حول رؤية علم الكلام الجديد للكتابة الأيديولوجية عند سيد قطب

حول رؤية علم الكلام الجديد للكتابة الأيديولوجية عند سيد قطب

أحمد بابانا العلوي

     لا شك ان متابعي صفحة الاستاذ المفكر عبد الجبار الرفاعي على مواقع التواصل الاجتماعي، لاحظوا أن مقاله الأخير حول “الكتابة الأيديولوجية” خصصه لبعض طروحات الأديب والمفكر الإسلامي (سيد قطب/1906/1966). الواردة في كتابه معالم في الطريق..

الأستاذ الرفاعي يشتغل على تأسيس مشروع فكري “لعلم الكلام الجديد” وضمن هذا الاطار تندرج المؤلفات التي أصدرها حول فلسفة الدين، نشير هنا الى بعضها : تمهيد لدراسة فلسفة الدين، علم الكلام الجديد، الدين والنزعة الإنسانية، الدين والظمأ الانطولوجي.. الخ

   أما كتابه “مقدمة في علم الكلام الجديد” يبدو فيه مهموما بوضع مشروع لعلم كلام جديد او لخريطة طريق ترسم المعالم الأساسية للكلام الجديد..

   ورغم ان الشروط التي يضعها الرفاعي للمتكلم الجديد او الاشعري الجديد تنطبق على المفكر الاديب سيد قطب فيما توحي  به من معاني جوهرية..، فالرجل في تقديري يعتبر متكلما اشعريا معاصرا في ادبياته..

   إلا أن هذا الرأي لا يوافق ما ذهب إليه الرفاعي في مقاله  الأخير حول “الكتابة الأيديولوجية” الذي يقدح في شخصية المرحوم سيد قطب ويبخس من فكره ويصفه باوخم النعوت وافظع الصور ..

   بالرغم من ان الرفاعي يشير الى كتابات سيد قطب الا انه لا  يقوم بتحليل للنصوص ليبين  لنا  مواطن  الاشكال  فيها ، وما قد تحمله  من أخطاء في المبنى والمعنى اوتوحي به من أوهام زائفة.. حسب تقديره..، بل بدل الفحص والتدقيق اكتفى الكاتب  بالإشارة الى بعض المقولات والمفاهيم الواردة في كتاب “معالم في الطريق” مثل مفهوم “الجيل القراني” (الوارد في الفصل الثاني من كتاب المعالم “جيل قراني فريد” من صفحة 14 إلى صفحة 23/طبعة دار الشروق 1988).

   الفكرة الثانية التي أشار اليها الكاتب في مقاله تتعلق بمفهوم “الجاهلية” وقد تطرق لها سيد قطب في الفصل الأول من كتاب المعالم فصل معالم في الطريق ضمن تمييزه لطبيعة المنهج القراني…

   إن ما تناوله الأستاذ الرفاعي في مقاله لم يكن نقدا منهجيا لأطروحات  سيد قطب المبثوثة في مؤلفاته التي سنذكر بعضها من اجل البيان والايضاح فيما بعد ..

   إن أصول النقد المنهجي تقوم على منهج  النظر الفاحص الذي يصحح الأسلوب  ويقوم التصورات  ويحدد الإيجابيات..،ويفصل القول حول ما يبسط من عناصر..،  ويبصر بمواطن الخطأ أو الصواب فيها..

   فلاريب بان الانحياز السياسي أو المذهبي للباحث يحول دون الوصول الى حكم موضوعي ورصين يمكن الاطمئنان اليه..، فلا بد للبحث من منهج قويم وناقد بصير حتى لا تظل السبل مختلطة والقيم متلبسة..

حول مفهوم الأيديولوجيا..

يتحدث الكاتب في مستهل مقاله عن ما يعنيه بمفهوم الايديولوجيا التي يندرج تحتها تحليله للكتابة الايديولوجية التي عنون بها مقاله.  .يقول” بان الايديولوجية نسق مغلق يغذي الذهن بمنظومة معتقدات ومفاهيم نهائية..، تعلن الحرب على كل فكرة مخالفة..                                      .
   والايديولوجي يتبنى موقفا تفسيريا مسطحا، وأحاديا يمنحه شعورا مزيفا بانه قادر على الفهم الدقيق والتحليل العميق لكل شيئ،  وان افكاره مبتكرة وفريدة..”.                                 
   أراد الكاتب  بهذه المقدمة ان يمهد بها للاحكام التي سوف يطلقها على نمط من الكتابة تاثر به في شبابه الغض..، ثم تحررمنه كما قال بعد ان ادرك انه كلام غارق في الادلجة والسطحية..، ومثل لهذه الكتابات الايديولوجية بكتابات المفكر الاديب “سيد قطب” ليس من خلال تناول مجمل كتاباته او بعضها باعتبارها نموذجا  للكتابة الايديولوجية التي ينطبق عليها التعريف الذي وضعه للايد يولوجيا ..ولكنه اكتفى فقط بالتلميح الى بعض المفاهيم الواردة في كتاب “معالم في الطريق” وهو كتاب يتضمن تصورا ايديولوجيا بمعنى الدعوة ضمن سياق تاريخي اجتماعي يمثل فيه الفكر عاملا من عوامل الصراع الجارية في العصر الذي عاش فيه الكاتب او صاحب الفكر…                                .
   كل فكر هو عقيدة والعقيدة هي ايديولوجية أي نظام من الأفكار.                            .
   الكاتب يتبنى الافكار الرائجة في عصره” القيم والاخلاق والاهداف” لتحقيق طموحات وتطلعات المجتمعات..
يرى الاستاذ العروي بان مفهوم الايديولوجيا مفهوم مزدوج (وصفي ونقدي: المستوى الاول يقف عند مطابقة الواقع والمستوى الثاني لا يرى الواقع على وجهه الصحيح..، فكلمة ايد يولوجيا  في الميدان السياسي تعني أن نكشف الواقع أو نحجبه في نفس الان.                   .
   إن كل استعمال لمفهوم الايدلوجة مرتبط بمجال وبعلة وبوظيفة ويقود حتما الى نظرية ويخلق نوعا من التفكير وهكذا نستعمل الايدلوجة في السياسة بمعنى القناع..، تخلق أحكاما وهمية، تنبع من مصلحة وتهدف إلى إنجاز عمل. .                                    أما الأدلوجة بمعنى رؤية كونية فانها تقود الى فكر يحكم على ظاهرة انسانية بالرجوع الى التاريخ.. وتستعمل الايدلوجة في معنى معرفة الظاهرات في مجال نظرية المعرفة والكائن وتتضمن احكاما حول الحق ..(يراجع العروي مفهوم الايدلوجة).

   هكذا يتضح ان التعريف الذي وضعه الرفاعي للايدلوجيا مختزل ويتسم بالتعسف ..وهذا ما سنلمسه في ما اصدره من احكام قدحية على سيد قطب وعممه على كتابات التيارات الإسلامية. .                        .
 إن معنى الايديولوجيا الذي وظفه الاستاذ الرفاعي في مقاله حول الكتابة الايديولوجية عند سيد قطب.. لا يأخذ في الاعتبار ان مفهوم الأيديولوجية له عدة معاني ودلالات حسب سياقات الخطاب ومستوياته..، ذلك ان الأيديولوجية وثيقة الصلة بواقع المجتمع ..،  من خلالها يعبر عن  هويته الشخصية  ويحدد مصالحه وأهدافه.. ونظرته الى العالم ومكانته فيه ..

   وهنا لا بد من التذكير بأن الخطاب هو كل كلام أو كتابة تعني التعبير عن فكر بواسطة قضيا مترابطة..، ويحمل وجهة نظر محددة من المتكلم أو الكاتب بغية التأثير في المتلقي..، مع ضرورة الاخذ في الاعتبار الظروف والملابسات التي تم فيها الخطاب.                                  .
   ومما يلفت النظر أن نظر الرفاعي إلى الخطاب القطبي اتسم بالمبالغة في الإدانة والتبخيس..
يقول في مقاله بان كتابات سيد قطب كانت مسرفة في الادلجة وان نصوصه مليئة بالشعارات بارعة في رسم صورة جذابة للرغبات والتمنيات والاوهام تصير كانها واقع في اوهام  وفي متخيل المراهقين.. تحضهم على استئناف حياة الصحابة ولو بالعنف.. ، ذلك المجتمع الذي صنعه الذهن وسماه “بالجيل القراني الفريد” فكان متخيل ديني تضخم خارج الزمان والمكان..( اي خارج التاريخ..) .

   ويضيف بأن قطب حاول غرس مجموعة من اعتقادات أو تصورات مغلقة اعتقد انها شرط الاسلام الصحيح الذي يحلم به..                                     .
  واعتبر أن كتابات سيد قطب ادت الى اغتراب شباب الجماعات الاسلامية عن مجتمعهم واوطانهم بل وعن العالم باسره..                              .
ويرى الرفاعي بان الجهل بالفلسفة والعلوم الانسانية ادت الى العزلة الشعورية وان اعتناق المسلم لبعض المعتقدات عزلت المسلم عن كل ما حوله….،  ولم يكن في هذه المقولات جديد سوى صياغتها بمصطلحات وشعارات مثيرة فمضمونها شائع في التراث الكلامي والفقهي اما بشكل صريح او بلغة تحريضية حادة كما في اثار ابن تيمية ومن يقلده ..                      .
وبالتالي فان مشكلة الكتاب الاسلاميين جهلهم بالتراث العقلاني وتراث الأديان الاخرى.. بالاضافة الى جهلهم بفلسفة الدين والمنطق وطرائق المناظرة.                                       .
   ويقول ايضا بانه حين يعود الى بعض فصول كتابات “سيد قطب”  يشعر بالغربة والنفور والاكتئاب ..وعندما ينعم النظر فيها يجدها سطحية تعجز عن وعي الواقع العميق فهي اقرب الى الاحلام الروماسية منها الى الفكر..، لا يقع في فتنتها الا المقهورون من بطش الاستبداد. ..                               .
   كلماته منقوعة بالدم كتبها انسان موتور من الدولة الحديثة.. ، مناهض للفلسفة ومكاسب العلوم الحديثة.. مولع بدولة صنعتها احلامه واوهامه التي اخترعت تاريخا تتنكر له وقائع الحياة في العالم الاسلامي. . .
   كان هذا الكاتب معذبا يتقن ايقاد مشاعر المعذبين ويجيد صناعة الشعارات التعبوية  المحرضة على الكراهية والعنف..لفرط سطوة.. التمنيات يخيل اليه انها تتحول الى واقع مجسد..، كتاباته واشباهها من كتابات غيره الهمت الرغبات الموهومة شعارات توقد أبناء الحرمان وتستفز كلماته عواطفهم وغضبهم على كل شيئ في مجتمعهم وتبرع في تاجيج انفعالاتهم وتفجير مكنونات عقد المظلومية والاضطهاد في حياتهم..ثم يمضي مستر سلا، ويقول بانه حين استفاق عقله وجده ممزقا افترسته أوهام وعي زائف.. غارق في أحلام رومانسية واوهام  ووعود خلاصية..بعد مراجعة نقدية لهذه الادبيات خلص الكاتب الى انها تستند الى الاشعرية كبنية اعتقادية ..ويتسيد فيها التفكير الرغبوي  لكتاب لا يفهمون الدولة الحديثة ويفهمون الواقع المعقد فهما سطحيا لا يتوغل في ديناميات التغيير الاجتماعي.. ومشكلتهم انهم يجهلون التراث الإسلامي العقلاني.. وادبياتهم تفتقر  لعمق التراث العقلي في الفلسفة والمنطق وعلم الكلام وطرائق المناظرة..ولا تنعكس فيها استدلالات الأصوليين الفقهية  ولا اثر فيها  لاستبصار العرفاء و ثراء تجاربهم الروحية..

توقف الكاتب في مقاله عند بعض المفاهيم الواردة في كتاب معالم في الطريق مثل الجيل القرآني الفريد ومفهوم الجاهلية والحاكمية ..ونظرا لما يكتنف هده المقولات والاصطلاحات  والمفاهيم من التباس وسوء فهم نتيجة عدم وصل المعنى بسياقه الدلالي والمعرفي..، سنعرض لها للتوضيح معانيها المتلبسة..

حول المفاهيم والاصطلاحات..

   يرى الكاتب ان سيد قطب دعى الى  استئناف حياة مجتمع الصحابة الذي اطلق عليه اسم ” الجيل القراني الفريد”  باعتبارهم نموذجا للاقتداء ..، وصرف النظر على ان الصحابة بوصفهم بشرا ،  اختصموا وتقاتلوا في مرحلة لا حقة..،  مما يعني ان تصويرهم بانهم كانوا جيلا فريدا انما هي صورة من نسج الخيال فرضتها التمنيات الزائفة..، من الواضح ان الكاتب لم يكن امينا في نقل فكرة المؤلف بخصوص الشخصيات النموذجية التي انبثقت عن المنهج القرآني الذي جاء به الإسلام..، بحيث ان الجهد الذي بذلته طائف مختارة من البشر قد يكون مرصودا لكثير من الأجيال القادمة..وذكر المؤلف بان هذا الجيل  رغم تفردهم ..،ظلوا ناسا من البشر لم يخرجوا عن طبيعتهم ولا عن فطرتهم ولم يكلفوا انسهم فوق طاقتهم..

   اصابوا من الطيبات كل ما كان متاحا لهم في بيئتهم وزمانهم..لقد اخطأوا واصابوا وعثروا ونهضوا واصابهم الضعف البشري كما يصيب جميع البشر..، غالبوا هذا الضعف وانتصروا عليه أحيانا..

   والمؤلف يعتبر ان معرفة هذه الحقيقة مهم لانه يعطي الثقة للأجيال من اجل إعادة المحاولة ..،كما يزيد من ثقة البشرية بنفسا وفطرتها  ومقدراتها الكامنة التي يمكن عندما يؤخذ المنهج  الصالح ان تبلغ بها الى ذلك المستوى الإنساني الرفيع..، العصبة المؤمنة  هي التي تجرب بها سنة الله في تحقيق المنهج ونفض ركام الجاهلية عن الفطرة ..”(هذا الدين /ص 41).

   لا بد لهذه الطليعة التي تعزم هذه العزمة  من معالم في الطريق.. تعرف منها طبيعة دورها وحقيقة وظيفتها وصلب غايتها.. (معالم في الطريق /ص12).

   وما زال هذا المنهج قادرا على ان يبعث  بهذه النماذج كلما بذلت جهود جادة لتطبيقه و تحكيمه في الحياة  البشرية ..

   أشار الكاتب الى ما جاء في كتاب “معالم في الطريق”  حول مفهومي ” الجاهلية” و”الحاكمية”..

   بخصوص المفاهيم  اجمل  ما سبق  ان بسطته في كتابي “فصول في الفكر والسياسة والاجتماع”..

   “إن اللغة أداة لنقل الفكر.. ، ولهذا اولتها الدراسات اللسانيات الحديثة أهمية قصوى تا سيسا على ان للغة بنية  معرفية ومن ثم كانت هناك حقول معرفية متنوعة .. ، ويتالف كل حقل من هذه الحقول من مجموعة من المفاهيم التي ترتبط بعلاقات معينة تؤدي الى تماسك أجزاء النسق المعرفي..، ومن هنا فان تحليل اية بنية معرفية يرتكز على ثلاثة عناصر أساسية وهي المفاهيم والعلاقات التي تؤلف من المفاهيم حقلا والعلاقات التي تشكل من الحقول نسقا..، والمفاهيم تاتي من البناء الفكري لاي نسق معرفي..

   إن المفهوم معناه مجموع الصفات والخصائص التي تحدد الموضوعات التي  ينطبق عليها  اللفظ و تكفي لتمييزها عن  الموضوعات الأخرى..، ومن ثم تاتي أهمية المفاهيم كضرورة منهجية معرفية، لان المفهوم ينطوي على معاني معرفية تسهم في إيضاح المصطلح وبيان  معناه في كل مجال من المجالات..، لان المعنى يعد احدى الركائز الأساسية.. وانما نحلل تلك المفاهيم ونناقشها  لا لنتوصل الى دقة التعبير فحسب بل الى نجاعة العمل المشروطة بتلك الدقة..

   ويرى الأستاذ العروي بهذا الصدد (مفهوم الحرية): باننا نحرص في البدء بوصف الواقع المجتمعي آخذين المفاهيم اولا كشعارات تحدد الأهداف وتنير مسار النشاط القومي.. وانطلاقا من تلك الشعارات نتوخى الوصول الى مفاهيم معقولة نلتمس من خلالها  وصف الواقع الراهن..

   والخلاصة ان البحث في المفهوم  تندرج ضمن  القاعدة التي تقول بان التاويل هو  اخراج دلالة اللفظ من الدلالة الحقيقية الى الدلالة المجازية..، ومن ثم يجب التعامل مع المفهوم انطلاقا من الجذور اللغوية ووروده  في الأصول (القران والسنة). فيعرض الباحث للمعاني والدلالات  المختلفة للفظ ..

   إذن ضمن هذا السياق كان يجب على الكاتب ان يتناول بالتحليل المفاهيم الواردة في كتاب المعالم مع ربطها بسياقها حتى يتضح المعنى الدلالي الذي ضمنه المؤلف لخطابه لان عدم وضوح المفهوم يؤدي الى بلبلة في الافهام ويفضي الى القلق الدلالي أو قلق العبارة كما سماه ” ابن رشد”..مما جعل كثيرا من المعارك الوهمية تنشأ حول المفهوم و تدور حوله ..

   من أجل تجنب سوء الفهم والاختزال المتعسف الذي تناول به الرفاعي ( الكتابة الأيديولوجية) فسوف نعرض للطريقة المنهجية الني يمكن للباحث ان  يتناول بها المفاهيم ..

   فهناك اسلوبان الأول ينظر الى المفهوم باعتباره اصوليا ومن ثم السعي الى تاصيله من خلال تتبع دلالة جذره اللغوي..اما المقاربة الثانية فتعتبر ان المفهوم فكري ،  من انتاج رؤية  وتصور فكري..

   ضمن هذا الاطار سنعرض لمفهومي ” الجاهلية” و’الحاكمية” وقد أشار اليهما  الكاتب في مقاله قاصدا اخراج اللفظ عن سياقه  لاعطاء فهم مغاير لقصد المؤلف في كتبه العديدة التي بسط فيها رؤيته لمقومات التصور الإسلامي..، فالعبارات تصبح موهمة اذا اخذت معزولة عن مجمل فكرمؤلفها..

   إذا رجعنا الى الأصل اللغوي للفظ ” جهل ومشتقاته سوف نجد ان معنى جهل في لسان العرب يعني “نقيض العلم” والكمال بدل النقص والقدرة بدل الضعف  والحكمة بدل الهوى والاستهجال الحمل على الجهل..

   وورد في القران (يحسبهم الجاهل اغنياء..) أي الجهل بحالهم.. الذي لا يعرف .. وبالتالي الحكم بظاهر الحال لا بحقيقة واقع الحال..

   ومصطلح الجاهلية في لسان العرب يعني زمن الفترة ولا اسلام  أي الحقبة التي خلت من وجود الشريعة الإلهية ..، المتسمة بالشرك والوثنية في منظومتها القيمية ونسقها الفكري وهي النقيض للاسلام..

   وقد وردت كلمة “جاهلية” في القرآن الكريم اربع مرات ( ظن الجاهلية ،حكم الجاهلية ،تبرج الجاهلية، حمية الجاهلية.) .ودلالة الفاظ واقترانها بمصطلح “الجاهلية” يعني انها حملت وصف  المجتمع الجاهلي باعتباره نظام كامل بخصائصه وتصوراته الخاصة المناقضة للاسلام..

   فالظن يعني الاعتقاد والحكم يعني الأعراف والقوانين التي يحتكم اليها  والتبرج يشير الى الجانب الخلقي والحمية تشير الى  الطبيعة العقلية للجاهلية والعصبية التي تحكم الروابط الاجتماعية ..

   فهذه الفاظ التي ذكر فيها  لفظ الجاهلية مقرونا بخصائص الجاهلية العقدية والقانونية والخلقية والاجتماعية انما  من باب التأكيد على ان ” الجاهلية” نظام مكتمل الأركان..

   ومن ثم فان الاحتكام الى النظم والاعتقادات التي سادت في الجاهلية الأولى،  هي التي استمد منها العلامة ” المودودي (1906/1979)” مفهوم ” الحاكمية” فهذا الربط بين “الجاهلية ” و”الحاكمية” كصيغ مجازية نظرية يجب فهمه في اطار ملا بساته..مع التمييز بين الابداع والاجتهاد المحكوم بقدرات المجتهدين ومواقفهم الفكرية وزمانهم..

   يرى الأستاذ محمد عمارة (1931/20020) في كتابه ” أبو الاعى المودودي والصحوة الإسلامية”(2011).بان المودودي انفرد عمن سبقه من المفكرين الإسلاميين بوصف واقع المسلمين ب”الجاهلية” وارجع هذه الجاهلية الى رافدين: جاهلية الوافد الغربي الذي حملته الينا الحضارة الغربية في ركاب الاستعمار الحديث وجاهلية موروثة في تراث المجتمعات الإسلامية وتاريخهم .. هذه الإضافة النظرية اثارت ولا تزال تثير الجدل الشديد حول مفهومي الجاهلية  و الحاكمية ، عند المودودي وسيد قطب..   

   إن الأصل اللغوي لمفهوم “الحاكمية” يرجع الى لفظ الحكم ومعناه المنع للإصلاح : “حكمه منعه وحماه”..

والحكم أيضا العلم والفقه ، والحكم بالشيئ ان تقضي بما تضمنه.. و الزام الغير به ..

والحكمة إصابة الحق بالعلم والعقل.. ومعرفة الأشياء والوصول الى غاياتها واسرارها..

و مادة الحكم من الاحكام أي الاتقان، والمحكم الغير المنسوخ ، والحاكم الذي يحكم بين الناس..

   وخلاصة المعنى اللغوي لمادة ( ح. ك. م.) ان الحكم ما كان القصد منه منع الفساد بغية الإصلاح..ومن ثم لا بد  ان يتم بالاتقان وان يؤسس على الحكمة وهي إصابة الحق..( الجمع بين العلم والعمل والقضاء بالعدل..).

   جاء في تفسير المنار”للشيخ رشيد رضا” تفسير(ان الله يحكم مايريد..) ” يقضي في خلقه ما يشاء من تحليل وتحريم وايجاب ما شاء ايجابه عليهم  ( ان الحكم الا لله امر الا تعبدوا الا إياه..).

   وقد وردت كلمة حكم ومشتقاتها  في القرآن(86) مرة  وكلمة حكمة (20)مرة.. والحكم بالمعنى السياسي أي وجود سلطة تلزم المتقاضين جاءت في سورة النساء (.. واذا حكمتم بين الناس ان تحكموا بالعدل).

مفهوم  “الجاهلية ” والحاكمية” عند المودودي وسيد قطب.

   إن مفهوم الجاهلية والحاكمية عند كل من “المودودي” و”سيد قطب” ورد  في مؤلفاتهم بتفصيل  وبصيغ عديدة..، وبالتالي لفهم المعنى الدلالي لهذا المفهوم لا بد من الرجوع الى كتبهم الأساسية (بالنسبة للمودودي اشير الى كتاب “المصطلحات الأربعة في القرآن” وكتاب” مبادئ الإسلام” وكتاب “موجز تاريخ تجديد الدين واحيائه”  وكتاب نظرية الإسلام السياسية ” ..،  بالنسبة لسيد قطب يمكن الرجوع الى “تفسير الظلال” الذي اخرج منه كتاب “معالم في الطريق” ثم هناك كتاب ” العدالة الاجتماعية في الإسلام” وكتاب هذا الدين والمستقبل لهذا الدين” وكتاب خصائص التصور الإسلامي ومقوماته” وكتاب الإسلام ومشكلات الحضارة” ونحو مجتمع إسلامي” وكتاب السلام العالمي و الإسلام”). بالرجوع لهذه الكتب يمكن للباحث  ان يصل الى تحديد المعاني المفهومية او النظرية التي صاغوا بها خطاباتهم ..، و من الخطأ الفادح اختزال المعنى الإجمالي  بالاحالة الى فقرة من فصل  في كتاب ( كما فعل الرفاعي في مقاله..) للتدليل على  قصد المؤلف من خطابه..،  في حين اننا أمام خطاب  يتداخل فيه ” الدين بالسياسة”..، وككل خطاب تتقاطع  ضمنه اشكال وصور كثيرة لصيغ التعبير وإرادة التغيير..، والخطاب لا ينشأ في فراغ بل للواقع تاثير علي توجيهه..

   الخطاب يخدم  وظيفة اجتماعية..، فمنظومة المقولات  والمفاهيم لا تقف عند مجرد كونها هياكل او تجريدات فكرية..بل تتعداها الى صلب الممارسة العلمية والتجسيد التطبيقي كضابط ومعيار ووجهة عمل  اكثر من كونها شروط سجال..( انظر محمد حافظ دياب ” سيد قطب الخطاب و الايد يولوجيا/ص130).

   نعود اذن الى تبلور مفهوم ( الجاهلية  والحاكمية.) عند المودودي وسيد قطب..

   إن الفكر الحركي يمزج بين النظر المنضبط والعبارات المجازية والمصطلحات العلمية وشاع ذلك في صياغة النظريات في الخطاب الإسلامي المتمحور حول ثنائية العقيدة والسياسة..

   وحتى نتجنب الوقوع  فريسة سوء الفهم ..، يجب ان نقف  عند المعاني الحقيقية من وراء المقولات والمفاهيم وذلك من خلال الرجوع الى النصوص التي صيغت فيها  من اجل التدليل على معنى او مرمى  اوالقصد  الذي  يسعى صاحب الخطاب الى اقناع المتلقي به ..

   يتحدث المودودي في كتاب “تجديد الدين واحيائه” فصل ” النزاع التاريخي بين الإسلام والجاهلية”: على ان يبحث في حقيقة التجديد ونوعيته ان يحيط خبرا بما جرى في التاريخ من النزاع الفكري بين الإسلام والجاهلية. ذلك ان التجديد في حقيقته عبارة عن تطهير الإسلام من ادناس الجاهلية.. حتى يشرق كالشمس ليس دونها  غمام. . المرء لا يمكنه ان يعرف حقيقة التجديد او ان يتناول اعمال المجددين بالنقد مادام لم تتضح له امر هاتين القوتين المتصارعين .. وما يجري بينهما من نزاع..

   ثم يقول بانه من البديهي ان النظام الذي يقرر للحياة الإنسانية لا بد ان يكون مبتدأه مسائل الالهيات ..

   فلا يمكن ان يوضع لحياة الانسان منهاج ما لم يحصل تصور واضح معين للإنسان وللكون الذي يعيش فيه.. وهذا يطرح السؤال عن  النظام الملائم للإنسان وللحياة الإنسانية (سواء تعلق الامر بسلوك الافراد وعلاقات الجماعة وما تحتكم اليه في تدبير شؤونها..  وعلى هذا التصور تقوم المدنية او الحضارة الإنسانية.. ويرى ان البشر اصطنعوا مذاهب وفلسفات لتدبير شؤونهم في هذه الحياة ..وقد تمايزت اختياراتهم في المسائل الرئيسية الاصلية .. وخلص الى ان  الانسان في  هذا الكون وفقا للمبادئ والأصول لا يمكن ان يوضع بشانه الا اربع نظريات متباينة.. وكل ما يوجد اليوم في العالم من نظم الحياة لم تختر الا احدى تلك  النظريات.. وهي (الجاهلية المحضة  وجاهلية الشرك وجاهلية الرهبانية والإسلام): الجاهلية الأولى  تنكر وجود اله مدبر لهذا الكون العريض واللامتناهي والانسان رغم انه مجرد ذرة سابحة فانه يدبر مصيره بنفسه من دون حاجة الى هداية قوة عليا وراء هذا الوجود..

   أما الجاهلية الثانية فتعتقد  بتعدد الالهة في الكون وكل فريق يدين بالاله الذي يوافق اهواءهم ونزعاتهم واوهامهم فيعبدون الملائكة  او الجن او الأرواح او الكواكب او افراد من البشر احياء او اموات.. وقد يعكفون على عبادة اصنام وتماثيل .. يتوسلون اليها و يطلبون منها المدد..

   الجاهلية الثالثة الرهبانية وهي التي تعتقد في النزعات الروحية وان خلاص الأرواح في تطهرها من دنس الجسد وملذاته ورغباته وذلك با ضعاف نوازع الجسد بالاعراض عن جميع الملذات وترويض الجسم على تحمل المشاق  حتى يضعف سلطانه ليمهد للروح التحرر من قيود المادة وكوابحها فتخرج صافية من سجن الدنيا  لتعرج الى السماوات العليا..

   النظرية الرابعة في هذا المضمار هو الإسلام ..،  الدين القيم الذي يصل الانسان بخالق هذا الكون ومدبره الاحد الصمد لا شريك له ..، ومالك كل شيئ  وكل ما في الكون يخضع لحكمه ..، على الانسان ان يتمثل بمنهجه ويهتدي به..

   في نفس السياق يقول “سيد قطب” (بان الإسلام منهج حياة بشرية واقعية بكل مقوماتها.. منهج يشمل التصور الاعتقادي الذي يفسر طبيعة ” الوجود”  ويحدد مكان الانسان في هذا الوجود كم يحدد غاية وجود الانسان..، ويشمل النظم والتنظيمات الواقعية التي تنبثق من ذلك التصور الاعتقادي  وتستند اليه وتجعل له صورة واقعية متمثلة في حياة البشر من ذلك النظام الأخلاقي  والأسس التي يقوم عليها  والسلطة  التي يستمد منها النظام السياسي وشكله والنظام الاقتصادي  وفلسفته وتشكلاته..والنظام الدولي وعلاقاته وارتباطاته..” هذا الدين باعتباره منهج حياة يشتمل على تلك المقومات مترابطة غير منفصلة بعضها عن بعض..، المقومات المنظمة لشتى جوانب الحياة البشرية  والملبية لشتى حاجات ” الانسان” الحقيقية المهيمنة على شتى أوجه النشاط الإنساني..” (المستقبل لهذا الدين ص3).

   ويضيف  بان هذا الدين ليس مجرد عقيدة وجدانية منعزلة عن واقع الحياة  البشرية ان صح ان يكون هناك دينا الهيا يمكن ان يكون مجرد عقيدة منعزلة عن واقع الحياة ..،كما انه ليس مجرد شعائر تعبدية  يؤديها المؤمنون..وليس مجرد طريق الى الاخرة ..مقابل الطرق التي تعد   بتحقيق الفردوس الأرضي،   غير منهج هذا الدين وغير نظمه وتنظيماته..، لقد فشلت المحاولات لتصويره في صورة العقيدة الوجدانية المنعزلة عن واقع الحياة البشرية  والتي لا علاقة لها  بتنظيمات الحياة الواقعية وتشكلاتها وأجهزتها العملية او العقيدة التي تعد الناس بفردوس الاخرة اذا هم ادوا شعائرها دون ان يحققوا شرائعها في واقعهم ..(ص4)

   إن مفرق الطريق بين منهج الإسلام وغيره من المناهج ان الناس في نظام الحياة الإسلامي يفردون الله  بالوهية والربوبية و القوامة بكل مفهومات القوامة فيتلقون منه التصورات والقيم والموازين والأنظمة والشرائع والقوانين والتوجهات والأخلاق والاداب.. بينما هم في سائر النظم يعبدون الهة واربابا المتفرقة  يجعلون لها القوامة  من دون الله ..، ويسمي هذه النظم بانها نظما جاهلية مهما تعدت بيئاتها واشكالها وازمانها.. فهي مناقضة للاسس   التي جاء بها الإسلام.. ليحررالبشرية من عبادة العباد الى عبادة الله وحده.. بالمعنى الواسع الشامل لمفهوم العبادة ومفهوم الاله ومفهوم الرب ومفهوم الدين ..

   فهناك ارتباط وثيق  بين طبيعة  النظام الاجتماعي وطبيعة “التصور الاعتقادي” فالنظام الاجتماعي بكل خصائصه هو احد انبثاقات  التصور الاعتقادي.. وكل نظام  اجتماعي يقوم على غير هذا الأساس هو نظام غير طبيعي ..نظام  متعسف..اذ ان غاية النظام الاجتماعي  ينبغي ان تكون غاية الوجود الانساني.. ( ص12/13).

    ويضيف نحن ملزمون ويقول في كتاب هذا الدين( بان منهج هذا الدين يتم تحقيقه بجهد البشر انفسهم في حدود طاقتهم البشرية وفي حدود  الواقع المادي للحياة  الإنسانية وفي كل بيئة ..ويسير بهم الى نهاية الطريق.. لا يغفل لحظة عن فطرةالانسان وحدود طاقته وواقع حياته المادي ..

   هذا المنهج انما يتحقق  بانة تحمله جماعة من البشر تؤمن به ايمانا كاملا وتجتهد لتحقيقه وتجاهد لهذه الغاية ..(ص7).ثم يضيف نحن ملزمون لتحقيق ذلك المنهج ابتداء  لنحقق لانفسنا صفة الإسلام .. وذلك بافراد الله سبحانه  بالالوهية  وعدم اشراك احد معه في خاصية واحدة من خصائصها وأول خصائص الالوهية الحاكمية المطلقة .. التي ينشأعنها  حق التشريع وحق وضع المناهج وحق وضع  القيم التي تقوم عليها هذه الحياة.. (ص15).

   هذا المنهج لا بد له من وسط خاص يعيش فيه هذا التصور بكل قيمه بعيدا  عن الوسط الجاهلي و البيئة الجاهلية..

   في هذا الوسط الخاص يعيش المسلم بالتصور الإسلامي وبالمنهج الذي ينبثق منه فهو المنهج الذي يحرر الانسان ويمنحه الحرية الحقيقية (أي العبودية لله وحده.)وما من منهج في الأرض يحقق هذه الخاصية الا الإسلام وحده هو الذي يفرد الله بالعبادة حين  يفرده بالحاكمية وحق وضع المنهج لحياة الناس .. (ص18).

  إن الانسان إذا تفكر في ايات الله في الكون وعرف وجه النظر والاستدلال ان الله هو الحاكم الحقيقي في ملكوت السماء والأرض وعرف ما جاء به  رسله وانبياؤه من الهداية والرسالات وامن به.. اسلم وجهه لحاكمية الله واتبع شريعته على ما  اوتي من حرية في الراي وخير في الامر..، وتأسيسا على ذلك يجب ان ترتب معارف الانسان  و معلوماته عن الكون والوجود الإنساني نفسه على أسلوب اخر يختلف  اختلافا بينا عما ترتب عليه علوم الجاهلية .. فالحضارة التي ينهض الإسلام بتشييدها على قواعد من العلم والأخلاق تا تي مختلفة عن جميع الحضارات الجاهلية..( تجديد الدين واحيائه.. ص 30/31).

   فلا بد من مجددين ينهضون بهذه المهمة يكنون اقرب الى  مزاج النبوة ..يتصفون بالذهن الصافي والبصر النفاذ والشجاعة والجرأة والقوة على   التفكير المجرد والأهلية الموهوبة للقيادة والزعامة  والكفاءة على الاجتهاد ولاعمال البناء والانشاء. . ومع هذا كله يجب ان  يكون مسلما  عميق النظر والشعورو الفهم ..

   يميز بين  الإسلام والجاهلية في جزئيات الأمور وركام المعضلات التي أتت عليها القرون ..

   هذه هي الخصائص التي  لا يكون  المجدد مجددا بدون توفرها فيه .. بحسب أبو الاعلى المودودي.. (ص44).

   إن ما قصدناه من هذا الاستطراد حول  مفهوم الجاهلية والحاكمية هو إيضاح الاصطلاح وبيان معانيه وتطبيقاته في كتابات المودودي وسيد قطب ..

خاتمة .. عود على بدء..

   اشتكى بعض الباحثين من قلق عبارة مفهوم “الجاهلية والحاكمية”  الذي صاغ حوله  كل من المودودي و سيد قطب .. رؤيتهم الفكرية  التي تناولت مسائل  السياسة والأخلاق  والتاريخ.. وذلك. من خلال منهج  يطبق المفهومين في التفسير  والتحليل على واقع المجتمعات الإسلامية.. مما اثار لغطا شديدا وفي الأوساط الثقافية والفكرية..

   لقد فسر استعمال مفهوم “الجاهلية” الا انه يرمي الى تكفير المجتمع وهو امر يتنافى  مع مذاهب العلماء الذين رفضوا الحكم باالكفر على مرتكبي الكبائر فردا او جماعة .. لان الكفر هو الجحود والانكار لاصول الدين ..

   كما رفض علماء السنة  مقولة الشيعة الامامية التي تقول بان الامامة العظمى اصل من أصول الدين وانها من الفروع الفقهية .. وليست من اركان العقيدة .. فالخلاف في شانها  خلاف في الفروع  معيار الصواب الحطأ وليس الايمان والكفر.. وبالتالي فتعطيلها او تعطيل بعضها لا يصم الناس بتعطيل الأصول الدينية فامارة الاستبداد او التغلب يعتبرها الفقهاء  غير شرعية  ويدعون لمقاومتها.. وقد اثار هذا الامر جدلا كبيرا  ( هل يعتبر معصية او جاهلية ..؟).

الامام الغزالي يعتبر مسالة الامامة من الفقهيات .. والشيعة هم  أول من كتب فيها واصل لها ..

   الايجي والجرجاني يؤكدان نفس المعنى.. الجويني  امام الحرمين  يقول بان يقول بان الامامة ليست من الأصول بل هي من الفروع المتعلقة بافعال المكلفين .. ابن تيمية   ينفي  ان تكون الامامة من اركان الإسلام .. وانها من اركان الاحسان .. ويرى ابن خلدون ان الامامة من المصالح العامة المفوضة الى نظر الخلق .. ويرى محمد عمارة ان التقصير ببعض أركانها  ليس مما يستوجب  حكم الكفر.. او القول بان  افراد او جماعة انتقلت من الإسلام الى الجاهلية .. كما ان تسرب  بعض الأفكار الى الامة  في حقبة اسلامها ..  فيشوب فكر الامة الايماني بشوائب جاهلية وذلك رغم وجود التوحيد والايمان  فان الصفة الغالبة هي الإسلام وتبقى الجاهلية هي الشوائب ..

    كما ان الصراع على السلطة  السياسية لا يجوز اعتباره كما ذهب المودودي  انتكاس الى الجاهلية ..

   فالصراع على السلطة يعتبر خلاف سياسي ينظر اليه علماء السنة بانه من الفروع وليس من الأصول والاركان . . فالصحابة اختلفوا حول مناهج  إدارة  سياسة الدولة  وظلت تجمعهم عقيدة التوحيد ..

   اما فكرة الحاكمية فقد ربطها كل من المودودي وسيد قطب  بالسيادة الإلهية على الكون بشموليته اما العباد فهم معنيون بالاستخلاف أي التكليف  ومن الخطأ  ربط الحاكمية الإلهية للكون بالاستخلاف..

    استخدمت  فكرة الحاكمية من طرف بعض الحركات الإسلامية لاسقاط النظام السياسي.. و فكرة الإصلاح  لاصلاح المجتمع من الشوائب الوافدة ..

   ومن نافل القول ان عظمة الخلق  وعظمة الفكر ومضاء العزيمة هي بعض الأسباب المفهومة في تقدير عظمة الرجال في ميزان التاريخ .. ولكنها لا تغني عن احكام أخرى  انها قضاء الحق وتقدير العلم الصحيح لكبار الكتاب والمفكرين.. كلما التبس الامر بين خداع الظواهر وحقائق الاقدار.

Visited 8 times, 1 visit(s) today
شارك الموضوع

د. أحمد بابانا العلوي

كاتب وباحث مغربي