قــراءة لمكونات المسرح المغــربي المعاصر
نجيب طلال
إشارة لافتة :
في سياق منجز- المسرح المغـربي المعاصر: للناقد عبد الرحمان بنبراهيم (1) مبدئيا نشير بإشارة لافتة للمعْـنى، هل الجهة الناشرة، تتوفر على مصححين أكفاء؟ لتصحيح بعْـض ما ورد من أخطاء؛ سواء من الطباعة الأولية أو من صاحب (الكتاب)؟ حتى لا يتعثر القارئ المفترض في تأسيس المعنى الناتج عن الدلالة اللغوية؟ ومراجع (كفء) يراجع ما تم تصحيحه ومراقبة الهوامش والإحالات؟ لأن المنتوج في الأصل مادي/ ملموس بالأساس، ومعْـنوي من حيث بقائه واستمراريته في المشهد الثقافي/ الفكري؛ وهنا لا نضع أنفسنا ك”مصححين” بل ك”منبهين” باعتبارنا أحد المستهلكين للكتاب، وحتى لا نكون جُـناة قول نشير فقط لإحدى المغالطات/ الخطأ الفادح والوارد في الهامش: الحداثة والتجريب في المسرح 1914 – النقد المنهجي في المسرح المغربي المعاصر 1917 – النظرية النقدية في المسرح المغربي1917 (2) هاته مؤلفات الكاتب الذي ازداد أواسط الخمسينات من (ق، م) بمكناس. فالمؤسف هناك العديد من البحوث والدراسات؛ تعج بأخطاء فادحة من حيث المعطيات المعرفية أو المرجعية أو التاريخية، وتصبح متداولة بشكل رهيب؛ لأن اللامبالاة / عَـدم المتابعة / عدم القراءة / النرجسية / هي السائدة! وبالمناسبة نسوق إحدى الكوارث المعْـرفية التي وقعَـت؛ نتيجة خطأ، بحيث مسرحية: النبي المقنع نسبت للمجاهد” عبد الكريم الخطابي” بدل مؤلفها “عبدالكبير الخطيبي” (3) والمثير أن بعض الجمعيات والفرق في الوطن العربي قدمت هذا العمل بخطائه: عرضت الهـيئة العامة لقصور الثقافة في المهرجان القومي للمسرح المصري في دورته السابعة العرض المسرحي “النبي المقنع” من تأليف الكاتب المغربي “عبد الكريم الخطابي” سينوغرافيا وإخراج “خالد توفيق” العَـرض من تمثيل فرقة قصر الثقافة كفر وقدم على مسرح الطليعة بقاعة زكي ظليمات (4) وتأكيدا لقولنا بأن اللامبالاة / عَـدم المتابعة / عدم القراءة / النرجسية / هي السائدة! نضيف شهادة بفارق زمني: حيث شهد مسرح أم كلثوم بقصر ثقافة المنصورة العرض المسرحي “النبي المقنع” تأليف عبد الكريم خطابي وإخراج محمد علي، ملابس أحمد أصلان وتنفيذ موسيقي مصطفى مجدي، والأشعار أحمد عبده تنفيذ ديكور أحمد الحبشي مساعد مخرج نورا علاء. (5) وحتى المؤرخ “سيد علي إسماعيل” الذي يعَـد مُـنقحا ومُنقبا في مجال المسرح العَـربي عموما والمصري خصوصا؛ سقط في شرك الخطأ (6) وانطلاقا من الأخطاء فالناقد ع الرحمان بن إبراهيم بدوره سقط فيها مثل: قدمتها جمعية الرواد للمسرح والثقافة من الدار البيضاء في المهرجان الوطني 24 لمسرح الهواة بالرباط سنة…؟ (ص118) لم يثبت السنة؟ التي هي 1984 وهذا ليس خطأ مطبعيا بل ربما سهوا. وفي نفس السياق ففي (ص160)… في الدورة 34 في للمهرجان الوطني لمسرح الهواة سنة 2004 ومولاي الحسن الادريسي في جمعية اللواء للمسرح بتارودانت …فالأصوب فالمعنى مخرج في جمعية الشعاع بتارودانت. ونقرأ وفي (ص103):.. هي التي أوحت لبرومتيوس هرمس بفكرة سرقة النار المقدسة من الأولمب؟ ما نعْـرفه في الأساطير؛ وفي الإلياذة الهوميرية بأن “برومتيوس” حامل النار للبشرية؛ لاعَـلاقة له بـ “هرمس” فهو إله التجارة واللصوص، وابن زيوس الذي عاقب “برومتيوس”. أثرت بعضا من الهفوات ، ليس تنقيصا. بل لأن المُؤلف من إنجاز وطباعة [الهيئة العربية للمسرح]؟ بالتالي فمن فأي خطوة إجرائية يمكن أن نتناول المنجز الذي يصنف نفسه في نسق [قراءات] هل من باب نقد النقد؟ وهذا يتطلب أن نكون بدورنا شاهدنا نفس العُـروض المدرجة في الكتاب، وقراءة نفس النصوص الواردة فيه؟ أم التركيز على ملاحظات وانطباع مٌركز؛ وكفى. ولكن المٌؤلف يتضمن [246 صفحة] وهذا يعـيق ولا يساهم في استجماع كل المعطيات المعَـرفية والتفسيرية لذلك؟ أم علينا ممارسة قراءة سطحية إرضائية للمنتوج، وهذا ليس مقبولا ومن طباعِـنا؛ وقبل هذا فأي قارئ مفترض؟ ربما سينتبه أو سيشعُـر بأن هنالك تواطؤا بيننا وبين صاحب المؤلف. والخاسر [كِـلا] الطرفين. أم ننهج قراءة استنساخيه كما أمسى الآن في العديد من القراءات، التي تتلقى النص تلقيا مباشرا وتخضع له ولا تتجاوزه بوعي قرائي، وتتلاعب في الكلمات وتحويل الجمل؟ وهـذا ماذا سيفيد للمنجز في كليته؟ لا شيء! ولهذا فلم يبق لنا إلا الإنخراط في قراءة عاشقة، قراءة تفاعلية. وإن كانت القِـراءة “العاشقة” مجالها الشعْـر. فالمسرح سليلـه. وبالتالي ففعل هاته القراءة هي بمثابة توريط جوانية محمول المٌـنجز، بحكم تشتت الذهـن أمام ثلاث مكونات [العَـرض- النص – النقد] التي فـَرضها الباحث ” عبدالرحمان بن إبراهيم على القارئ.
عـنوان المنجَز:
إذا انتبهنا جيدا للعـنوان الذي يعتبر تركيبيا = المسرح المغـربي المعاصر [قراءات في العَـرض والنص والنقد] إن صاحبه يسعى لخلق تنوير علاقة بمصدر المتن، ولكن حينما نتصفح المحتويات المثبتة في (ص244) نستشف أن هنالك خللا ربما غير مقصود في الترتيب؛ بمعْـنى ليس هنالك توازي أو تقارب عددي بين قراءة العَـرض (و) النص (و) النقد (؟) وبالتالي فواو العـطف هـنا يبدو لا دورَ لها؛ ليس من باب التركيب / النحْـو، بل من حَـيْـث الاشتغال. وكان بالإمكان استبداله بـ (ثُمَّ): [قـراءات في العَـرض ثم النص ثم النقد] والتي تعْـتبر حرف عَـطف يدلّ على الترتيب مع التراخي في الزمن. وإن كان سيبدو العـنوان فيه نشاز، لأن في الأصل هناك نشاز بلاغي بين مفهوم (قراءات/ النقد) بحيث هل هنالك اختلاف بين القراءة والنقد؟ وهل القراءة تحمل خلفية معرفية مغايرة عن النقد؟ تلك أسئلة إشكالية؛ لا يمكن الحسم فيه إلا بالعودة الى مسار (النقد) الوارد في المنجز، بحيث تارة نجد دراسة نقدية (النقد المسرحي المغربي واشكالية الجمهور/ ص170) وتارة قراءة نقدية (مشروع قراءة جديدة لتراثنا الفرجوي / ص194) فهاته المراوحة؛ تذكي بأن النقد أساسا يخضع لمجموعة من الخطوات والإجراءات الضرورية التي تتجسد في قراءة النصوص/ الأفكار/ الاطروحات، وبالتالي فالنقد التطبيقي هو الذي يعنى بالقراءة النقدية، بخلاف النقد النظري (دراسات) الذي يظل مجرد أفكار ليس إلا؛ هذا إن لم يتغـير إلى مفاتيح ضِمن دائرة المفاهيم النقديَّة المتعددة الاتجاهات، الذي أمسى يشتمل على: الإدراك والتذكُّر والاستنتاج والربط، ثم التحليل والمناقشة؛ وهي القراءة الناقدة (7) لكن ربما بفطنة الأستاذ “عبدالرحمان بن إبراهيم” سعى بكل إمكاناته الفكرية والمعرفية؛ خلق مزاوجة وتمازج بينهما، إلا أن المُـؤاخذة الأولية التي يمكن الإشارة إليها. فما دام الكتاب يحصر نفسه علانية (العنوان) في (المسرح المغـربي المعاصر) فلماذا تم إقحام العرض السويسري [JOY] الذي وإن:… استمتع الجمهور بعـرض مادته التعبير الجسدي représentation chorégraphique وليس بعَـرض مشهدي بمفهوم المنجز المسرحي Performance. العَـرض عبارة عن مشاهد من الكوريغـرافيا chorégraphie قدمته فرقة سويسرية تضم خمسة عارضين: أميركي، سويسري، ويوناني، وإيطالي، وبولونية. مسؤول الفرقة المتعددة الجنسيات multinationale هو السويسري ذو الأصل الأمريكي كما صرح بذلك (8) ألا يعـد هذا إقحاما ونشازا من حيث بناء استراتيجية قبلية، وضرب في منتهى العمق لأهمية للمنجزعَـبر محتوياته، وعلائقه بالعُـنوان كدلالة مركزية للمنـْجَـز؟
بين المكونات:
ففي هذا الكتاب الذي بين أيدينا يقف الكاتب عند ثلاث مكونات (العَـرض/ النص/ النقد) يستنطق كل مكون بمحمول ماحملته هذه التجارب، التي عاينها أو اطلع عليها؛ حيث يقوم بدراستها في بوثقة (المسرح المغـربي) لإيجاد العلاقة التي تربط الحمولات بمسيرة التجارب الأساسية التي حصلت في بداية هذا القرن. والتي أرست المبادئ الأولية للممارسة العَـملية والمنهجية للمسرح الحديث والمعاصر، وذلك من خلال التجارب والمعارف العملية والجمالية والنظرية التي تركها الجهد الكبير للمسرحيين العالميين . جدليا يفرض عـلينا عدة أسئلة للمكونات الثلاث؛ من حيث الاشتغال والكمية والنوعية، إذ إحصائيا نجد المنجز لا شعوريا وضع نفسه في سياقا “التناسب” أو “متتالية” حسابية ذات تتابع من الكميات كالتالي: النص(4) العَـرض(8) النقد (12) نمط حدودها كالتالي ([4]+4= [8]+4=12) فهاته المعادلة بشكل ضمني دالة: فهي عبارة عن مجموعة محددة من الأغـراض أو الأحداث أو الحـروف، التي ترتبط مع بعضها البعض بنمط خطي معين بحيث يكون لهذه الحروف معنى ودلالة محددة، ويكون ترتيب أجزاء المتتالية منظما ومحدد يطلق عليها عناصر المتتالية أو حُـدودها (9) هنا فالتعْـريف كاشف على ما يحمله المنجز(أي) عملية التناسب محصورة في الغـَرض الذي يهدف إليه الباحث؟ وفي الأحداث؟ ومن خلال قراءة ما بيـن المسارات، نستشف أنه منبثقة من فضاء حياة الكاتب (مكناس) وليس خارجها في مهرجان (ما) أو في مدينة (ما) بمعنى أن هنالك هَـوسا دفينا تجاه المدينة! ولكن من زاوية التعْـريف بالمسرح المغربي ومنجزاته الإبداعية والفكرية أم زاوية (الأغـراض) كما طـرحته المتتالية؟ ومن خلالها سنفكك هَـوس المدينة، لاسيما أن [مكناس] = (وردت (12) مرة في المتن. وفي الهوامش (12)مـرة) والشيء الذي يحَـير؟ إذا قمنا بقسمة ( 12/3) أي ثلاث مكونات] نحصل على [4] التي هِـي “المتتالية” ومن منطلقها سيبدو أنها ستضع “المنجز” في دائرة تساؤلات تأويلية / استنطاقية / تشكيكية / خارج منطوق التساؤل النقدي/ الفلسفي/ رغم قـيمة المحمول.
مكون العرض:
ما هـو مطروح في المنجز والتي تمت مشاهدته بمكناس [ثمانية (8)] عُـروض مسرحية. منها عرضين لفرقة “الشامات” من (مكناس) وهاته الفرقة نجدها حاضرة بين الصفحات حتى أنه خصص لها تبويبا خاصا (الكتابة المسرحية المغـربية – العَـودة إلى الأصل/ من- (ص 143- 146) فمن زاوية نظر من حقه. أن يكتب ما شاء تجاه من شاء! ولكن بما أن المنـتوج لم يعُـد ملكا لصاحبه بل ملك للقارئ. فمن حقنا هاهنا أن نتساءل، هل فضاء “مكناس” لم يستقطب إلا تلك “العـروض”؟ بالعكس! فالمدينة ونواحيها (الحاجب) استضافت عِـدة أعمال وتجارب مسرحية أغـنت المسرح المغـربي المعاصر. فأين هِـي عُـروض مسرح الشباب؟ أليست فاعِـلة في مسار المسرح المغـربي؟ ربما! ولربما ليس هنالك عَـرض مستفز يدفع لمناقشته / قـراءته! ولـكن بما أنه تـم إقحام فـرقة “الشامات” مرة أخرى من خلال مناقشة الفرجة: – دأبـت فِـرقة مسرح الشامات في مدينة مكناس على تنظيم مهرجان سنوي تحت مسمى “مسرح الحارات”، وهي عروض جوالة في مختلف الأرجاء الهامشية للمدينة، قد بلغ هذه السنة دورته الثانية عشرة مما يدل على نجاحه في رهانه المتمثل في نقل المسرح إلى الأحياء المصنفة فقيرةٌ ثقافيا )10) فحبذا لو تم إدراج أحد الأعمال، كتنويع ومحاولة لتنويع المسارات الفنية أولا، وخلق مقاربة إجرائية تساهم في فـك السؤال: هل مسرح الحارات هو مسرح الشارع أو مسرح الأحياء؟ لأن هنالك تجربة مسرح “الأحياء” بمدينة (أسفي) ولم تحظ بالاهتمام والدراسة والنقد؟ فالإشكال الأعمق لحد (الآن) في مسار المسرح المغـربي، ضبابية المفاهيم / المصطلحات/ الصفات؛ لأن مسرح الشارع له مواصفات وأسس معينة ومنظومة تتحكم فيه وفي سياق الفرجة العمومية! علما أن المنجز يطرح موضوع يندرج مسرح الشارع: ضمن ممارسات فنون الفرجات المفتوحة والمُستقطِبة لمختلف الشرائح الاجتماعية… باعتباره مسرحاً جدلياً لا يبتغي تسليةً، ولا يروم ترفيهاً؛ وإنما بسطَ القضايا، وإثارةَ التساؤلات، وطرحَ السؤال. وعلى الرغم من الخلفية الإيديولوجية التي يستند إليها باعتباره مسرحاً ملتزما؛ فإن الخصوصية الفرجوية تقتضي بالضرورة تمرير الخطاب من خلال لَعْـباتٍ Scènes محفزةٍ تتسم بالسمات (11)هَـذا نظـريا؟ دونما تطبيق وممارسة عملية/ نقدية، في سياق مكون (العُـروض) وأمامه عروض الأحياء كما أشار؟ وبالتالي فالمنهجية التي صرح بها لقراءة تلك العروض (الثمانية) كالتالي: في العرض أحضر اعتباري واحدا من المكونات الثلاثة للعَـمل المسرحي؛ القارئ والمخرج والعرض. قراءتي انبـنَت على أنه تكثيف خلاق من الأنساق البصرية السمعـية والحركية والشمية إن وجدت. (ص11) فهل التزم بهذا؟ فالناقد عبدالرحمان بن أبراهيم، سعى جهد الإمكان تحقيق قراءة رصينة للعروض، لكن ترسخ لديه منذ المنطلق بأهمية [النص] ويركز عليه في كل قراءة: منطلقها الأول هو النص؛ هو مبعث الفعل المسرحي؛ فيه تكمن كينونة العرض، ومنه تنبثق فكرة الفعل ،،، ولا يمكن تصور عرض بدون نص، حتى لو كان مشاهدة مرتجلة (ص7) فالناقد” بن إبراهيم” بين الشعـور واللا شعـور؛ يؤطر المسرح في [ الأدبية ] وهذا لم يعد واردا في أدبيات المسرح ، وبالتالي ندرك أن قِـراءة العَـرض هي قراءة جمالية/ إبداعية؛ تفكك ما أقـدم عليه المخرج أو الدراماتورجي؟ من اشتغال لتحقيق والرفع من منتوجه الفني؛ وما النص إلا عنصر تركيبي في سياق جمالية العَـرض؛ لكن قراءة [الأعمال] انصبت أساسا على مكونات النص بشكل مفرط: دلالة العنوان / الشخوص/ الحدث/الأحداث/ الحوار/ الحبكة الدرامية/ اللغة المسرحية / المعمار الدرامي (البداية/ الوسط/ النهاية)/…/هاته المحددات التي اتخذها خطاطة عمله؛ قيدته بشكل صارم؛ مما لم يقدم لنا رؤية المخـرج وكيفية اشتغاله على كيميائية العـرض؛ وما الاتجاه الإخراجي الذي ساهم وساعده في تحقيق رؤيته و نسبة العطاء الإبداعي للعـرض؟ وإن حاول إثارة الجانب السينوغرافي كمعطى ( جمالي) هنا أو هناك . نلاحظ أنه يركز على (النص): مفهوم قراءة العرض المسرحي: لابد من الإشارة بادئ ذي بدء إلى أن قراءتي لهذا العَـرض أنجزت من دون معرفة مسبقة بالنص الدرامي. وكل ما أمكنني معرفته: العنوان وأسماء الممثلين قبلاً، وأعضاء الطاقم التقني (*) وفي هذه الحالة يتبادر إلى الذهن سؤال منهجي: أنَّى تتأتَّى قِـراءة عرض من دون الإلمام بالنص، أو امتلاك فكرة قبلية عنه على الأقل؟ (ص21) فليس بالضرورة الإلمام بالنص، ومادام ينطلق برؤيته هكذا؛ فلم يقدم لنا أي مقاربة أو مفارقة بين النص الأصلي ونص الإعداد لمسرحية (فلاش باك) وكذا لمسرحيتي (كل شيء عن أبي/ الماتش)؟ ولاسيما أن الأستاذ “عبدالرحمان بن أبراهيم” لم يحاول إثارة قضية “الإعداد” هل الإعداد خلق ثاني للنص؟ أم تجني وانتهاك لحرمة النص الأول؟ علما أن الإعداد بالمعنى الواسع للكلمة هو عملية ” تعـديل” وبناء عليه: فإعداد نص مسرحي عـن نص مسرحي؛ هو إعادة صياغة نص مسرحي ليتلاءم مع وجدان المجتمع الذي يقدم على إنتاجه أو ليتلاءم مع فكر المخرج أو لسبب قد يظنه المعد ركاكة في الصياغة الأصلية (12) هذا لم يفكـَك أو يلمح له ! لنفهم التعديلات والتحولات التي حصلت للنص المسرحي. مادام النقد انتهج سبل الانطلاق من (النص) لتحقيق ماهية النقد . الذي هُـو عملية تقييمية وليس عملية تقويمية، ولا عملية استشهارية. وبالتالي نجد في (ص60) “الماتش” عن نص “لإدريس كسيكس” (ترجمة وإخراج). بدعم من وزارة الثقافة 2017؟ بعكس ما هو مدرج في (ص56) فهل نحن أمام قراءة عَـرض مترجم أو مقتبس؟ وفي نفس الصفحة نجد: “كل شيء عن أبي”عن رواية “بعيداً عن الضوضاء قريبا من السكات” لمحمد برادة (اقتباس وإخراج). بدعم من وزارة الثقافة 2016. بعكس ما هو مدرج في (ص44) هَـذا يحيلنا بأن هناك فرق بين الإعـداد والاقتباس الذي نجده مثبتا في هذا العمل. فمادام هُـو مأخوذ من (رواية) فهو إعـداد وليس (اقتباسا). فهاته الأسس الاشتغالية لم يراعـيها الناقد “بن إبراهيم” في متنه القِـرائي، ولاسيما أن: أغلب المسرحيين المغاربة يلجأون إلى الإقتباس، لأنهم يفتقرون إلى متطلبات الخلق الفني؛ ويعجزون عن استكمال شروط التأليف المسرحي، لذلك نلاحظ أن حركتنا المسرحية نشطت في ميدان الٌإقتباس زمنا طويلا (13) ونفس النهج تم من زاوية أخرى (دراماتورجيا) في عمل (كلام الجوف/ لفرقة “فلامونداغ”) بحيث نقرأ في تيمة المسرحية: المسرحية في الأصل مقتبسة من نص La Bel Indifférent للكاتب الفرنسي جان كوكتو Jean Cocteau. أحداثه مستوحاة من إحدى لقاءاته مع المغنية الفرنسية الشهيرة إديث بياف Edith Piaf التي عانت من الفراغ العاطفي، ومن الحاجة الملحة – كأية أنثى- الى الحُـبّ و الدفء والحنان (ص37) لم نلمس من أي زاوية اشتغـل ذاك [الدراماتورجي] هل من جانب/ الشخصية/ الخطاب/ البعْـد الدرامي/ صياغة الحَـدث/…لأن هنالك [دراماتورجيات] فمدعاة كـُل هذا؛ وإن كان الطابع الغالب في القراءة لما هو (نصي) فلو تم الاشتغال على المصطلحات؛ وإن كان ” الإعداد / اٌلإقتباس/ الدراماتورجيا” مفاهيم متأرجحة وفضفاضة، فلها كذلك ضوابط محددة لا يمكن تجاوزها. ومن خلالها سنفهم وندرك على الأقل رؤية العرض، وفي أي منحى إخراجي / جمالي/ إيديولوجي/ يتجه. وهل يستقيم هذا القول تماشيا مع تحليل “الاعداد” في سياق القراءة النقدية؟: وقد أحاطني المخرج …. أن “نص الإعداد” يكاد يختلف تماما عن النص الدرامي الأدبي. وفي هذه الحالة، فنحن بصدد عرض مسرحي لا أحد يمتلك عنه فكرة قَبْلِية سوى ما يوحي به العنوان( ص15) باختصار إن قراءة العرض عملية مركبة وشديدة التعقيد ، هُـنا فدور” الناقد ” تحديد مكامن الضعْـف والقوة في عمل (ما) وكشف خفاياه وتركيبته الكيمائية، عبر ما يمتلك من آليات التفسير والتفكيك والتأويل، بمعْـزل عن رأي أو قول أو توجه من (عضو) ما . وبداهة ليس من حقه أن يدعُـو إلى إعادة انتاج العرض بالمنظور الذي يَـراه، أو البحث عن صيغ أخرى غير التي ظهر فيها العمل. لأن ذلك من حق أصحابه. والعجيب أن الصديق “عبدالرحمان بن إبراهيم” أثار نقطا ومصطلحات حساسة في “المنجز” ومفيدة جدا مسألة [ الشمية/ اللمسية] ما مرة: .. العرض المسرحي فرجة تتقاطع فيه عديد العلامات السمعية والبصرية في المقام الأول، وأخرى ما يتصل باللمس والذوق والشم (ص21) ولكن لم يتم توظيف (أخـرى) ولو مجازيا في أي عرض من العُـروض المدرجة؟
مـكون النص:
فالمنهجية التي غلبت على قراءة العُـروض نفسها تقريبا على النصوص (الأربعة) والتي تتجلى في قوله: محاولة في قراءة المشهد المسرحي اعتمادا على مقاربة تداولية في قراءة النص الدرامي، من دون خلفية مسبقة تتغيا فكرة اختراقه من الداخل (ص11) بشكل واضح فـ”التداوليــة” تنطلق أساسا من دراسة النــص وتعود إليه عبر تحليل الخطــاب الأدبــي، ومدى علاقته بالســياق التواصـلي ارتكازا علـى أفعـال الكلام، لتحقيق سؤال الوظيفة، فمن هنا انطلق
لتحليل النصوص؛ دونما تفعيل أفعال الكلام في سياق حوارات؛ كما تم في العروض المسرحية؛ ربما يستهدف ضمنيا لتكوين “منهج” للقراءة ، قراءة إلى حد ما منطقيّة متماسكة في اكتشاف معاني [النّص]. بحيث نجد هنالك بوح وحوار وجدل بين (مسرور) وبين الشيخ (القوقل) ولكن دونما اشتغال تداولي في النسختين كما أشار: وقد صاغ الكاتب ذات النص في معالجتين مختلفتين تماماً: معالجة أولى وهي عبارة عن مونودراما فـنتازية ساخرة ترتهن بشخصيته مركزية محورية هي “مسرور” بن عاشور الكتبي بن دهشور المطبعي… وشخصية مفترضة هي شخصية الشيخ القوقل / غوغل شيخ شيوخ العارفين أجمعين كما ينعته الكاتب في نصه. ومعالجة ثانية في صيغة نص درامي بأربع الشخصيات وهي: مسرور، الشيخ قوقل، شبشوبة المسعورة، الضابط العبوس، وشخصيات صوتية فقط كمولانا قعبور الوقور، وعبد الجبار الجزار الذي يتاجر في لحوم الكلاب والحمير والبغال المريضة (14) إذ حاول أن يقـربنا للنص؛ لكي نتفاعل معه ومع القراءة. ورغم إغفاله الإرشادات كنص ثالث ضمن النسختين؛ لقربنا أكثر للمتخيل الركحي، كما فعل في نص (تُماضر ومعزوفات للاجئين): لقد فـَرض عليّ النص أثناء قراءته شرط مشاهدته ذهنيا في الخشبة الدرامية. وهي حالة نادرًا ما تحدث في قراءة المسرحيات. ولا شك أن السبب في ذلك يعود إلى تقليص ما هو درامي لحساب ما هو مسرحي (15) وإن كانت القراءة لم تنغمس في تفكيك الحوار المسرحي “تداوليا” فـسعى أن يقحمنا في عَـوالم الاخراج “المفترض” من خلال تحليله للمعمار الفني النص/ المسرح داخل المسرح/ إشراك الجمهور في العـرض/الارتجال. وفي سياق مكون (النص) نقرأ تصريحا للباحث: استطاع المنجز المسرحي المغربي أن يراكم تجربة معتبرة على مستوى الكتابة النصية اعتبارًا من منتصف القرن العشرين، اتسمت بالسعي إلى تجاوز التصنيفات الأجناسية الكلاسيكية الفاصلة بين هذا الجنس وذاك، وإلى التمرد على الحبكة المسرحية التقليدية (ص122) جميل! ولكن لماذا تم الاقتصار على هاته النصوص وبالضبط نص (“آش سَمّــاكْ الله”)؟ فرغم أن الناقد {ع الرحمان بن ابراهيم} يبرر اختياره بقوله: نحن بصدد نص استثنائي يختلف عما سواه من النصوص التي أبدعها ذات المؤلف. نص منفلت من القوالب السائدة. في “آش سمّاك الله” لا يتعلق الأمر بمسرحية ذات مشاهد أو فصول أو نوافذ، ولا بشخصية / شخصيات محددة المعالم، ولا بتجليات فعل درامي في حدث/أحداث في إطار حبكة مسرحية معتادة..(16) ولكن أين تكمن استثنائيته؟ لا جـواب! هل لأن: المسرح الحداثي مفتوح على قراءات تأويلية، يترك بموجبها للمتلقي مهمة البحْـث عـن أجوبة لأسئلة النص والعرض تتمثل في نص القارئ. (ص125) كما اشار المنجز. وإذا دققنا فيه جملة جملة؛ نجد بأن الفنان (ع الحـق الزروالي) حاضر بقوة بين جملة وجملة، علما أنه يستحضر منجزاته المسرحية بالكامل في (ص/ 7 /10/121/165) من حقه أن يتماهى بتجربته (الموندرامية) ولكن نحن أمام كتاب نقدي؛ فكيف يستقيم استحضار بيبليوغرافية أوتيرة المنجز بشكل طافح؟ وهذا تم كذلك مع مخرج فرقة الشامات (ص61) علما بأن: الكتابة تفترض بالضرورة شرطين أساسيين ملازمين لفعل الكتابة. الشـرط الأول هو شرط الموضوعية. «إن فصل “الذات” عن “الموضوع” عملية ضرورية… والشرط الثاني هُـو الشرط الأخلاقي. فمما لاشك فيه أن من يكتب فإنه يعَـبرعَـما يعتبره جميلا وخيرا وذا فائدة. والكاتب الحق هو من ينشد – من خلال ما يكتب- نشر المعرفة، وإنارة الطريق، وطرح أفكار وتصورات يعتقد أنها مفيدة وصالحة لعموم القراء (17) لأن المعْـرفة الّنقدية تقتضي تنويع الإجراءات والمقاصد من أجل المهتم ، ومن أجل قارئ مفترض.
مكون النقد:
بداهة النّقد حوار، حسب رأي “تود وروف” وبالتالي فإن: الممارسة النقدية بحكم أنها ضرب من النشاط العقلي، تستمد طاقتها من فعل يتخذ قوة التحرر الفكري لدى الناقد. وهذا الفعل يتحول بفعل التداول إلى قـُوة تحَـرر فكرية في المجتمع. وبذلك يتحول الفعل النقدي المسرحي إلى خطاب معرفي استشرافي يتخذ من قراءة النص/العرض منطلقا للارتقاء به نحو أفـق القراءات المحتملة والمتعددة. (ص173) ولكن نحن أمام “ابستمولوجيا نوعيّة خاصة بالنّقد” والتي تتعلق بـ”نقد النقد” الذي هو بناء معرفة على معرفة سابقة لأن: موضوع نقد النّقد ومجال اشتغاله هو النص النّقدي، وبالتّالي فإنَّ دراسة النص النّقدي. بوصفه نـّصا ثانيا، تفضي لإنتاج نقد الّنقد، باعتباره نـصا ثالثا، هذا يعني، منطقيا، وجُـود اختلافات وتمايزات بين النص الثاني والنـّص الثالث، على مستوى سيرورة التشكل، ومنهجيّة التحقّق (18) وهذا لم نستشفه في هذا المكون، وإن كان الزميل “ع الرحمان بن إبراهـيم” يؤكد حَـرفيا بأن: وظيفة الفعل النقدي المسرحي تتجاوز حدود مجرد القراءة النقدية، إلى التأسيس لرأي عام ثقافي ونقدي من خلال قراءة نقدية تطبيقية على النص والعرض ذات أرضية معرفية محددة، وذات أفق تنظيري معين (172) ولكن هنالك سرد لمعطيات دونما خلخلتها أو طرح نقضيها أو تعديل طروحاتها؛ بحيث تم سرد ما ورد في كتاب. “المسرح الفردي في الوطن العربي” حَـسب ما طرحه مؤلفه؛ والهوامش تذكي ذلك (أي) لاوجود لمرجع (ما) استند عليه في تحقيق نقد النقد؛ أو بمصطلح [علي حـرب] “قراءة القراءة” ولم يحقق بأن: الموقع الطبيعي لناقد النقد هوأن يتخلى عن تبنّي أحد مناهج نقد الإبداع، وأن يترك هذا الاختيار لنقاد الإبداع أنفسهم، لأن المجال الحقيقي لبحثه الخاص، ليس هو المعرفة بل هو معْـرفة المعرفة (19) وبما أن المنجز يحمل قضية منغـرسة ضمنيا في العنوان (المسرح المغربي المعاصر) أي مناقشة حساسيات جديدة/ معاصرة، بعيدة عن الماضوية والاجترارية، لكن نجد حُـضور “صناعة الفـُرجة” من منظور قيل [أشكال ما قبل مسرحية] لابأس: من الممكن جدّاً اعتبار الحلقة وسلطان الطلبة والبساط على الخصوص بداية مسرح مغـربي قائم على التمسرح واللعب الدرامي. (ص179) ولكن لم يتم عليها نقد النقد؛ لتحقيق رؤية معاصرة للفرجة ولمفهومها المرتبط الآن بالتحولات العولمية ورقمنة الحياة العامة ولاسيما أن :قـِراءة الفـُرجة المسرحية ، تقتضي بالضرورة الحفـْر والنبش في تضاعيف الذاكرة الاحتفالية المغـربية الأصيلة (ص176) بحيث الناقد “بن ابراهيم” لم يؤطر تلك الفـرجات بمنظور مخالف وتحديد مصطلحاتها أو تفنيد ما طرحه “حسن المنيعي “هل هي إرهاصات مسرحية ؟ أم أشكال ما قبل مسرحية؟ أم أشكال احتفالية؟ هل هي قـَوالب مسرحية ؟ وفي سياق المكون (النقد) لماذا تم إدراج مبحثين لنفس الشخص (حسن المنيعي)” صناعة الفرجة” في المسرح المغربي” من ( ص 175-185) و”مؤسس النقد المسرحي الحداثي المغربي” من (ص147-152) أليس في الساحة المسرحية المغربية دراسات غير دراساته؟ وكيف يمكـن للفعاليات العَـربية وغيرها أن تعْـرف أن هنالك تنويعا وعطاءات في مجال المسرح المغربي (؟) من زاوية المنطق: لا يمكن لهذه الوظيفة أن تتحقق في ظل وضع ثقافي هش ومتذبذب، كما تشهد بذلك راهنية المسرح المغربي؛ وما يزال الوقت مبكرا للحديث عن واقع نقدي مسرحي مغـربي ذي أفق معْـرفي محدد، وذي لغة نقدية مصطلحية مؤسسة على تصور مفهومي معَـين، ورؤية منهجية في القراءة النقدية (20) وبناء على هاته الحقيقة ؛ فالحقيقة الثانية مهما حاولنا الانغماس فيما أنجزه الصديق” ع الرحمان بن إبراهيم” في هذا الكتاب؛ الذي يغري بالقراءة والمناقشة، لن نستطيع غيفاء حقه ولو من باب القراءة العاشقة، التي هي ضنيا مشاغبة بين تخوم حمولة المنجز لمكونات المسرح المغــربي المعاصر. الذي تفضل به.
الإستـئناس:
1) المسرح المغربي المعاصر [قراءات في العرض والنص والنقد]: لعبد الرحمان بنبراهيم – منشورات الهيئة العربية
للمسرح – دراسات 96 – ط 1/ 2023 – الشارقة.
2) انظر لهامش الصفحة 8 من المنجز.
3) النبي المقنع – مسرحية: تأليف عبد الكريم الخطابي ترجمة وتقديم – محمد الكغاط مراجعة هيام أبو الحسن
عـدد261 أول فبراير1993 دار النشر: المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب.
4) النبي المقنع – عرض مسرحي عن المتاجرة بالدين للسيطرة على البشر جريدة المصري اليوم / بواسطة أحمد
الهواري 21 /08/2014.
5) «النبي المقنع» عرض مسرحي بثقافة الدقهلية – متابعة: داليا مسعـود- لجريدة الزمان- بتاريخ 23 /04/ 2019
6) انظر لمنجز: الإصدارات العَـربية والمترجمة: نظرة نقدية – للسيد علي إسماعيل ص43
7) محمد عدنان سالم: القراءة أولًا، دار الفكر، سوريا- ط2/ 1999 ص 34
8) المسرح المغربي المعاصر[ قراءات في العرض والنص والنقد ]: لعبد الرحمان بنبراهيم – ص29
9) مقدمة في المتتاليات: مجلة “أي عـربي” ركن رياضيات/ علوم – بتاريخ 29/03/2021
10) المسرح المغـربي المعاصر- ص- 219
11) نـــفـــســـه: ص – 214
12) حيرة النص المسرحي بين الترجمة والاقتباس والإعداد والتأليف لأبوالحسن سلام ص 81 – ط2/1993
13) نـــفـــســـه : ص – 61
14) المسرح المغـربي المعاصر- ص 103
15) نـــفـــســـه : ص –117
16) نـــفـــســـه : ص – 123
17) نـــفـــســـه : ص – 130
18) نقد النّقد بين التصورالمنهجي والإنجاز النّصي: لعبد الرحمن التّمارة – ص16 /ط1/2017 كنوز المعرفة- الأردن
19) سحر الموضوع : لحميد لحمداني – ص7- ط/2/2014 مطبعة آنفو- برانت، فاس/ المغرب
20) المسرح المغربي المعاصر[قراءات في العَـرض والنص والنقد ] ص – 173