محمد شكري والقصة الضائعة
أفق : يكتبه صدوق نورالدين
1/
نشر القاص والروائي محمد شكري (1935/2003) على امتداد مساره الأدبي مجموعتين قصصيتين: “مجنون الورد” (دار الآداب/بيروت/ 1979) و (الخيمة/ نشر خاص/ 1985)، لتصدر في طبعة ثانية عن (دار الجمل/ بيروت/ 2006). في المجموعة الأولى والثانية، أبان الراحل عن كفاءة أدبية تمثلت في طبيعة المواضيع المعبر عنها، إلى الصيغ التي اختارها للتعبير وبجرأة نادرة.
2/
كتبت عن المجموعة الأولى متابعة نقدية وسمتها بـ “مجنون الورد: الجنون بطرق مختلفة”. أرسلتها حينها لملحق جريدة يسارية تصدر بالبيضاء فلم تر النور. أعدت كتابة الدراسة وحولتها على مجلة (الآداب/ بيروت/ 1954_ 2012)، لتنشر في العدد(1 _2 / 1982)، إلى قصة قصيرة للراحل محمد غرناط : “الغابة زمن الصيد”. جاء في المتابعة:
“عالم شكري القصصي عالم تركيبي. ذلك أننا لا نقف على نموذج إبداعي موحد، كما اعتدنا في نماذج القص المغربي، وإنما الملاحظ أن شكري يوازي في إبداعاته بين القصة الاجتماعية والنفسية والسياسية نسبيا، في محاولة لترصد اللحظات وليس الانفكاك من آسارها. وفي ذللك التوازي يضبط أشكالا تلائم الظرف القصصي، إذ المهم لديه ليس الكتابة بالشكل الواحد ترصدا للحدث، وإنما الحدث يملي طبيعة تشكيل البنية الفنية.”
3/
استوقفتني في “الخيمة” القصة القصيرة “الأرامل”. فهي ليست نصا واحدا، وإنما نصان: “الأرامل/1″ و” الأرامل/ 2″. كتب الأول في طنجة سنة (1980)، والثاني بذات المكان، لكن في(1983). ذيل شكري النشر بالملحوظة التالية:
” النسخة الأولى ضاعت بين أوراقي مدة ثلاث سنوات، ثم أعدت كتابتها من الذاكرة. و أنا أنشر هنا نسختي القصة لبيان الفارق التقني.” (ص/154/ الطبعة الثانية).
تفصل ثلاث سنوات بين كتابتين : كتابة النص الأول والثاني. الأول بما هو الأصل، نواة التخييل. والثاني باعتباره نسيج الذاكرة أو فعل تخييل عن التخييل السابق. استعادة الضائع كما تمثلته الذاكرة. وبالتالي، كما يستعيد حياته عوض موته. فالمتداول أن نص القصة لا يكتب سوى مرة واحدة، اللهم إذا كان المبدع غير راض على منجزه. إنه كلوحة فنان تشكيلي ترسم مرة واحدة فقط.
4/
تدور فكرة القصة عن امرأة أرملة اختطف زوجها. وبانتقالها للعمل في المدينة ستحبل من مخدومها وتنجب منه ابنتين (آمال/ نادية). و بما أن سبل العيش قاسية، ستقصد البحر لوضع حد لحياتها. وهنالك ستكتشف قصبة صيد مغروسة بين الصخور، وقفة مهجورة تحوي أسماكا نتنة. عندها ستفكر في العودة هربا مع ابنتيها.
صيغ النص الأول بضمير الغائب. وأما الثاني فاعتمد المتكلم، مما أضفى على القصة شاعرية آسرة. وكما ألمح شكري فالفرق في “تقنية” الكتابة.
5/
استعاد محمد شكري نصه الضائع. وباستعادته كشف دور الذاكرة في الكتابة / وعلى التخييل والإنجاز.