؟ ألا تتمتع الحكومات الغربية بالسيادة الكاملة فوق أراضيها؟؟

في جميع دول العالم، القضاءُ يتحرك، في مثل هذه القضايا، فالذي تُعرض عليه الرشاوي، إذا أخبر النيابة العامة بذلك، لاشك في أنها ستتحرى الحقيقة، وستواكب الحدث، وستأمر بإلقاء القبض على الراشي، والزج به في السجن، حين يتأكد لها، أنه كان فعلا، يسعى للإرشاء. فلماذا لا تتم الأمور على هذا النحو؟ ولماذا لا نسمع بالإرشاء، أو بمحاولات للقيام به، إلا بعد فوات الأوان، ويصبح من الصعب التمييز بين الحقيقة والادعاء في هذا الشأن؟؟؟

الغرب مجهَّزٌ بكافة الوسائل التقنية والقانونية لمحاربة الفساد الوافد إليه من الجنوب، وهو قادرٌ على قطع دابره، إن كانت هذه هي رغبته الحقيقية… لو أن الغرب حارب الفساد الذي يقول إنه يأتيه من دول الجنوب، لكان إنسانُ الجنوب أولَ المصفقين للغرب على ذلك، فالضحية الأولى للفساد المتجه صوب الغرب هو اقتصاد الجنوب، وهي الثروة الوطنية التي تُنهب من الدول الفقيرة، لتُكبَّ في مخازن وبنوك الدول الغربية، ويُحرم منها إنسان عالم الجنوب..

تعرف استخبارات الدول الغربية كبار الفاسدين في دول الجنوب، وتعرف، معرفة تفصيلية، كمية الأموال الطائلة التي ينهبونها من خيرات بلدانهم، ويضعونها في البنوك الغربية، بأسمائهم، وأسماء أبنائهم، وبناتهم، وزوجاتهم، ويعرف الغرب جيدا الحجم الهائل للمال الوافد إليه من الجنوب بطرق وسخة وفاسدة، ولكنه يغضُّ الطرف عنه، لأنه يحوله إلى استثمارات تضُخُّ أرباحا طائلة على اقتصادات الدول الغربية، ويستفيد منها إنسان تلك الدول، وتضع البنوك الغربية التشريعات والقوانين التي تُحصِّنُ الأموال المنهوبة من الجنوب والمودعة فيها، من إمكانية استرجاعها لذويها في الجنوب، أليس هذا فسادا محروسا بالمؤسسات وبالقوانين الغربية؟؟؟

الفساد مستشرٍ في الكثير من دول الجنوب، والعديدون من صانعي القرار في دول الجنوب فاسدون، والغرب يعرف حقيقتهم الفاسدة، معرفة تامة، لكنه يستقبلهم بالأحضان حين يقومون بزياراته، وهو الذي يعطيهم التأشيرات حتى يتمكنوا من زياراته، لتفقد مشاريعهم واستثماراتهم الموجودة في الغرب الناجمة عن الفساد، وواضح أن فساد هؤلاء مباح ومقبول، ومحمي من الغرب، لأن ريعه يصل إليه، لكن، لابأس من التظاهر برفض، بعض تجلياته، في الغرب، درًّا للرماد في العيون..

 الغرب لن يحارب الفساد الذي يأتيه من الجنوب محاربةً حقيقية، وجادة، وصارمة، لأنه، إن فعل، سيكون هو الخاسر الأول في ذلك، إنه يحميه ويغديه. وتأسيسا عليه، فإن الضجة المثارة حول مزاعم عن رشاوي مقدمة من قطر والمغرب لمسؤولين في الغرب، ليست في الواقع، سوى زوبعة في فنجان، وبمثابة طلقة في فراغ، لن ينتج عنها أي شيء له قيمة وشأن، لأن الغرب متورط في هذا الفساد إن كان يجري حقا في جغرافيته…

Visited 18 times, 1 visit(s) today
شارك الموضوع

السؤال الآن

منصة إلكترونية مستقلة