مبادرة رئيس التشيلي لحل نزاع الدولة مع المابوتشي
مصطفى روض
في خطوة جد مهمة، قام رئيس دولة التشيلي، اليساري غاربييل بوريك، بتشكيل لجنة ستتفرغ لحل أخطر وأكبر نزاع بين سكان المابوتشي الأصليين وجهاز الدولة، وهو نزاع طال أمده كصراع تاريخي كان يهدد من جهة استقرار الدولة وأمنها، ومن جهة أخرى استقرار ساكنة المابوتشي جراء مصادرة حقوقها في أراضيها من مختلف النخب السياسية المتعاقبة على الحكم بما فيها حكومات يسارية، لدرجة أن الدولة وفي مواجهة الحركات النضالية و الاحتجاجية للمابوتشي، سنت قانونا اعتمدته لقمعهم وسمته بقانون الإرهاب، حتى أن كل من سمع بهدا القانون يعرف أن الأمر يتعلق بسلاح لقمع إثنية المابوتشي المضطهدة تاريخيا.
وأفادت صحف محلية أن رئيس التشيلي، بوريك، قدم، يوم الأربعاء، في قصر لامونيدا، اللجنة التي ستتكلف بتحديد مساحات الأراضي المصادرة من سكان مابوتشي الأصليين التي يمكن إعادتها، وهي مبادرة تسعى إلى إنهاء الصراع الإقليمي بين الدولة والشعوب الأصلية.
وتقع الأراضي المصادرة في إقليمي “لا أراوكانيا” و “بيوبيو”، على بعد 600 كيلومتر جنوب العاصمة التشيلية، وهي المناطق التي تعيش في ظل حالة الطوارئ المستمرة التي كانت تتيح لقوات الجيش بالتدخل وقت ما شاءت لكبح وقمع الحركات الاحتجاجية بما فيها بالطبع تلك التي كانت تخرج عن سياق السلمية لتعمد إلى حرق الغابات و الهجمات العنيفة المستمرة في الأراضي التي تطالب بها جماعات السكان الأصليين، وهو ما يحدث كذلك في المناطق المحيطة بلوس ريوس ولوس لاغوس جنوب التشيلي.
ولحظة تقديم اللجنة، أطلق عليها رئيس التشيلي اسم لجنة السلام والتفاهم، حيث أكد أن عملها “يمثل تحديا هائلا” . وأضاف معبرا: “يحذوني الأمل والاقتناع” أنه من خلال الحوار الواسع والاتفاقات سترسى الأسس لحل دائم ومستدام بين الدولة وشعب المابوتشي”، مشيرا، في نفس الوقت، إلى أن نتائج العمل “لن تكون فورية”.
وأوضحت صحف محلية أنه قبل تصريحات الرئيس، وقع القادة السياسيون من مختلف التشكيلات وثيقة أعربوا فيها عن دعمهم لعمل اللجنة المكونة من ثمانية أعضاء، والتي تضم برلمانيين موالين للحكومة والمعارضين وزعماء مزارعين وممثلي مابوتشي، والتي ستحصل على دعم مجموعات الخبراء في الأرض وحقوق الشعوب الأصلية وخرائط الأراضي.
ويتزامن إطلاق مبادرة هده اللجنة الهامة مع الاحتفال في البلاد باليوم الوطني للشعوب الأصلية، الذي تم إقراره في عام 1998.
ومما أفادته مصادر الإعلام المحلي، أنه على مر السنين، كانت هناك تدابير مختلفة لحل النزاع على الأراضي، بما في ذلك اللجان المختلفة ورد جزئي للأراضي لمجتمعات مابوتشي، لكن العنف في المنطقة لم يهدأ.
وتكمن مبادرة رئيس التشيلي في تشكيل هده اللجنة على أساس أنها تحظى بدعم جميع الأحزاب، من الحزب الشيوعي إلى الحزب الجمهوري اليميني المتطرف.
تتمثل مهمة اللجنة، التي ستعمل حتى نهاية عام 2024، في تحديد الطلب على الأرض التي أخذتها الدولة التشيلية من ساكنة المابوتشي في القرن التاسع عشر، وإنشاء آليات التعويض.
كما سيحدد المفوضون الأراضي التي سيحددونها كمياً: يمكن أن يكونوا تلك التي تحمل “سندات سماح” سلمتها الدولة التشيلية إلى حوالي 3000 من السكان الأصليين الذين اعترفوا باغتصاب أراضيهم، أو جميع تلك المطالب بها.
وكما هو معلوم فإن العنف يترجم في إقليمي “لا أراوكانيا” و”بيوبيو” إلى هجمات حرق متعمدة ضد المباني والمدارس والكنائس وآلات شركات الغابات، والتي غالبًا ما تطالب بها مجموعات الأقليات الأصلية التي تطالب باستعادة الأراضي.
وقالت السلطات في العديد من المناسبات، إن هناك أيضا أعمال عنف تقوم بها عصابات لصوص الأخشاب وتجار المخدرات.
يعود تاريخ الهجمات إلى الغرامات في التسعينيات، على الرغم من أنها زادت في السنوات الأخيرة. خلال الأسبوع الماضي فقط، تم حرق كنيسة ريفية ومنزل وحفارة، وفي منطقة لوس ريوس المجاورة، على الحدود مع “لا أراوكانيا”، أدى هجوم على مزرعة إلى حرق 13 شاحنة، وفقًا لتقارير الشرطة.
وقال الرئيس اليساري بوريك، الذي لطالما انتقد حالة الطوارئ، في بداية الشهر الجاري، إن الهجمات انخفضت بنسبة 31 في المائة خلال عام 2022، لكنه اعترف بوجود هجمات إرهابية في المنطقة اشتدت هذا العام.