3 سنوات على انفجار المرفأ .. ملامح الوهن في بلاد الأرز

3 سنوات على انفجار المرفأ .. ملامح الوهن في بلاد الأرز

ريم ياسين

من الممكن أن يبدو صعبا أو حتى وهميا أو ساذجا الحديث عن الأمل  عند استحضار لبنان خاصة في ذكرى 4 آب الحزينة، ذكرى الانفجار المزدوج في مرفأ بيروت الذي ترك في نفس كل منا رعبا حقيقيا. مع ذلك، يتبين الأمل في هذا التحقيق، لكنه ليس أملا ظاهرا، إنما هو رذاذ من الأمل أو طيف أو دمعة.

كأنما هذا الانفجار الذي حصل نتيجة سنوات أو حتى عقود من الإهمال السياسي قد أيقظ اللبنانيين العالقين في حقارة وخداع الطبقة السياسية.  هذه المرة، لم يعد الوضع قابل للاحتمال. ما وراء القتلى والخسارات والكوارث، هنالك حياة يومية ورواية وطنية ومستقبل يجب استعادتهم. إذا لم يفعلوا ذلك بأنفسهم، فلن يستطع أحدا أن يقوم بهذه المهمة أو يكون بديلا عنهم. فالمساعدة لن تأت من الخارج، مهما كانت وعود الرئيس الفرنسي إيمانويل مكرون في 6 آب في موقع الانفجار.على الأقل، هو حضر باعثا الأمل ثم خيبة الأمل.

من وجهة نظر فرنسية، من الصعب جدا أن نفهم كيف أن بلدا غنيا ومتنوعا من الناحية الثقافية والتاريخية استطاع إنتاج طبقة سياسية حقيرة لهذه الدرجة، غير آبهة بالصالح العام والخير المشترك مثل هؤلاء السياسيين الذين لم ينفكوا عن التدخل لإعاقة التحقيق في انفجار المرفأ.

وزير الخارجية السابق الذي كان إلى جانب الرئيس الفرنسي في آب 2020، وجد الساحة السياسية والإقتصادية في لبنان في حالة تدهور أكبر مما كانت عليه منذ ثلاث سنوات. البلد بدون رئيس جمهورية منذ تسعة أشهر ومع حكومة مستقيلة وهو ممزق بين حكامه الطائفيين وغارق في أزمته الاقتصادية والمالية أكثر من أي وقت مضى، بعد انعقاد  12 جلسة في البرلمان لانتخاب رئيس جمهورية، ومنذ جلسة 14 حزيران التي شهدت التصويت على مرشحين متنافسين لم يستطع أي منهما الحصول على الأكثرية المطلوبة، فقد توقف النواب اللبنانيون عن التظاهر بأنهم يبحثون عن رئيس جديد لبلادهم.

 بالإضافة إلى المأزق السياسي، يشهد لبنان منذ 1 من آب فراغا على رأس المصرف المركزي بعد رحيل حاكمه رياض سلامة الملاحق من قبل عدة محاكم في العالم. وقريبا سيكون هناك فراغ في قيادة الجيش نهاية شهر آب. يشمل انهيار المؤسسات النظام القضائي الذي يعاني من التأثير السياسي والفساد الذي يكرس عدم المحاسبة.  المثل الصارخ على ذلك هو إعاقة التحقيق حول انفجار مرفأ بيروت في 4-8-2020.

ولكن يكفي الذهاب إلى بيروت لإدراك استحالة فك العقد الطائفية وتوازن القوى بين الأحزاب والطوائف وبنفس الوقت قوة الحياة عند المجتمع المدني، هذه القوة التي يجب ألا نتركها تنطفئ. يجب أن نساعدها ليس على البقاء فقط ولكن على التطور أكثر فأكثر، إذا كنا صحفيين أو كتاب أو مخرجين أو منتشرين أو مؤسسات أو جمعيات. لا يمكن ترك اللبنانيين ولا يجب أن تركهم لمصيرهم لأن قيمتهم أكبر من الصورة التي يعكسها حكامهم.

لبنان بعد ثلاثة سنوات من الانفجار دولة الانحطاط، فهو بدون رئيس وتحت حكم طبقة سياسية فاسدة وهناك أزمة وجود هزته بشكل عنيف وخدمات عامة منهارة، يعيش لبنان وضعا أخطر مما كان عليه بعد حصول انفجار مرفأ بيروت في 4 آب 2020 بالرغم من ديناميكية المجتمع المدني الذي يحاول التعويض عن ذلك.

تصريحات جان إيف لودريان، المبعوث الخاص للرئيس الفرنسي في لبنان، في نهاية مهمته الثانية ولدت انطباعا مخيفا من كثرة ترداد ما قيل سابقا. التقى الوزير السابق للخارجية الفرنسية القادة السياسيين الأساسيين في البلاد وأكد أمامهم ضرورة الاستعجال للخروج من المأزق السياسي والمؤسساتي، وفق بيان قصر الإليزيه. وتحدث عن”الإنفتاح البناء لجميع محاوريه اتجاه هذا النهج العملي”. اقترح عليهم في 27 تموز الاجتماع في شهر أيلول لنقاش مسألة انتخاب رئيس للجمهورية.

 يذكر أنه منذ ثلاث سنوات، في 6-8-2020، وصل الرئيس الفرنسي  إلى بيروت المنكوبة بعد الانفجار في مرفأ بيروت الذي حصد أكثر من مئاتين قتيل. التقى الرئيس الفرنسي في ذلك الوقت الرجال السياسيين اللبنانيين أنفسهم وحثهم على العمل على الإصلاحات وتغيير النظام وإيقاف الانقسام ومكافحة الفساد. واتفق معهم على لقاء في شهر أيلول  وأخذ منهم وعدا”بتشكيل حكومة مهمة مؤلفة من شخصيات كفوءة  تعمل مثل مجموعة مستقلة وتحظى بدعم جميع المكونات السياسية”، وفق ما قاله الرئيس ماكرون. مرت الأسابيع والأشهر وثلاث سنوات ولم يف هؤلاء بوعودهم.

إعاقة التحقيق، رجال سياسة غير قابلين للإزاحة، انهيار المؤسسات في الدولة اللبنانية على جميع الأصعدة، ينعكس تفككا في الخدمات العامة الأساسية في البلد. فقد أصبحت الكهرباء ترف يستطيع الأثرياء فقط دفع عبئه، بينما الأكثرية الفقيرة تكتفي ببضع ساعات في اليوم. ومنذ فترة قصيرة، أخذت المياه الجارية بالتناقص حتى في الأحياء البرجوازية في بيروت، كما تتراكم النفايات المنزلية في الشوارع.

يعود هذا المشهد الفوضوي الذي يدوم منذ سنوات إلى سببين. الأول وهو مرعب، هو الاستمرار في الحكم لطبقة سياسية مؤلفة من رجال في السبعينات من عمرهم طائفيين وغير قابلين للإزاحة بالرغم من فقدان الثقة بهم في داخل لبنان كما على الصعيد الدولي. والسبب الثاني وهو غريب، هو تقبل اللبنانيين لانعدام مسؤولية السياسيين وفسادهم كأنه قدر لا يمكن إصلاحه. فالأكثرية تبقى على قيد الحياة يوما بعد يوم بمساعدة قريب من المغتربين أحيانا. غير أن البلد يستطيع الاعتماد على ديناميكية المجتمع المدني الذي يعمل في عدة مجالات للحفاظ على لبنان خارج الجحيم وحتى لتجميله عبر كفاءاته ومواهبه.

 هذا ما يعرف بلا شك بالأعجوبة اللبنانية التي ما زالت فاعلة بالرغم من الثمن الباهظ.

بتصرف عن “ليبراسيون” الفرنسية

Visited 3 times, 1 visit(s) today
شارك الموضوع

السؤال الآن

منصة إلكترونية مستقلة