أکثر من إجابة خلف عباءة الولي الفقيه
حسين عابديني
لن المرء يتفاجأ إذا ما کان الولي الفقيه، خلال خطبه التي يلقيها في مناسبات مهمة بالنسبة للشعب الإيراني مثل عيد النوروز، أن يشن هجمات عنيفة على الولايات المتحدة الامريکية وإسرائيل، ويستخدم مصطلح “الشيطان الأکبر”، إذ أن ذلك أصبح بمثابة تقليد وروتين إعلامي، يحرص عليه خامنئي بانتظام. ولکن المرء يتفاجأ، بل وحتى يصاب بالدهشة، فيما لو لم يحدث ترديد هکذا هجمات على الولايات المتحدة وإسرائيل، ولم يتم استخدام مصطلح “الشيطان الأکبر”، کما حدث في مناسبة عيد النوروز التي جرت قبل أيام، وهو لفت الأنظار کثيرا خصوصا وإن خروج شخص الولي نفسه وفي هکذا مناسبة على هکذا تقليد صار يعتبر من ضمن المسائل السياسية ـ الفکرية التي يجري إيلاؤها أهمية واعتبارا خاصين.
أحيانا تحتوي الکثير من الألغاز والأحاجي في داخلها على الإجابات، ولاريب أن خامنئي عندما قال في خطبته هذه: “مشكلاتنا ليست قليلة، ولدينا مشكلات متنوعة في المجال الثقافي والسياسي، لكن القضية الأساسية والمحورية لهذا العام أيضا هي الاقتصاد”. وکما يقول المثل؛ الشئ بالشئ يذکر، فإننا وعندما نتذکر بأن خامنئي کان قد وعد في مراسيم تنصيب ابراهيم رئيسي بأن حکومة الأخير سوف تحل کافة المشاکل وعلى رأسها الاقتصادية، ولکن لم يحدث شئ من ذلك، بل وحتى إن الأوضاع زادت سوءا، ولاسيما بعد أن وصلت محادثات فيينا إلى طريق مسدود، وانهارت أحلام النظام بفك عزلته الدولية وإنعاش اقتصاده المتدهور، ولذلك فإن خامنئي الذي يعتبر بحکم سلطته المطلقة هو صاحب القرار الفصل، عندما يتحاشى عن قصد التهجم على أمريکا وإسرائيل ولايستخدم مصطلح “الشيطان الأکبر”، ويرکز على الاقتصاد، مؤکدا بأن “قضيتنا الرئيسية في 1402 هي أيضا قضية الاقتصاد”، فإنه يعطي انطباعا وفهما واضحا لاستدارة النظام باِتجاه السعودية وبلدان المنطقة، وکذلك في سعيه من أجل إحياء المحادثات النووية!
إن الرغبة في إحياء المحادثات النووية، لم تتم باِجتهاد، أو بناءا على مقترح من قبل رئيسي أو وزير خارجيته، لأن المسائل التي تمس الخط والمسار الفکري للنظام، وخصوصا تلك التي لها علاقة بـ”الشيطان الأکبر” لا يمکن لها أن تتم إلا بمبارکة وضوْءٍ أخضر من جانب الولي الفقيه، ولاسيما وأن الخميني کان قد حذر من تحسين العلاقات مع الولايات المتحدة، وقال عبارته المشهورة بأن”اليد التي تمتد من إيران لمصافحة أمريکا تقطع”!
غير أننا وعندما نعلم بأن هذا التطور غير العادي في مواقف النظام تجاه محورين يحرص على توظيفهما لمواجهاته العقائدية، قد جاء بعد انتفاضة سبتمبر 2022، وليس قبلها، وهو ما يبين بأن هذه الانتفاضة لم تمر على النظام بسلام کما يوحي قادة النظام ووسائل إعلامه ويکررون ذلك بصورة ملفتة للنظر.
هذا التغيير الملفت للنظر والذي حدث، من دون أي شك من خلف عباءة الولي الفقيه، يؤکد بأن الأوضاع المختلفة بعد هذه الانتفاضة قد أصبحت متدهورة جدا وباتت تنذر بالخطر على النظام، ويبدو أن هذا الخطر کبير جدا إلى الحد الذي لم يعد فيه من مجال للنظام لمعالجته إلا بالدوس على الخطوط الحمر للنظام!