لودريان والحلول الغائبة
أحمد مطر
من غير المنتظر تحقيق نتائج حاسمة للقاءات الموفد الرئاسي الفرنسي جان ايف لو دريان إلى لبنان ذلك انه بات واضحاً ان العنوان العريض لزيارته هو القيام بأوسع حركة استطلاعية لسبر الأغوار الفعلية لجميع القوى السياسية والحزبية والنيابية، قبل ان يصل إلى وضع خلاصته في تقرير سيرفعه إلى الرئيس الفرنسي والخلية الديبلوماسية في قصر الاليزيه .
وانطلاقاً من هذا المعطى وفي ظل حالة التعادل السلبي بين اطراف الداخل اللبناني وعدم قدرة أي فريق على إيصال مرشحه نتيجة عدم امتلاك أحدهما أكثرية الثلثين وقدرة كل فريق على التعطيل للنصاب ، تتواتر معلومات نقلاً عن دبلوماسيون عرب في إحدى العواصم الكبرى أن كل الأمور تصب في اتجاه واحد وهو البحث عن خيار جدي ثالث يحظى برضى واشنطن والرياض ولا يستفز طهران .
وبحسب اولئك الدبلوماسيون يعتبرون ان بوصلة الترشيح والانتخاب في اتجاه قائد الجيش العماد جوزيف عون في حال بقي المسار القائم على ما هو عليه حالياً، وسبب ترجيح كفة قائد الجيش هو موقعه المتقدّم وتأثيره على الأرض من خلال الإمساك بالجيش في أصعب فترة من تاريخ لبنان والرضى الأميركي والسعودي على أدائه وعدم ممانعة الدول الفاعلة في وصوله .
وفي هذا السياق تعتبر الدوائر المقربة من قصر الإليزيه أن ماكرون لا يتحمل نكسة جديدة في لبنان، وهو لم ينسى بعد نكسة أيلول 2020 عندما حطّ في لبنان ثم، عندما غادر، ترك وزير خارجيته آنذاك لودريان نفسه ومرت حوالي ثلاث سنوات لبنانية، حافلة بكل ما يؤلم ويقهر ويذل اللبنانيين ليغتنم ماكرون سانحة الاستحقاق الرئاسي المتعثر فيحاول أن ينتقل من الفشل في حل المأزق الحكومي إلى السعي وراء حل رئاسي كان في تقديره أنه يصوغ نسيجه بتوافق مع المملكة العربية السعودية وإيران، وبغض الطرف الأميركي، وبمباركة فاتيكانية، وبإغراء قطر بدعوى أنها هي التي تسوق للمبادرة، وبطلب تغطية معنوية من مصر. ولكنه سرعان ما استفاق على واقع مرّ: فالرياض أبت أن تكون المحدلة التي تمهد الطريق أمام الدور الفرنسي ما لم يكن منطلقاً من التفاهم مع الأطراف اللبنانية كلها، وليس طرفاً واحداً. والقاهرة أبلغت إلى من يعنيه الأمر قرب قوس النصر وبرج «إيفل» أن دور «الخماسية» يجب ألّا يتخطى اللبنانيين في خياراتهم. وقطر لها خطتها ومبادرتها الذاتية في المسألة الرئاسية. والكرسي الرسولي لا يوافق على أي خطة تستثني المسيحيين. أما واشنطن، فحساباتها مختلفة لأن الرئاسة، في تلك الحسابات، يجب أن تمر بالتوافق على قيادة الجيش وحاكمية مصرف لبنان وهي تعتبرهما أكثر أهمية من الجلوس في قصر بعبدا من دون صلاحيات ذات شأن .
.ختاماً هذا هو المنحى السائد لغاية الان، وعلى ما تقول مصادر سياسية معنية بالملف الرئاسي يؤكد بما لا يرقى اليه الشكّ، انه بات يوجِب الاعتراف وبصورة أكيدة ونهائية باستحالة الرهان على حل داخلي يكسر حلقة التعطيل، وان الامعان في سياسة النعامة وإخفاء حقيقة السبب الجوهري وأدوار مكونات الفراغ الرئاسي في تعطيل انتخاب رئيس للجمهورية، خلف الاصابع، ما هو سوى تذخير لهذه المكونات للاستمرار في هذا المنحى المتسيد على المشهد الرئاسي منذ نحو ثمانية اشهر، وتمديده أشهراً اضافية وربما الى اكثر
وإذا كانت مكونات التعطيل الرئاسي متسلحة في مضيها في هذا المنحى، بتسلّطها على واقع داخلي متراخٍ امامها، او مستسلم لها، ليس فيه من يجرؤ على أن يردعها ويحملها على تغيير هذا السلوك الذي دَفع لبنان واللبنانيين أثماناً كبرى، ويُنذر استمراره بأكلاف إضافية أشد ثقلاً وارهاقا في شتى المجالات. إلّا أن تلك المكوّنات، بحسب المصادر السياسية عينها، قد استنفدت كلّ ما لديها، وآخرها ما تَبدّى في جلسة الفشل الثاني عشر، وبالتالي هي بلغت آخر مداها وأدركت حدودها، وتِبعاً لذلك لن تستطيع ان تكمل في هذا المنحى إلى ما شاء الله .