من أجل مغرب الوحدة والحرية والكرامة الإنسانية
الصادق بنعلال
لا يحتاج المغرب إلى نصائح ودروس البرلمان الأوروبي غير البريئة، بل هو في حاجة إلى التعاطي البناء والراجح مع قضايا الداخل، من حيث النظر العقلاني إلى حرية التعبير واستقلالية الإعلام والصحافة والقضاء واحترام حقوق الإنسان، لتحقيق الانتقال الديمقراطي الذي انتظرناه طويلا. وفي هذا المسعى كنا سباقين إلى دق ناقوس الخطر، والتنبيه إلى اجتناب تقديم الهدايا على طبق من ذهب للأعداء و”الأصدقاء”. ولا يسعني إلا أن أعيد نشر هذا المقال الذي يعود إلى خمس سنوات (2017)، حين كان المغرب يغلي عبر حراك ريفي غير مسبوق، وانحباس حكومي بلا معنى، لعل الذكرى تنفع المؤمنين بمغرب آخر؛ حيث الديمقراطية هي السبيل الوحيد نحو الوحدة الحرية والكرامة الإنسانية.
منذ أكثر من سبعة أشهر ومنطقة الريف المغربي تشهد حراكا نوعيا، ومسيرات شعبية سلمية تندد بمظاهر الإقصاء والفساد، وتطالب بمستلزمات العيش الكريم من تطبيب وتعليم وصحة وعمل، لقد مرت هذه المسيرات ومازالت في جوي من الإحساس بالمسؤولية والوطنية العالية، وفي سياق مساندة شعبية معتبرة داخل وخارج أرض الوطن، انطلاقا من أن مطالبه الاجتماعية والاقتصادية والثقافية تتطابق وأحلام باقي أفراد الشعب المغربي في ربوع المملكة. ومن المفترض أن الشارع المغربي قد ينتفض مجددا إذا لم يتم التعاطي إيجابيا مع ساكنة منطقة الريف المناضلة، بشكل يستحضر روح الدستور الجديد وخطاب 9 مارس الذي شكل انعطافة مفصلية في تاريخ المغرب الجديد. وما من شك في أن عوامل كثيرة لعبت لصالح هذا الحراك ومكنته من القوة و البقاء والتمدد ، لعل أقلها الانحسار الحكومي الذي قارب الخمسة أشهر ، أمضاها السيد عبد الإله بنكيران ” يفاوض ” وينتظر على أحر من الجمر اللحظة التي يتم فيها تشكيل حكومة ما بعد استحقاق السابع من أكتوبر 2016 ، لكن دون نتيجة ، حيث أبانت الأحزاب الصغيرة جدا عن ” علو كعبها ” في المناورات والاشتراطات التعجيزية لتحميل السيد بنكيران مسؤولية فشله في هذه المهمة، ليتم تنصيب حكومة برئاسة السيد سعد الدين العثماني في لحظة زمنية قياسية، ضمت هذه الحكومة العثمانية الفضفاضة ست هيئات حزبية متعارضة ” أيديولوجيا ” وشعبيا و”برامجيا “، بدت لجانب من الشعب المغربي وكأنها انتقام لأصوات المواطنين الذين جددوا مرة أخرى ثقتهم في سياسة متابعة الإصلاح في إطار الاستقرار التي انتهجها حزب العدالة والتنمية .
وإذا كنا نقدر السيد سعد الدين العثماني ونقر بوطنيته الصادقة، وقدرته على التعامل الإيجابي مع عدد كبير من الملفات الوطنية الدولية، إلا أننا نعتقد دون أي رغبة في التقليل من أحد أو تحجيم إمكاناته في تدبير شؤون المرحلة، أن الحكومة الراهنة هي أضعف حكومة عرفها المغرب المعاصر، لأنها جاءت متناقضة مع أفق انتظار الشعب المغربي الذي كان يتطلع إلى حكومة مصغرة مكونة من أحزاب قوية منسجمة ذات مصداقية شعبية، بيد أن كل ذلك ذهب أدراج الرياح، وبدت الدولة المغربية العميقة و كأنها تستفرد بالقرار، وترضى عمن تشاء وتغضب ضد من تشاء، بعيدا عن مخرجات الاستحقاقات الجماعية والبرلمانية و مضامين دستور المملكة الجديد والخطب الملكية بالغة الأهمية .. كل ذلك جعل الشعب المغربي يصاب بإحباط بالغ الحدة، والكفر بالهيئات الحزبية والنقابية والمؤسسات الرسمية؛ من حكومة وبرلمان وجهة.. واللجوء إلى الشارع كفضاء للتعبير عن الآلام والانكسارات، والمطالبة بالحقوق المدنية والسياسية والاجتماعية.. مع ما قد يشكل اختيار الساحات العامة من مخاوف لا يحمد عقباها. ولعل الكساح الحكومي المؤكد ضاعف من قوة الانتفاضة الريفية وساهم في مد عمرها وإيقاد شعلتها إلى الآن، ونخشى ما نخشاه أن يطول مرض حكومتنا المغلوب على أمرها، وتنتقل عدوى الحراك إلى باقي أطراف مغربنا العزيز.
وفي الأثناء هناك إجماع من قبل المراقبين المحايدين المعنيين بالشأن السياسي الوطني على أن التدخل الملكي كيفما كان شكله، ضرورة حتمية لتجاوز هذه الأزمة الوطنية العصيبة، وكم نتمنى أن يكون تدخلا شبيها بخطاب 9 مارس التاريخي، لطمأنة الشعب المغربي على أن الخيار الديمقراطي مسألة لا رجعة فيها، وربط المسؤولية بالمحاسبة ليس كلام الليل الذي يمحوه النهار، وأن مبدأ السيادة للأمة التي تختار ممثليها في المؤسسات المنتخبة، بالاقتراع الحر والنزيه لا يمكن وضعه في الرفوف. إن القراءة الديمقراطية لأحكام وفصول أسمى قانون الأمة المغربية يجب أن تصبح كائنا ملموسا يمشي على قدميه ويتجول في الشوارع، والضرب بيد من حديد على من سولت له نفسه إهدار المال العام وتأخير المشاريع الاستراتيجية في كل ركن من أركان المملكة. هذا وإلى أن يتم إصلاح أعطاب الحكومة الغارقة في الصمت المقلق والعجز المثير للاستغراب، ليس أمامنا سوى الملك الذي نرى فيه الملجأ الوحيد لحلحلة هذه الأزمة المنذرة بالتمدد الذي قد يلحق بالوطن مصاعب لا قبل لنا بها لا قدر الله ، أملنا أكبر أن يتم ذلك مع إطلاق سراح كل المعتقلين، وإعفاء مسؤولين ساهموا بحسن أو سوء نية في إشعال لهيب الفتنة، والقطع مع بعض المسلكيات السياسوية المتجاوزة، من قبيل الإعلام الرسمي أحادي الصوت، الغارق في النمطية والتكرار، الرافض لآراء ومواقف المخالفين للسرديات الفوقية، و تجنب الاقتداء بالدول العربية الفاشلة أثناء التعامل مع احتجاجات الشارع. وفي المحصلة الأخيرة الشباب المغربي كله وطني، يطمح إلى المساهمة في بناء مغرب العدالة والمساواة وتكافؤ الفرص.