عطلة بيدرو سانشيز في المغرب والمزايدات الشعبوية

عطلة بيدرو سانشيز في المغرب والمزايدات الشعبوية

عبد السلام بنعيسي

     أثار قضاءُ رئيس وزراء إسبانيا بيدرو سانشيز جزءا من عطلته الصيفية في مدينة مراكش جدلا واعتراضا من طرف خصومه السياسيين، فلقد فسّر حزب الشعب اليميني اختيار سانشيز المغرب، كمكان لقضاء عطلته، على أنه “دليل على تطبيع العلاقات” بين البلدين، واعتبر حزب بوديموس الأمرَ، بمثابة “استفزاز” للإسبانيين. وظلت المعارضة الإسبانية، لمدة طويلة، تتهم سانشيز بمحاباة المغرب، في تأييده لمبادرة الحكم الذاتي التي تقترحها الرباط حلاًّ للأقاليم الصحراوية، ووصلت الاتهامات إلى حد اعتبار رئيس وزراء إسبانيا، يخضع لابتزاز من طرف المغرب الذي يملك، من خلال التجسس عليه، ببرنامج بيغاسوس، ملفات تدين سانشيز، الأمر الذي يُجبره على الانصياع للمغرب، تبعا للسردية اليمينية الإسبانية…  

   بيدرو سانشيز هو أولا، مواطن إسباني، قبل أن يكون رئيس وزراء، والمنطقي هو أنه، ككل مواطن، يتمتع بالحق، في قضاء عطلته في المكان الذي تشتهيه نفسه ويرتاح إليه قلبه، فحقٌّ، التنقل والتجول واختيارُ مكانِ العطل، واحدٌ من ضمن الحقوق الأولية التي تنصُّ عليها مبادئ حقوق الإنسان كما هي متعارفٌ عليها دوليا، فلماذا السعي لمصادرة هذا الحق البسيط من الرجل؟ هل يوجد، في القانون الإسباني، وفي العرف الدبلوماسي، ما يمنع رئيس وزراء دولة إسبانيا، من قضاء عطلته السنوية في المغرب؟ الجواب القطعي طبعا هو: لا، كبيرة. وإذا استحضرنا الاعتبار السياسي، فلماذا لا يقضي بيدرو سانشيز عطلته في المغرب؟ ألا يمكن أن يكون اختياره هذا، إشارةً إلى حرصه على تحصين علاقات بلده، مع دولة مجاورة لها، تجمعهما معا مصالح مشتركة، وتواجههما تحديات يتعين عليهما التعاون بينهما للتغلب عليها؟

   عندما يُوجِّهُ اليمين الإسباني لرئيس وزراء إسبانيا تهمة “تطبيع العلاقات مع المغرب”، فإن اليمين، في الواقع، يوجه الاتهام لنفسه، بكونه يريد للعلاقات بين الدولتين الجارتين أن تظل متوترة، وتبقى باستمرار في عنق الزجاجة. بموقفه هذا، يبدو اليمين في صورة القوة السياسية الرجعية التي لم تتخلص بعد من العقلية الاستعمارية البائدة، وأن لديه الحنين للتعامل مع المغرب، من منطلق التعالي والفوقية، كما كان يحدث في القرون الغابرة، إنه لا يريد للعلاقات بين الرباط ومدريد أن تكون، كما تقتضيه المتغيرات التي جرت في العالم، مبنية على الحوار والإقناع والتفاهم والتعاون في إطار طبيعي، يشعر عبره كل طرف بأن حقوقه محفوظة ومصانة. اليمين يريد أن تملي مدريد على الرباط أوامرها، وألا يملك المغرب سوى الامتثال لهذه الأوامر والرضوخ لها. على هذا الأساس، حزب الشعب الإسباني، لا يريد للعلاقات الإسبانية المغربية أن تكون طبيعية، فهل يريد تدميرها، ويسعى للإجهاز على ما حققه بيدرو سانشيز من استقرار لهذه العلاقات؟ وأين مصلحة الشعبين المغربي والإسباني في هذا الخيار اليميني الإسباني؟؟؟

   أما خرافة امتلاك المغرب لملفات سرية حصل عليها بالتجسس ببرنامج بيغاسوس على بيدرو سانشيز، فهذه الخرافة أقل ما يقال عنها، إنها نكتة بايخة. الذين يتحدثون عن وجود هذه الملفات يتعين عليهم كشفها للرأي العام الإسباني والدولي، حتى يتبين الجميع منها. وإلا فإننا نكون أمام اتهامات باطلة، في غياب الأدلة القاطعة التي تؤكدها. رئيس وزراء إسبانيا خرج للتو من حملة انتخابية شرسة جدا. لو كان خصومه الذين يسعون للإطاحة به يمتلكون ملفات سرية يدينونه بواسطتها، لما ترددوا في استعمالها ضده في الانتخابات التي جرت مؤخرا. الشعب الإسباني لم يقتنع بدوره بهذه المعزوفة، وجدّد الثقة، بشكلٍ جزئي، في الانتخابات الأخيرة، في الحزب الاشتراكي العمالي بقيادة بيدرو سانشيز الذي لا يزال في متناوله إعادة قيادة الحكومة الإسبانية.

    وقبل هذه الانتخابات، فإن بيدرو سانشيز منتخبٌ على رأس حزب العمال الاشتراكي، وحصل الانتخاب في سياق من التنافس، مع قادة حزبيين آخرين ينتمون معه لذات الحزب. لو كانت لدى المغرب ملفات على بيدرو سانشيز، كانت قد وصلت لهؤلاء القادة المنافسين له، وكانوا قد فضحوه بواسطتها، وأزاحوه من قيادة الحزب، هذا دون الحديث عن أجهزة المخابرات الإسبانية، والإعلام، والقضاء، والجيش، والدولة العميقة في مدريد. فكل هؤلاء لا يمكنهم القبول بوجود رئيس وزراء لبلدهم، خاضعٌ للسيطرة المغربية، لأن لدى الرباط ملفات سرية تدينه بخروجه عن القوانين الإسبانية. الأمور لا يمكن أن تكون على هذه الصورة الساذجة والسطحية..

   إسبانيا باتت الشريك التجاري الأول للمغرب قبل فرنسا، وهناك مشروع الربط القاري بين إفريقيا وأوروبا الذي سيمر من البلدين، بالإضافة إلى الترشيح الثلاثي المشترك بين البرتغال وإسبانيا والمغرب لتنظيم مونديال 2030 لكرة القدم، هذا دون الحديث عن محاربة الإرهاب والهجرة السرية صوب أوروبا والتي يلعب فيها المغرب دورا محوريا، فنحن أمام مشاريع كبيرة قائمة وأخرى يتجهز البلدان لإنجازها، بما ينعكس إيجابا على كل منهما… وفي ضوء ما سلف، حتى إذا افترضنا أن عطلة بيدرو سانشيز في المغرب كانت ذات طبيعة سياسية، فإن الرجل كان يبحث، من خلالها، عن مصلحة بلده بالدرجة الأولى والتي تتجسد في علاقات جيدة مع جيرانه المغاربة. ولذلك تبدو الحملة عليه، من طرف خصومه السياسيين، بسبب هذه العطلة، لا تعدو كونها مزايدات شعبوية…

Visited 6 times, 1 visit(s) today
شارك الموضوع

عبد السلام بنعيسي

صحافي وكاتب مغربي