ما الحل في شغور حاكمية مصرف لبنان؟

ما الحل في شغور حاكمية مصرف لبنان؟

د.وفيق ريحان

غريب كل الغرابة عن الدولة القانونية ما يشهده لبنان في هذه المرحلة العصيبة في عملية إدارة السلطة والإنتظام العام في الدولة ومؤسساتها، حيث يسيطر تشريع الفراغ على المواقع الدستورية العليا للبلاد، وإن الشغور في سدة الرئاسة قرابة التسعة أشهر الذي ما يزال مستمراً ومتمادياً دون أدنى شعور بالمسؤولية الوطنية من قبل المسؤولين عن هذا البلد تجاه ذلك، والتمادي في تصعيد المواقف السلبية، لا ينذر بإقتراب موعد للتفاهم التوافقي على شخص رئيس للجمهورية، بالرغم من المواقف العلنية والإعلانية التي لا توحي بالثقة حتى هذه اللحظات، والتي ما زالت تنطوي على منطق المواجهة والتحدي بين القوى السياسية المتنافسة على تغليب مرشحها للرئاسة على سواه، والتشدد في فرض الشروط الضامنة للنهج السياسي لكل فريق من القوى المتنافسة على حدى، تحت ذرائع مختلفة قد لا تشكل عنصر تلاقٍ في الأمد القريب.

ويصادف في ظل ما سبق، إقتراب موعد نهاية ولاية حاكم مصرف لبنان عند نهاية الشهر الحالي، هذا المصرف ذات الطبيعة الخاصة والأوصاف الإدارية والقانونية والمالية المتميزة عن سائر المؤسسات العامة العامة للدولة اللبنانية، فما هي هذه الخصوصية التي يتمتع بها مصرف لبنان وحاكمه المركزي؟

خصوصية مصرف لبنان وشروط تعيين الحاكم

لقد أوضح قانون النقد والتسليف (المنفذ بالمرسوم رقم 13513 تاريخ 1963/8/1) ماهية مصرف لبنان بأنه شخص معنوي من أشخاص القانون العام الذي يتمتع بالإستقلال المالي، وبنظام خاص به، كما يخضع في منازعاته مع الغير لمحاكم بيروت دون سواها في جميع النزاعات (وذلك وفقاً للمادة 12 من هذا القانون).

 ويعين الحاكم لمدة ست سنوات بمرسوم يتخذ في مجلس الوزراء، بناء على إقتراح وزير المالية. كما يعين نواب الحاكم الأربعة لمدة خمس سنوات بمرسوم يتخذ في مجلس الوزراء بناء على إقتراح وزير المالية وبعد إستشاره حاكم مصرف لبنان بشأن هذا التعيين، وهم يمارسون الوظائف التي يعينها لهم الحاكم، وحيث يمكن تجديد ولاية الحاكم ونائبيه الأربعة لمرة واحدة أو لمرات عدة، وذلك دون تحديد المدة الزمنية لهذا التجديد، وهم يقسمون جميعاً أمام رئيس الجمهورية حال تعيينهم أو التجديد لهم على أن يقوموا بوظائفهم بإخلاص ودقة تحت راية إحترام القانون والشرف والأمانة (وفقاً للمادة 18) من قانون النقد والتسليف. وعلى الجميع أن يتفرغوا بكليتهم لعمل المصرف وفقاً للأصول القانونية المرعية الإجراء، دون أن يجمعوا بين وظائفهم وأية مهام أو وظائف أخرى تحد من تفرغهم لعمل المصرف، أو القيام بأي عمل مهني مأجور أو غير مأجور، وذلك بهدف الحفاظ والحرص على إستمرارية عمل هذا المرفق العام الحساس والرئيسي والمالي للإقتصاد الوطني ولقوة وثبات العملة الوطنية، لكن كيف يمكن تدارك حالات الشغور في هذه المواقع الوظيفية الحساسة؟

عندما تنتهي ولاية حاكم مصرف لبنان المحددة بست سنوات متتالية، أو ولاية نائبيه الأربعة، إما بسبب عجز صحي مثبت بحسب الأصول، أو لإستقالة مقبولة من الحكومة، أو لعدم تجديد الولاية أو الوفاة، يدفع لهم أو لورثتهم تعويض مساو لرواتبهم عن سنتين من أجل تعويضهم عن جهودهم المبذولة سابقاً، هذا بوجه عام.

 أما في حال شغور منصب الحاكم، فيتولى نائب الحاكم الأول (دون سواه) مهام الحاكم ريثما يتم تعيين حاكم جديد، وذلك (وفقاً للمادة 25) من هذا القانون، أما في حال غياب الحاكم أو تعذر وجوده (بصورة ظرفية ومؤقتة)، فيحل محله نائب الحاكم الأول، وفي حال تعذر ذلك، يحل الثاني (دون سواهما) وذلك وفقاً للشروط التي يحددها الحاكم الذي يمكنه تفويض مجمل صلاحياته الى من يحل محله (وفقاً للمادة 27) من هذا القانون.

ولا يمكن للمجلس المركزي الذي يحدد سياسة المصرف النقدية والتسليفية أن يجتمع في حال غياب الحاكم أو من ينوب عنه، ولا في ظل غياب مدير المالية العام أو مدير الإقتصاد الوطني العام بحسب (المادة 30) من هذ القانون، لذلك فإن غياب الحاكم أو نائبيه يؤثر بصورة مباشرة في إمكانية إنعقاد المجلس المركزي لمصرف لبنان أو عدم إنعقاده، مما قد يؤدي الى شلل عمل مصرف لبنان في حال حصول الفراغ في تلك المواقع الرئيسية لعمل المصرف المركزي.

مخاطر الفراغ في المواقع الرئيسية للمصرف المركزي

1- من الناحية الإدارية، في حال الإستقالة الجماعية لنواب الحكام الأربعة، فلا يمكن تعيين بدائل عنهم، لا سيما بعد نهاية ولاية الحاكم ونوابه الأربعة الذين يعينون بعد إستشارته الملزمة وهم يمارسون الوظائف التي يعينها لهم الحاكم، كما أنه يتوجب عليهم في حال التعيين أن يقسموا اليمين أمام رئيس الجمهورية حيث الشغور حتى تاريخه، وسوف يؤدي ذلك الى تعذر تعيينهم والى شلل وفراغ في إدارة المصرف. كما أنه لا يمكن لنائب الحاكم الأول رفض تولي مهام الحاكم بعد إنتهاء ولايته، لأن هذه الولاية هي على سبيل الحصر بشخصه دون سواه، وفقاً للمادة 25 من هذا القانون.

-لا يمكن للمجلس المركزي أن يجتمع لممارسة مهامه في ظل غياب الحاكم أو من ينوب عنه كما سبق بيانه، ولا في ظل غياب مديري عامين المالية العامة والإقتصاد الوطني، وفي ذلك تعطيل أكيد لعمل المجلس في حال حصوله.

2- من الناحية القانونية

– في حال عدم موافقة الحكومة الحالية على قبول إستقالة النواب الأربعة، وهذا وارد دون أدنى شك، سوف يضع هؤلاء تحت طائلة العقوبات التي تنص عليها المادة 371 من قانون العقوبات اللبناني، التي تطال كل موظف يعوق أو يؤخر تطبيق القانون أو الأنظمة، أو أي أمر صادر عن السلطة ذات الصلاحية ويعاقب بالحبس من ثلاثة أشهر الى سنتين.

-إنه في حال الإصرار على هذه الإستقالة الجماعية، فإن ذلك سوف ينال دون شك من مكانة الدولة المالية، وسوف يساهم في زعزعة الثقة في متانة نقد الدولة وسنداتها المالية، وفقاً (للمادة 319) من قانون العقوبات، كما يمكن إعتبار ذلك من قبيل سوء الأمانة التي أولاها الحاكم ووزير المالية لهؤلاء للحفاظ على المهام الموكولة إليهم،
 صوناً للمصلحة العليا للنقد الوطني وضماناً للإستقرار المالي والنقدي وذلك وفقاُ (للمادة 672) من قانون العقوبات.

3-في تصورات الخروج من الأزمة، في ظل الاوضاع الراهنة، يمكن اللجوء الى ما يلي:

أ- إمكانية التمديد لولاية الحاكم لفترة زمنية قصيرة ريثما يتم إنتخاب رئيس جديد للجمهورية وبعد موافقته على هذا التمديد.

ب- أما في حال إصراره على الإستقالة، فينبغي إلزام النائب الأول لمصرف لبنان من قبل الحكومة بتولي مهام الحاكم وفقاُ للقانون، ريثما يتم إنتخاب رئيس جديد للجمهورية، وعدم موافقة الحكومة على الإستقالة الجماعية للنواب الأربعة نظراً لخطورة آثارها السلبية.

ج- إن أفضل الحلول حرصاً على المصلحة الوطنية العليا للبلاد وعلى إستقرار الوضع النقدي للعملة الوطنية هو في المباشرة فوراً وبالسرعة اللازمة بإنتخاب رئيس جمهورية جديد للبلاد.

Visited 5 times, 1 visit(s) today
شارك الموضوع

د. وفيق ريحان

أستاذ جامعي