في ظل غياب التوافق .. الرئاسة اللبنانية في خبر كان
أحمد مطر
لا رئاسة في الأفق، ما دام اهل السياسة في لبنان يقفون على رصيف انتظار ما ستحمله المعطيات الآتية من الخارج، لأنهم أفرطوا في الاتكال على الوصفات من وراء الحدود. جاء وزير خارجية ايران ورحل وشيء لم يتغير، حضر وفد فرنسي وغادر ولم يتزحزح الملف الرئاسي قيد أنملة،عاد السفير السعودي الى بيروت والكل يرصد ما في جعبته رئاسيا، والنتيجة واحدة لا رئيس مع دخول البلاد الشهر السادس على الشغور فيما الحكومة تتحيّن الفرصة لانعقادها تحت وطأة ازمة قاتلة اجتماعيا او صحيا او اقتصاديا. اما مجلس النواب فحقق رقما قياسيا في البطالة. كل ذلك يحصل على وقع تنامي موجة التحذير من خطر النزوح السوري وسط توقعات بتلاشي مفعول الهبّة السياسية والإعلامية لهذا الملف قريباً، واثر تحقيق السلطة المتآكلة هدفها الابعد من اثارته .
يبقى الملف الرئاسي في دائرة المراوحة القاتلة، دون بروز أي معطيات من شأنها أن تغيّر في طبيعة هذا المشهد المفتوح على كل الاحتمالات، بانتظار ما ستفضي إليه الجهود العربية والدولية التي تبذل في أكثر من اتجاه، لإحداث خرق في الجدار الرئاسي المسدود حتى الآن. وقد شهدت الاتصالات، حراكاً داخلياً بحثاً عن مخارج لسد الهوة القائمة بين المكونات السياسية والنيابية من الانتخابات الرئاسية. حيث كان البارز على هذا الصعيد،مبادرة الياس ابو صعب وغسان سكاف ، في ظل معلومات لم يتم التأكد منها، عن وجود وفد قطري في لبنان، على صلة بالجهود التي تبذلها الدوحة لحل الأزمة الرئاسية، بالاضافة الى ما قام به السفير السعودي وليد بخاري، على صعيد استكمال جهود بلاده من أجل تهيئة المناخات لانتخاب رئيس جديد للجمهورية .
وقد جاءت زيارة نائب رئيس مجلس النواب إلياس بو صعب, البطريرك بشارة الراعي، في بكركي، في إطار وساطة يقوم بها من موقعه الرسمي، لإنهاء الشغور الرئاسي، حيث لمس بو صعب كما قال، امتعاضاً من البطريرك حول الظرف الذي وصلنا إليه، فالمسؤولون الذين تعاطوا بهذا الملف لم يبدوا اهتماماً لعامل الوقت وهذا ما أزعجه. وهو ما أكدته أوساط بكركي مشددة على أن هناك استخفافاً خطيراً من جانب عدد كبير من النواب، بمقام رئاسة الجمهورية بعدم اكتمال نصاب جلسات الانتخاب التي ينص عليها الدستور. وقالت، الدستور يقول بانتخاب رئيس الجمهورية، وليس التوافق بين الكتل النيابية على انتخابه. المطلوب الاحتكام إلى ما يقوله الدستور ونقطة على السطر .
وفي ما اعتبر رد على رئيس مجلس النواب نبيه بري، أكدت مصادر قريبة من البطريركية المارونية أنه ليس صحيحاً أن الأزمة الرئاسية هي مسيحية بامتياز إنما هي وطنية ومسؤولية الجميع وثمة أفرقاء يعرقلون انتخاب رئيس، في إشارة إلى النواب الذين يعطّلون نصاب جلسات الانتخاب، بهدف الضغط للتوافق على أحد المرشحين لرئاسة الجمهورية .
وأكدت المصادر، أن لا فيتو على أحد وحتّى على رئيس تيار المردة سليمان فرنجية وعندما تحدث الراعي عن مواصفات الرئيس بأنه يجب أن يكون فوق كل الأحزاب قصد بذلك أنه وإن كان حزبياً عليه أن ينسى حزبه عندما يصبح رئيساً ويتصرف كرئيس لجميع اللبنانيّين، وهذا الأمر يفترض بكل النواب أن يؤمّنوا نصاب الجلسات، وليختر المجلس النيابي من بين المرشحين من يراه الأفضل لمنصب رئيس الجمهورية لأنه من غير المقبول بقاء الشغور في الموقع المسيحي الأول في الدولة، مع ما يشكّله ذلك من اهتزاز للصيغة اللبنانية القائمة على مبدأ توازن السلطات .
ولا تخفي الأوساط المسيحية، أن هناك استياء من طريقة تعاطي الإدارة الفرنسية في الملف الرئاسي الذي لا يزال يراوح، حيث أن العلاقات بين عدد من الأحزاب المسيحية المعارضة لانتخاب مرشح حزب الله سليمان فرنجية تمر في مرحلة حرجة، وهو ما عبّر عنه عدد من مسؤولي هذه الأحزاب الذين وجهوا انتقادات عنيفة للأسلوب الذي تدير فيه باريس الملف الرئاسي، وسط تساؤلات من جانب هؤلاء، عن الغاية من إصرار مسيحيي إدارة الرئيس الفرنسي على دعم مرشح حزب الله. وبالتالي هل أن مصلحة باريس، في التحالف مع الحزب وإيران، في مواجهة مسيحيي لبنان؟
ورغم نفي حزب الله المستمر في دعم حليفه فرنجية للرئاسة الأولى، أن يكون في وارد إعادة الاتصالات مع التيار الوطني الحر، أملاً في الحصول على دعمه لانتخاب رئيس المردة، أو على الأقل الطلب إليه تأمين نصاب جلسة الانتخاب، في حال الدعوة إليها من جانب رئيس مجلس النواب نبيه بري، إلا أن هناك من يقول بأن الأمور قد تذهب في هذا الاتجاه، في حال برزت مؤشرات من شأنها تعزيز حظوظ فرنجية، وإن كانت المعطيات حتى الآن لا تصب في مصلحته، بالنظر إلى أن المكونات المسيحية الأساسية ترفض انتخاب رئيس تيار المردة، وهي أعلنت أكثر من مرة أنها لن تؤمن نصاب الجلسة الانتخابية. وهذا ما تم إبلاغه إلى الجانب الفرنسي، توازياً مع رفض سعودي واضح لدعم رئيس للجمهورية، غير مقبول من داخل بيئته .
ختاما امام هذه التطورات يبقى الملف الرئاسي معلقاً إلى أمد غير منظور، لكن هناك من يشيرإلى غياب الادارة الأميركية عن البحث أو الاهتمام بهذا الملف، حيث تشكل الكلمة الأميركية مفصلاً في هذا المسار فحتى الآن لم تقل واشنطن كلمتها الأخيرة، وهي تركز على العقوبات كمؤشر لموقفها من الوضع اللبناني عامة. وإلى أن تنضج المواقف وتتحدد الاتجاهات يبقى لبنان اسير الرهانات المتناقضة والانهيار والفراغ وحكم الامر الواقع .