في مخالفةٍ دستورية.. رسالةٌ في الديوان الملكي تطالبُ بجعل السنة الأمازيغية عيدا وطنيا
عبد السلام بنعيسي
تمَّ يوم الخميس 05 يناير 2022، وضعُ رسالة موقعة من طرف 45 منظمة وجمعية ومدنية وحقوقية ونسائية أمازيغية، من المغرب ومما يسمى الدياسبورا الأمازيغية، في الديوان الملكي بالعاصمة الرباط، موجهة إلى العاهل المغربي، الملك محمد السادس، من أجل المطالبة بترسيم السنة الأمازيغية، عيدا وطنيا وعطلة رسمية مؤدى عنها، على غرار باقي الأعياد والعطل الرسمية…
إذا كان الدستور المغربي لسنة 2011 ينصُّ، في ديباجته، بصيغة ملحة، على أن “المملكة المغربية دولة إسلامية ذات سيادة كاملة، متشبثة بوحدتها الوطنية والترابية، وبصيانة تلاحم وتنوع مقومات هويتها الوطنية، الموحدة بانصهار كل مكوناتها، العربية- الإسلامية، والأمازيغية، والصحراوية الحسانية، والغنية بروافدها الإفريقية، والأندلسية، والعبرية، والمتوسطية”، فإن الرسالة المشار إليها أعلاه تتعارض، بشكل صريحٍ، مع فحوى الديباجة الدستورية المغربية.
صيانةُ تلاحمِ وتنوعِ مقومات الهوية الوطنية، كما ينص على ذلك الدستور، لا تنجم عن تخصيص مناسبةٍ، تهمُّ فحسب، واحدا من مكونات هذه الهوية، وجعلها عيدا وطنيا، ففي ذلك إقصاءٌ، لا غبار عليه، لباقي مكونات الهوية الوطنية الأخرى، هذا التخصيص لا يؤدي إلى الانصهار، كما يحثُّ على ذلك الدستور المغربي، وإنما يَنتجُ عنه تمييزٌ وتفضيلٌ لمكون واحد، الذي هو المكون الأمازيغي، وجعله فوق كل مكونات الهوية الوطنية المنصوص عليها في الدستور، إذ سيصبح هو القمر والباقي كواكب، وقد يتسبب الأمر في الانشطار الاجتماعي.
المغرب ليس بلدا يعيش فيه الأمازيغ لوحدهم، لو كان الأمر كذلك، لحقَّ للأمازيغ أن يختاروا أي يومٍ، ويجعلوا منه عيدا وطنيا لهم، المغرب يقطنه، الأمازيغ، والعرب، والصحراويون، وذوو الروافد الإفريقية، والأندلسية، والعبرية، والمتوسطية، ويقطنونه مواطنين كاملي المواطنة، وإذا وقع اختيار أي مناسبة، وتمت تسميتها بالسنة الأمازيغية، وجعلها عيدا وطنيا، وعطلة رسمية مؤدى عنها، فإنها لن تكون عيدا وطنيا حقيقيا، لكافة المغاربة، إنها مناسبة، يدلُّ اسمها، السنةُ الأمازيغية، على أنها تخصُّ الأمازيغ دون غيرهم، وسيكون المغاربة غير الأمازيغ، غريبين عنها، ومتطفلين عليها، وستكون مفروضة عليهم بالإكراه والقوة….
لن نكون أمام عيد وطني يُجمعُ عليه المغاربة، ويُشعرهم أنهم متساوون في الاحتفال بهذه المناسبة، يبتهجون ويفرحون فيها بشكلٍ جماعي، ويتبادلون التهاني والزيارات أثناءها، كما دأبوا على القيام بذلك، في أعيادهم الدينية والوطنية المعروفة، سنكون في مناسبة مختلفة ومنحرفة عن أعيادنا المعتادة، ويستحسن تسمية هذه المناسبة، أي شيء، عدا كونها عيدا وطنيا، لأن العيد الوطني يجمع ولا يفرق، العيد يلغي الفوارق العرقية والمذهبية، ولا يستنبها، ويزكيها، ويعطيها المشروعية المؤسساتية، كما قد تفعل ذلك السنةُ الأمازيغية.
فنحن إذن أمام مطلب غير دستوري، ولا يجوز تقديمه أصلا للمؤسسة الملكية، يوجد في المغرب برلمان بغرفتيه، مجلس النواب ومجلس المستشارين، ولدينا حكومة أغلب أعضائها، بمن فيهم رئيسها عزيز أخنوش، أمازيغ، ومعظم قادة الأحزاب السياسية والنقابات المغربية أمازيغ، أبدا عن جد، فلماذا لم تعمل هذه الجمعيات على إقناع الأحزاب، والنقابات، والنواب، وأعضاء الحكومة، بجعل السنة الأمازيغية عيدا وطنيا، ودفعها لتبني هذا الخيار؟ لماذا لم تتمكن تلكم الجمعيات من التواصل مع الرأي العام المغربي، ودفعه، في معظمه، ليتبنى طرحها، ويضغط معها للوصول إلى هدفها المبتغى، إذا كان هدفا مشروعا ومعقولا؟
لماذا تختار الجمعيات إياها الطريق القصير، وتتوجه مباشرة إلى العاهل المغربي برسالتها في هذه القضية المختلف حولها بين المغاربة؟ ألا تريد تلكم الجمعيات الاستقواء بالمؤسسة الملكية على كل المغاربة الذين يخالفونها الرأي للحصول على ما تريده من الملك، حتى لو كان ذلك ضدا في رأي الأغلبية؟ أين الديمقراطية في هذا التصرف؟ أين هي الحداثة، والانفتاح، والتسامح، والإيمان بالحوار، والإقناع… هذه القيم التي يتشبع بها الأمازيغ في تاريخهم العريق، وفقا للسردية التي تتحفنا بها الجمعيات الأمازيغية؟؟؟ ألسنا إزاء الفلسفة المكيافلية التي تقول: الغاية تبرر الوسيلة؟؟ أليست هذه هي الانتهازية في أبهى صورها؟؟
العاهل المغربي ملكٌ لكل المغاربة، ومن منصبه الذي يبوئه الدستورُ، فإنه حريص على وحدة البلد، وعلى تمساك مكوناته الوطنية، ولذلك لا ينبغي للجمعيات إياها التوجه إليه بمثل هذه الرسالة. الإقدام على هذه الخطوة ينمُّ على أن أصحابها يطمعون في تجاوز الملك للدستور، والقيام بإرضاء مكونٍ واحد على حساب المكونات الأخرى، وهذا ليس تصرفا عادلا وعقلانيا، ولا يعزز المصلحة الوطنية العليا.
مطالب المغاربة عديدة، ويأتي في مقدمتها إصلاح التعليم، والإدارة، وتوفير الدواء والأسرَّة للمرضى في المستشفيات الحكومية، وتوفير المساكن للمحتاجين إليها، والشغل للعاطلين عن العمل، فهذه هي المطالب المغربية الملحة، أما جعل السنة الأمازيغية عيدا وطنيا، فهذا مطلب نخبوي لا يهم إلا أصحابه. الثقافة التي ينبغي أن تسود في عصرنا الراهن هي الثقافة التي تنتج لنا اقتصاد وتجارة الوطن، والإقليم، ثم القارة، كما يفعل الآخرون في أوروبا، وأمريكا، وآسيا، لكن، للأسف البعض يريد منا أن نعود إلى ثقافة القبيلة، كما عاينَّا ذلك، مع الاحتجاجات القبلية التي درات رحاها حول فيلم “زوايا الصحراء زوايا وطن” لمخرجته ماجدة بنكيران، وها نحن نعاين ثقافة الكانتون والزاروب في هذه الرسالة الموجهة للملك محمد السادس والتي يطالب أصحابها مطلبا عرقيا خالصا…
إذا كنا على أبواب السنة الثانية عشر للاعتراف بالأمازيغية لغة رسمية في الدستور الجديد، إلى جانب اللغة العربية، والسنة الرابعة على إصدار القوانين التنظيمية المتعلقة بتفعيل الطابع الرسمي للأمازيغية، والقوانين التنظيمية الخاصة بإنشاء المجلس الوطني للغات والثقافة المغربية، وإذا كانت لدينا قناة تلفزيونية رسمية تبث البرامج حصرا باللغة الأمازيغية، وإذا كان لدينا حاليا المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية، وإذا كان قد تم الشروع في تدريس اللغة الأمازيغية في المدرسة العمومية المغربية، فهذا يعني أن هناك اهتماما رسميا وعناية حكومية بالثقافة واللغة الأمازيغيتين، وأنهما لا تعانيان من التهميش والإقصاء كما يزعم البعض في ادعاء سافر لمظلومية كاذبة… فلماذا في ظل هذه المعطيات الإيجابية، بالنسبة للأمازيغية، المزايدةُ بمطلب جعل السنة الأمازيغية عيدا وطنيا؟ أليست هذه مغالاة وتطرف ومسعى لإقصاءٍ حقيقي لباقي المكونات الهوياتية المغربية؟؟؟؟
لا نعارض احتفال الجمعيات الأمازيغية بكامل أعضائها لذواتهم بالسنة الأمازيغية، فهذه حريتهم التي لهم كامل الحق في التصرف فيها، وهم يحتفلون بها في بيوتهم دون أن ينازعهم أحد في ذلك، والإعلام العمومي يولي تغطية تلفزيونية كبيرة لهذا الحدث، ويحتفي به احتفاء لائقا، ولا اعتراض على هذا الأمر، الخلاف حول الإلحاح من طرف بعض الجمعيات، هنا وهناك، على جعل السنة الأمازيغية عيدا وطنيا، رغما عن إرادة أغلبية المغاربة، فالواضح أن دوافع هذا الإلحاح، ليست وطنية، وإنما دوافع عرقية، وقد تكون صادرة بأوامر من قوى خارجية، لضرب الوحدة الوطنية المغربية ثم المغاربية…