سُؤَالُ الْمُثقَّفِ وَالْمُثقَّفَةِ اليَسَارِيَيْن…
عبد الغني القباج
سؤال المثقف هو بالضرورة يساري. كيف يمكننا تـفسير صعود خطاب اليمين؟ الثقافة اليمينة والرجعية لم تـتـوقف عن التأثير مسنودة بنظام الحكم وثقافته.
من المؤكد أن إيديولوجية المخزن واليمين الديني انتشرت بعد سياسة القمع والاختطاف السياسي الذي تعرضت له قوى يسارية وماركسية ومثقفيها منذ ستينات القرن الماضي وطيلة أربعة عقود. خلال هذه المرحلة ورغم القمع كان المثقفون منحازين إلى اليسار. لكن اليوم لم يعد هذا الانحياز بديهيا. وقد تزامن هذا التراجع مع سيادة المخزن والنيوليبرالية والإديولوجية الدينية.
ورغم أن الرأسمالية المعولمة اليوم متهالكة وتلجأ إلى العنف والحرب لضمان استمرار سيطرتها، لم يعد في المغرب للمثقفين الجرأة والقدرة على التأثير وتشكيل رأي عام نقدي.. والواقع أن السلطوية السائدة في المغرب هي التي أصبحت تصنع “المثـقف” وليس واقع المجتمع الملموس وتناقضاته.
عشنا هذا الواقع خلال “حركة 20 فبراير” ثم حراك الريف وجرادة وزاكورة.. وأصبح المثقف في برجه يسجل ويكتب ولا يفعل.
وحدهم مثقفون يساريون راديكاليون ومثقفون ديمقراطيون نقديون من ارتبطوا عمليا أو خطابا بواقع الطبقات الكادحة والمحرومة، لكنهم لم يستطيعوا بلورة تيار ثقافي اجتماعي قادر على تغيير ميزان القوى لصالح تغيير مجتمعي ثقافي وسياسي.
ولم يغفل النظام السياسي قدرة المثقف اليساري الراديكالي والديمقراطي النقدي على التأثير في رأي عام رغم تشتته وتناقضاته. لذلك تصدى لهم النظام السياسي بالحصار والمنع واعتقال حرية الرأي.
واليوم لم يعد للمثقفين والمثقفات اليساريين الراديكاليين و الديمقراطيين الحقيقيين سوى التحلي بالشجاعة ليلتحـموا بالطبقات الشعبية ويناضلوا معها بدل الانعزال والاكتفاء بتأسيس إطارات اجتماعية ومدنية وثقافية تعيش تناضل معزولة عن قاعدة اجتماعية شعبية. فليس مطلوبا من المثقفين والمثقفات اليساريين الراديكاليين والديمقراطيين الحقيقيين التقليدي للمثقف مواجهة السلطوية وحدهم ..
إن واقع سياسة خنق حرية الرأي والتعبير تفترض أن يتبلور في الواقع الشعبي الملموس لخلق طلائع شعبية مثقفة نقدية تمارس بطريقة ومنهج أن تحرر الفئات الشعبية نفسها بنفسها .. وهذه المهمة تتطلب ضرورة أن يتوحد المثـقـفون والمثقفات اليساريون والديمقراطيون المستقلون عن نظام المخزن والتبعية كتيار ثقافي ديمقراطي نقدي له الجرأة الكافية لتحدي السلطوية وسياسة مصادرة حرية التعبير كي ينبثق من واقع الطبقات الشعبية مثقفون ومثقفات عضويون جدد يساهمون بطرق وأساليب مختلفة في استعادة حيوية الحياة الثقافية الديمقراطية النقدية في المجتمع التي لا تستسلم لإغراءات المناصب والترقي الاجتماعي والمالي.
إن تحول المثقف/المثقفة إلى مثقف يساري ديمقراطي عضوي مرتبط بالطبقات الكادحة والمحرومة تَحَـدٍّ عَـنِـيـد يـتطلب عناد أكبر وجرأة ثقافية من طرف المثقف/المثقفة اليساري والديمقراطي.
إنها أقكار تواجه المثقفين والمثقفات الذين يحملون وعي استعادة الإيمان بفكرة التقدم الإنساني والاجتماعي للشعب المغربي ليس كضرورة تاريخية فقط بل كمهمة يومية.