السعودية وإعادة إشكالية الرئاسة إلى الداخل اللبناني…
أحمد مطر
فيما تظل المراوحة المشهد الرئاسي، على أهمية الحراك الدبلوماسي الدائر، وما يتخلله من حركة السفير السعودي وليد بخاري على القيادات السياسية، إلا أن الأنظار عادت لتسلط إلى الجنوب، تزامناً مع الاعتداءات الإسرائيلية على قطاع غزة، وسط مخاوف من إقدام منظمات فلسطينية على إعادة تحريك جبهة الجنوب، وإطلاق صواريخ باتجاه الأراضي المحتلة.
وباعتبار أن الأمور مرشحة للتصعيد في أي وقت، فقد حذرت أوساط معارضة، من العودة إلى استخدام لبنان صندوق بريد بين إيران وإسرائيل، في ظل محاولات لم تعد خافية على أحد لربط الساحات المقاومة، على حساب مصالح لبنان وشعبه، وخدمة لمصالح إقليمية. وهذا ما ظهر بوضوح من خلال زيارة وزير خارجية إيران حسين أمير عبد اللهيان، إلى ما أطلقه رئيس المكتب السياسي لحماس إسماعيل هنية في زياراته المتكررة إلى بيروت، من تصريحات على حساب سيادة لبنان وسلامة أراضيه، والتي أثارت الكثير من المواقف الرافضة. لكن رغم الأجواء الحذرة المسيطرة، إلا أن العديد من الخبراء والمحللين، لا يتوقعون خروج الأمور عن السيطرة، لأن لا أحد له مصلحة في توتير الوضع الميداني، وأخذ الأمور إلى جولات عنف جديدة .
وتوازياً مع حالة الترقب السائدة ، يبقى الملف الرئاسي محور نشاط سياسي ودبلوماسي في أكثر من اتجاه سعياً للخروج من مأزق الشغور الذي دخل شهره السابع، دون بروز مؤشرات توحي بإمكانية حصول توافق بين المكونات السياسية على شخصية رئيس الجمهورية الجديد. إذ أن الثنائي على موقفه من دعم سليمان فرنجية، لا بل أنه أكثر إصراراً على هذا الخيار، بعد عودة سوريا إلى الجامعة العربية، وهو ما أشار إليه نائب الأمين العام لحزب الله الشيخ نعيم قاسم. لكن هذا الكلام لم يمر مرور الكرام عند القوى المعارضة التي اعتبرت أنه يزيد الملف الرئاسي تعقيداً، بإصرار الحزب على حليفه فرنجية غير المقبول من المكونات المسيحية الأساسية. فكيف والحال هذه، أن يصار إلى انتخابه رئيساً للجمهورية.
وتشير أوساط متابعة للانتخابات الرئاسية، إلى أن تأكيد رئيس مجلس النواب نبيه بري، أنه يجب انجاز انتخابات رئاسة الجمهورية كحدّ أقصى في الخامس عشر من حزيران، على أنه بمثابة حث للفرقاء الداخليين من أجل إنجاز التوافق المطلوب لإخراج البلد من المأزق، بعدما أدرك أن المناخات الإقليمية والدولية باتت مؤاتية لتسهيل حصول الانتخابات الرئاسية، مشددة على أن قول بري، أمام زواره، لا نقبل ولا يجوز اختيار حاكم لمصرف لبنان من دون أن يكون لرئيس الجمهورية كلمة في هذا الأمر، تأكيد على أن لا تمديد للحاكم رياض سلامة، وأن رئيس المجلس لا يقبل بأن يتولى نائب الحاكم الأول وسيم منصوري، مهام الحاكم وكالة. الأمر الذي يستدعي الإسراع في انتخاب الرئيس الجديد، لأن ذلك يساعد على حل الكثير من الأزمات القائمة ويخفف من معاناة الشعب التي بلغت مستويات قياسية، ما عاد قادراً على تحملها.
وعلى أهمية الجهود التي تبذل لتوحيد القوى المعارضة حول مرشح رئاسي، فإن المعلومات المتوافرة تشير إلى أن هناك صعوبات تعترض طريق الذين يعملون في هذا الاتجاه، بسبب أنه لا زالت هناك تباينات كثيرة بين نواب المعارضة وزملائهم التغييرين، ما يجعل الأمور على درجة من الصعوبة، وهذا ما يدفع الفريق الممانع إلى التمسك أكثر بمرشحه فرنجية. بعدما فهم هذا الفريق أن النأي السعودي عن الاستحقاق الرئاسي وإعلان السفير بخاري، أن لا فيتو على أي اسم للرئاسة، أنه تعزيز لحظوظ رئيس المردة، وأن الرياض لا تعارض وصوله إلى الرئاسة الأولى. وإن رأت أوساط مراقبة أن الحياد السعودي، لا يعني أن المملكة لا تريد وصول رئيس إصلاحي سيادي، يعمل من أجل مصلحة اللبنانيين، ولا يضع مصالح الآخرين أولوية على ما عداها. سيما وأن للرياض تجربة مريرة مع العهد السابق في لبنان الذي أوصل العلاقات اللبنانية الخليجية إلى الحضيض، ولذلك فهي لا تريد تكرار التجربة، بوصول رئيس مؤيد لحزب الله يكمل تجربة الرئيس ميشال عون.
وبعد لقاءالسفير بخاري في اليرزة سليمان فرنجية، سيتابع السفير السعودي جولاته على القيادات السياسية والروحية، لوضعها في أجواء الموقف السعودي الذي حمَّل اللبنانيين مسؤولية اختيار رئيس جديد للجمهورية، لإخراج البلد من الأزمات التي يواجهها، فيما علم أن الفرنسيين بدأوا يشعرون بوصول مبادرتهم إلى الطريق المسدود، بدليل بروز استياء ماروني من دور الإدارة الفرنسية في الاستحقاق الرئاسي، من خلال الترويج لصفقة فرنجية ــ نواف سلام، دون الأخذ برأي اللبنانيين، خلافاً للياقات السياسية والدبلوماسية المطلوبة في هكذا استحقاقات.
ختاماً مستقبل لبنان أصبح على المحكّ، وهو ليس بأمر جديد، فهو يطرح جدّياً أقلّه من ثلاث سنوات، أي لحظة دخول لبنان مرحلة الانهيار التام، فقد خسر لبنان ركائز أساسية لطالما شكّلت نقطة القوة في الهيكلية التي قام عليها حتى منذ ما قبل استقلاله.