ترسيم المخيم..!؟
محمود القيسي
“.. هَبَّتْ رياح الخيل، والهكسوس هبُّوا، والتتَار مُقَنَّعينَ
وسافرينَ.
وخلَّدوا أَسماءهم بالرمح أَو بالمنجنيق… وسافروا…
هَبَّتْ رياحُ الخيل وانطفأَت رياحُ الخيل،
وانبثق الشعير من الشعيرْ…”.
*محمود درويش
في كتابه (شهادات على القرن الفلسطيني الأول) الصادر عام 2016، يوثق إلياس نصر الله أيام فلسطين الصعبة خلال مئة عام، مستعيدا الواقع على طريقة السرد، مستذكرا روايات عايشها أهله وهو شخصيا فيما بعد ومستخدما الذاكرة وسيلة استدلال، وناقلا وقائع تاريخية تعكس معاناة شعب اختبر الحرب والهجرة. ويقول الكاتب والصحفي الفلسطيني نصر الله إن كتابه (شهادات على القرن الفلسطيني الأول) يوثق لقصص حقيقية من الماضي إلا أنه في واقع الأمر (موجه إلى جيل الشباب الذي يشعر بالقلق عليه من المستقبل)..
يقول إلياس نصر الله في خاتمة كتابه إنه شعر بالظلم الواقع على الفلسطينيين بعد انتقاله للعيش في بريطانيا ويضيف ”إنني شاهدت كيف يعيش البريطانيون بحرية نسبية افتقدتها في وطني واصطدمت في بريطانيا المرة تلو المرة بنماذج من اليهود الصهاينة المشغولين بإسرائيل ليل نهار وبولائهم لها مهما فعلت رغم عيشهم في بحبوحة في بريطانيا ويتمتعون بحرية تامة ويخوضون غمار العمل السياسي ويترشحون لمجلس العموم ويحتلون مقاعد في مجلس اللوردات لكنهم ما زالوا يصدقون أن الله وعدهم بفلسطين وطنا لهم“.
منذ الإعلان عن وعد بلفور، بدأ الفلسطينيون رحلة طويلة ودامية، أوشكت أن تبلغ المئة عام، بحثاً عن حل للقضية التي افتعلتها بريطانيا، بالتعاون مع الحركة الصهيونية، وبمصادقة من عصبة الأمم لإقامة وطن قومي لليهود في فلسطين، على حساب وجود الفلسطينيين، وحقوقهم فيها. وبعد حربٍ قادت إلى خروج الفلسطينيين لاجئين من معظم فلسطين إلى دول الجوار عام 1948، قبلت الأمم المتحدة إسرائيل عضواً فيها من دون أن تمنح الفلسطينيين عضويةً مماثلة، استناداً لما نص عليه قرار تقسيم فلسطين الذي استندت إليه إسرائيل عند الإعلان عن تأسيسها، واستندت إليه الأمم المتحدة عند قبولها عضوية إسرائيل.
اليوم، وبعد مضيّ نحو قرن على نشأة القضية الفلسطينية، وبعدما سلك الفلسطينيون كل الطرق، وعبروا كل المعابر والمنافذ، بحثاً عن حل شامل يعيد إليهم كامل حقوقهم، أو عن حل جزئي يعيد إليهم بعض تلك الحقوق، يجد الفلسطينيون أنفسهم أنهم لا يزالون في الدوامة ذاتها، دوامة البحث عن حلٍّ عادلٍ لقضيتهم، بعضها أو كلها، ولكن من دون جدوى، على الرغم من أنهم دفعوا أثماناً باهظة، وتنازلوا كثيراً، ولم يعودوا يفارقون عتبات وأروقة ومدارج الأمم المتحدة والعواصم الكبرى من أجل الوصول إليه.
بعد توقيع اتفاقية ترسيم الحدود مع إسرائيل في أكتوبر/تشرين الأول 2022، أصبحت عمليات البحث والتنقيب عن النفط والغاز في لبنان سارية المفعول والمفعول بنا. ويلقى البحث والتنقيب عن النفط والغاز في لبنان اهتمامًا كبيرًا على المستوى العالمي.. وبينما تتحسس أعمال التنقيب عن النفط والغاز في لبنان خطواتها الأولى، بدأت إسرائيل تصدير أولى شحنات النفط من حقل كاريش المشترك على الحدود في شهر فبراير/شباط الماضي، إذ إن تل أبيب بدأت النشاط قبل الإتفاق مع بيروت الغارقة في أزماتها الوجودية.. خصوصًا عشية التنقيب ودخول خطوط الطول والعرض والطلب على الحدود البحرية بين لبنان وفلسطين المحتلة يعيدنا إلى النظرية الغربية التي تقول مقابل كل “نقطة نفط” هناك “نقطة دم“.
هل ما يجري في عاصمة الشتات الفلسطيني مخيم عين الحلوة من اغتيالات وقصف وتهجير ومحاور وترويع.. ومربعات أمنية مستجدة باسلحتها وعتادها وتذخيرها ودعمها وتسويقها بداية الانقلاب على الوجود الفلسطيني لغاية في نفس شركات التنقيب العملاقة.. أو مجرد ثمن تدفعه تلك المخيمات في لبنان كما جرت العادة أو المعادلات التاريخية وخصوصًا بعد خروج منظمة التحرير الفلسطينية من لبنان بعد الاجتياح الإسرائيلي في بداية ثمانينيات القرن المنصرم دون وجود دراسات تؤرخ لتلك المرحلة التاريخية ذو مصداقية أو أمانة مهنية وتاريخية يُعتمد عليها في الدراسات والأبحاث العلمية الموثقة.. ولم يتركوا لنا سوى الاعتماد على القلب.. وذلك أضعف الإيمان…!؟
أصغر طفل فلسطيني آو طفل لبناني يعلم علم اليقين وعين اليقين لمصلحة من نزع السلاح الفلسطيني خصوصًا.. في حين تعج وتزدحم البلد بالأسلحة المتفلتة وخصوصًا في المناسبات والأعراس والليالي الملاح.. وبعد نتائج الشهادات الرسمية والغير رسمية.. هذا ناهيك ان مساحة الأرضي اللبنانية أو بلاد الشام كلها لا تسع مدى صواريخ بعض الميليشيات اللبنانية بعيدة الأهداف والمدى بحجة تحرير الاراضي العربية المحتلة والغير محتلة.. ام المطلوب هو الاستحواذ على هذه المخيمات أو المواقع أو (التقاطعات) الإستراتيجية!؟.. ولمصلحة من؟! العدو ام الصديق!؟.. سؤال برسم الجميع دون أستثناء.. رغم ان الجواب أو الأجوبة عليه تعيدنا إلى بنود (اتفاق كاريش) الامنية واللوجستية وما أدرانا ما كاريش.. شيطان رجيم وبداية ترسيم جديد (وقائي) في البر والبحر والجو والمخيمات..!
المعنى أيها السيدات والسادة في قعر البحر.. أو في قيعان الخطوط المتقاطعة بين خط 23 وصولًا إلى 29 وما قبلها وما بعدها.. أو في بطن الحوت الذي ابتلع سيدنا يونس عليه السلام.. لله درك يا يونس… ملاحظة هامة يعرفها القاصي والداني: معظم مخيمات صيدا والجنوب تحيط بحقول النفط والغار في مناطق الترسيم المرسومة في البحر المحتل.. ناهيك عن (الطرقات) التي هي في طريقها إلى (الترسيم)..!؟ نحن أيها السيدات والسادة في مرحلة ترسيم الترسيم.. أو مرحلة التنفيذ والتنقيب والشفط والشحن والتسويق.. مرحلة توزيع الأرباح والجوائز والميداليات من ناحية.. وتوزيع البرسيم المجبول بالدم على شعوب الجغرافيا الغبية.. والتاريخ الملعون..!؟
دون ان يغيب لحظة واحدة عن بالنا ما يجري في لبنان من لف ودوران بين الطبقة السياسية الحاكمة في تعطيل معالجة (أزمات لبنان الوجودية العالقة) من أنتخاب رئيس جمهورية على مقياس وقياس البعض كما يريدونها.. بدلًا من أنتخاب وطن على مقاس شعب بأكمله.. هذا دون ذكر فشل المبادرة أو المصالح الفرنسية وذوبان نعل حذائها.. وحذاء مبعوثها الخاص لودريان.. حذائه القديم والجديد من كثر الذهاب والإياب والإقلاع والهبوط والعودة إلى نقطة – الصفر – الميكيافيلية – اللبنانية في تقاطعاتها المحلية والإقليمية والدولية التي لا تغيب عنها أحداث عاصمة الشتات الفلسطيني في عين الحلوة.. الطبقة التي لن تخرج من المولد اللبناني السياسي لا اليوم ولا غدا.. بل تعاود إنتاج نفسها على دماء الأخرين.. من الرحم الفاسد ذاته.. والخواصر الضعيفة والرخوة ذاتها.. نعم الرحم ذاته.. والأرضية ذاتها.. وجهنم اللبنانية ذاتها.. دون ان يرف لها جفن.. أو تتأثر مصالحها الداخلية والخارجية بقدرة قادر..!؟
“أَيها الشهداءُ قد كنتم على حَقَّ، لأَن البيت أَجملُ من طريقِ البيتِ, رغم خيانةِ الأَزهار، لكنَّ النوافذَ لا تُطلُّ على سماء القلب… كاللغة”.. كل (نقطة دم)، تسقط وتسيل في غير اتجاهها الصحيح.. تُعتبر باللغة العربية الفصحى {خائنة لدم الشهداء}.. والشهداء <<أغلى>> ما لدينا وأغلى ما عندنا… لا تقف في بداية الطريق إن وجدت صخرة، فهذه جزء من جسر ستبنيه يومًا لمستقبلك.. يقيسُ جنودُ الهكسوس والتتار والمغول الجدد المسافةَ بين الوجود وبين العَدَمْ بمنظار دبّابةٍ وصاروخ ومدفع.. نقيسُ المسافَةَ ما بين أَجسادنا والقذائفِ بالحاسّة السادسةْ… لا دور لي في حياتي سوى أنني، عندما علمتني تراتيلها قلتُ: هل من مزيد…؟!