قرى فلسطينية تحت رحمة المستوطنين اليهود
ريم ياسين
في الضفة الغربية، خلال ثلاثة أيام، قتل 15 فلسطينيا وأربع إسرائيليين واحترقت عشرات المنازل.
تجول ربيعة حجازي بين الزجاج المكسور والكنبات المتفحمة على شرفة منزلها الواقعة قرب مدينة ترمسعيا في وسط الضفة الغربية. أتى الجيران لمواساتها وهم يرددون، الحمد لله لم يكن الأولاد في غرفتهم. لم يبق في هذه الغرفة سوى سريرين أسودين.
بعد ظهر يوم الأربعاء 21 حزيران، اجتاح عده مئات من المستوطنين الإسرائيليين المسلحين وبعضهم مقنع، هذه القرية الصغيرة الواقعة في سفح مستوطنة شيلو، وحرقوا عشرات المنازل والحقول والسيارات. عند الهجوم، كانت ربيعة حجازي قريبة من المنزل مع حفيدها البالغ من العمر سبع سنوات. لدى سماعها الضجة، خرجت فرأت أمامها رجلين، كان أحدهما يحمل عصا والثاني يحمل سلاحا على الأرجح.
“قام برش شيئا على وجهي وضرب الطفل بالعصا فأخذ يصرخ فتدخلت قائلة، لا تضربه، هذا طفل. فهجم علي وضربني عدة مرات ثم ذهبوا”، هذا ما قالته السيدة الفلسطينية ذات 69 عاما والجرح بائن على جبينها تحت حجابها الأصفر. ثم قاموا بمحاصرة ممتلكاتها فاختبأت في الحمام في الخارج، البيت يحترق. وعند ذهاب المستوطنين، تخرج الجدة وحفيدها من البيت عبر مرآب موقف السيارات.
جرح ستة أشخاص خلال هذا التوغل من الرصاص حسب قول مختار البلدة لافي أديب. وقتل شاب وعمره 27 عاما من قبل شرطي إسرائيلي من وحدة مكافحة الشغب كان متواجدا مع المستوطنين.
ترمسعيا تشكل الحلقة الثالثة من السلسلة الدموية. نهار الإثنين 19 حزيران، قام الجيش الإسرائيلي بقصف جنين في الضفة الغربية. قتل سبعة فلسطينيين، من بينهم مراهقين بعمر 15 سنة وجرح 90 آخرين وثمانية جنود إسرائيليين. في اليوم التالي، نفذ فلسطينيين مسلحين هجوما على محطة وقود قريبة من ترمسعيا باتجاه مستوطنة إيلي وقتلوا أربعة إسرائيليين وجرحوا أربعة آخرين ثم تم قتلهم في المساء، قام مستوطنون إسرائيليون بحرق حقول وسيارات ومحلات في عدة قرى في الضفة الغربية وفي اليوم التالي كان دور ترمسعيا، هجم المستوطنون من عدة أماكن. يروي بلال حجازي الذي حاول الانضمام إلى ابنه ووالدته أن بعضهم كان يحمل مسدسات والبعض الآخر بنادق هجومية أم 16 الأمريكية الصنع. في كل مره كانوا يطلقون النار، كنا ننسحب. وكنا نرمي الحجارة حتى نستطيع التقدم.
منذ بدء الهجوم، أخذت مكبرات الصوت تصدع مطالبة بالمساعدة. أسرع عمر جبارة وصديق له إلى المدخل الشمالي للبلدة، بالقرب من منزل آل حجازي، وحاولوا صد المهاجمين، وهو يؤكد أنه لم يكن معهم إلا حجارة. ثم يفهما متأخرين أن هناك جنودا إسرائيليين يرافقون المستوطنين. يصاب عمر جبارة بطلقة في صدره. لقد مات بين ذراعي، يقول رفيقه فأحس بأنه ينهار. تقول الشرطة الإسرائيلية أن أحد رجال الشرطة الذي شعر أن حياته بخطر، أطلق النار وأصاب بدقة.
يؤكد الفلسطينيون أن الجنود الإسرائيليين لم يتدخلوا للدفاع عنهم بل أطلقوا النار عليهم عندما حاولوا صد الهجوم. يروي صديق عمر جبارة أن سيارة رباعية الدفع تابعة للجيش الإسرائيلي جاءت وبقيت 5 دقائق ولم تفعل شيئا ثم ذهبت. يتهم روي يلين، من المنظمة الإسرائيلية غير الحكومية بيت سلام الجيش الإسرائيلي، بحماية أمن مجموعة العصابات التي تقوم بالمذابح وهو قام بتوثيق حالات من هجوم المستوطنين بالتعاون مع الجنود. يقول الجيش أنه تدخل لتفريق الحشود وأنه يدين أعمال العنف الخطيرة.
من ناحيته، ذكر رئيس الحكومة الإسرائيلي بنيامين نتانياهو في بيان صدر نهار الأربعاء الماضي أن على جميع المواطنين للإسرائيليين إطاعة القانون. قبل ذلك بعدة ساعات، كان قد أعلن عن بناء ألف مسكن في مستوطنة إيلي، انتقاما لهجوم الثلاثاء. ويطالب مستوطنون ووزراء من اليمين المتطرف بأكثر من ذلك، فهم يريدون عملية عسكرية واسعة في شمال الضفة الغربية للقضاء على المقاومة المسلحة الفلسطينية التي تتواصل بالرغم من القمع.
حتى هذه اللحظة، يبدو أن الجيش لا يقبل بذلك. ولكن مساء الأربعاء، قتل ثلاثة فلسطينيين من بينهم قاصر بواسطة طائرة مسيرة بما يبدو أنه اغتيال مستهدف، مما يعيد إلى الواجهة وسائل لم تعد معتمدة في الضفة الغربية منذ نهاية الانتفاضة الثانية بين سنة 2000 و2005.
بالرغم مما يحدث، تتجنب الولايات المتحدة مواجهة إسرائيل وتقول باختصار أنها تدين أعمال العنف وتطالب بمحاسبة المهاجمين.
يقول مختار البلدة أنه من بين السكان الأصليين بترمسعيا، هناك 4000 يعيشون في القرية و10,000 يعيشون في الخارج وأكثرهم لديهم الجنسيتين الفلسطينية والأمريكية. يقول سعيد عبد الله غاضبا، أنا أمريكي أينما ذهبت في العالم إلا هنا. أنا أدفع ضرائبي في الولايات المتحدة، لماذا هذا البلد لا يحميني؟
يقف محمد كنعان على شرفته المتفحمة، مشيرا إلى الطابق العلوي حيث اختبأت عائلته هربا من النيران ويقول: “أريد أن تتدخل سفارتي. ليس لدي الجنسية الفلسطينية، أنا من بناما. نهار الأربعاء، أتى إلى الموقع رئيس الوزراء الفلسطيني محمد اشتيه واستوقفه أحد السكان الذي احترق منزله وقال أمام الكاميرا أن الحكومة الفلسطينية هي المسؤولة عما يحصل لنا لأنها لا تحمينا وأضاف إما أن تحمونا إما أن تعطونا السلاح.
كثير من السكان غاضبون من التعاون الأمني بين السلطة الفلسطينية وإسرائيل ومن إهمال المجتمع الدولي. يبدو الحل السلمي بدولتين الذي كان المجتمع الدولي يدافع عنه بعيد جدا عن الواقع.
حوالي 700,000 مستوطن إسرائيلي يعيشون بشكل غير شرعي في الضفة الغربية والقدس الشرقية. وقد كتبت المنظمة غير الحكومية للمحاربين القدامى الإسرائيليين وهي كسرت السكوت على “تويتر” قائلة أنه ليس هناك من فقدان للسيطرة، الهجومات يخطط لها علنيا على الإنترنت. هذه هي السياسة الإسرائيلية في الضفة الغربية. العنف ممنهج وهناك مصادرة للأملاك وتدمير. وهذا جزء من استراتيجية الاستيلاء على الأراضي الفلسطينية.
وقد وضعت منظمة بيت سلام غير الحكومية قائمة ب11ـ عمل عنف أو هو هجوم قام به مستوطنون في شهر نيسان الماضي من بينها تعدي على مزارعين وسرقة مواشي وتهديم ممتلكات.
في أواخر شهر أيار، غادر 200 بدوي قرية عين سامية الواقعة شرق ترمسعيا تاركين جزءا من أغراضهم. فهم يتعرضون منذ خمس سنوات لمضايقات وهجومات المستوطنين في الهضبات الذين كانوا يهجمون عليهم كل يوم سبت كما يقول محمد كعبنا متكلما باسم البدويين.
أما المدرسة الممولة من قبل عدة بلدان أوروبية ومنها فرنسا، فقد قررت إسرائيل هدمها لأنها غير شرعية وليس لديها رخصة بناء لأن السلطات الإسرائيلية لم تقبل إعطائها لها.
في منتصف شهر أيار الماضي، استولى مستوطن إسرائيلي على 75 خروفا، مدعيا أن الغنم خاصته قد سرقت. في اليوم التالي، التقط المستوطنون صورا لجميع قطعان الغنم التي يملكها الفلسطينيون. كان هذا بمثابة إنذار بالنسبة لهم كما يقول محمد كعبان. عليهم الذهاب قبل أن تختفي جميع القطعان. كان قد استقر مع 17 عائلة في محله أبو فلاح على بعد عدة كيلومترا من ترمسعيا.
منذ ذلك الوقت، يقوم المستوطنون بالهجوم على المزارعين الفلسطينيين الذين يأتون للاهتمام بأرضهم. تعرض جمعة وعمره 70 عاما للإعتداء مرتين خلال هذا الشهر. في جواب موجه إلى جريدة لوموند الفرنسية، يقول الجيش الإسرائيلي أنه على علم بالأحداث العنيفة في منطقة عين سامية وأنه نشر القوات.
في عام 2022، هرب فلسطينيون آخرون من منطقة رأس التين القريبة من رام الله بعد تعرضهم لهجومات من مستوطنين. يقول السيد يلين أن مجموعات كثيرة أخرى ستغادر بما يشبه الانتقال بالقوة. ويضيف أنه عندما توجد قوة محتلة لا تحمي السكان الذين يعيشون تحت الاحتلال، فإن ذلك يشكل جريمة حرب بالنسبة للقانون الدولي.
بتصرف عن “لوموند” الفرنسية