إقفال تلفزيون لبنان الرسمي .. الدولة لا تدفع رواتب الموظفين
السؤال الآن ــــ متابعات
من مظاهر الانهيار التام في الدولة اللبنانية القرار الذي اتخذه اليوم وزير الإعلام في حكومة تصريف الأعمال زياد المكاري بإقفال تلفزيون بسبب المشكلات التي يعاني منها التلفزيون منذ مدة منها الرواتب ورفض الموظفين الإستمرار بعملهم رغم المحاولات العديدة لإيجاد حلول.
وبذلك، توقف التلفزيون عن بث برامجه الإعتيادية بقرار من الوزير، إلى حين عودة الموظفين عن إضرابهم الذي بدأوه إحتجاجًا على عدم قبض مستحقاتهم منذ 22 شهرًا.
ووفق معلومات فإن قرار وزير الإعلام لا يعني قراراً بالإقفال التام، وإنما بوقف البث حصراً للتكاليف المالية، إلى أن توقف النقابة إضرابها. علماً أن ملف تلفزيون لبنان سيكون على طاولة مجلس الوزراء في الجلسة المقبلة. وقد رأى الوزير أن استمرار البث خلال الإضراب يكبّد “تلفزيون لبنان” مصاريف كبيرة، خاصة أن وجود الموظفين في المؤسسة يتطلب تشغيل المولدات وشراء المحروقات.
وطالب مكاري نقابة مستخدمي “تلفزيون لبنان” بوقف الإضراب بعدما تأمنت الأموال المطلوبة لدفع مستحقات العاملين وباتت في المصرف. لكن النقابة تصر على دفع المستحقات قبل وقف الإضراب.
واشار موظفون الى أن هناك مستحقات لنا لم تصرف منذ الأزمة عام 2021، والموظف في تلفزيون لبنان يبلغ راتبه 4 أو 5 ملايين ليرة إضافة إلى بدل النقل، والى أن هناك نحو 6 مليارات حُوّلت من المالية إلى مصرف لبنان وتخص تلفزيون لبنان، وتغطي 4 رواتب عن أيار وحزيران وتموز، فيما يحق للموظفين بـ7 رواتب إضافية، لكن حتى هذه الأموال لم تُصرف.
وكان قد مضى على اضراب موظفي “تلفزيون لبنان” أكثر من ثمانية أيام من دون أي معالجة لأسباب الاضراب والتي ترتبط برواتب الموظفين التي لم تصرف بعد.
وانقطع بثّ شاشة “تلفزيون لبنان” عن الأقمار الصناعية والأرضية، فيما توقّف البث عبر الموقع الإلكتروني أيضاً، مع رفع عبارة “مستمرّون بالإضراب العام المفتوح حتى نيل كلّ مستحقاتنا”.
من جهته، علّق رئيس الجمهورية الأسبق ميشال سليمان على الأمر قائلاً: “إنّها مفاعيل تردّدات جهنّم وفضائل شياطينها جعلت مؤسسة (تلفزيون لبنان) الذي انطلق قبل أيّ إعلام مرئي يسقط ويقفل كأنّه يمسح صفحات تراثية من ذاكرة الوطن. حان الوقت للصحوة”.
وتلفزيون لبنان اسس على ثلاث مراحل: كانت الأولى في نهاية الخمسينات وبداية الستينات (عبر شركتين خاصتين بالكامل)، والثانية عام 1978 كشركة مختلطة مساهمة، مناصفة بين القطاعين العام والخاص باسم “تلفزيون لبنان”(مرحلة الدمج )، والثالثة عام 1996 حيث استحوذت الدولة على اسهم القطاع الخاص وبات تلفزيون لبنان مملوكاً من الدولة اللبنانية بالكامل.
في تشرين الاول عام 1954 تقدّم رجلا اعمال لبنانيان هما وسام عز الدين والكس مفرج، بطلب لانشاء شركة بث تلفزيوني. وفي شهر آب 1956 تمّ توقيع اتفاق مع الحكومة اللبنانية من 21 مادة، اعطيت بموجبه “شركة التلفزيون اللبنانية” ترخيصاً للارسال التلفزيوني لمدة 15 عاماً. وفي ربيع العام 1957 وضع رئيس الجمهورية كميل شمعون ورئيس الوزراء سامي الصلح، حجر الاساس لمبنى اول تلفزيون في الشرق الاوسط، على تلة رملية في بيروت “تلة الخياط”. وفي 28 ايار 1959 انطلق البث التلفزيوني من لبنان عبر محطة “شركة التلفزيون اللبنانية”، وتعارف عليها المشاهدون باسم “القنال 7”. في تلك الفترة لم تتعد فترة البث الست ساعات، من السادسة مساء حتى منتصف الليل. وقد اسهم نجاح هذه المحطة في تشجيع مجموعة من رجال الاعمال اللبنانيين على انشاء محطة تلفزيونية ثانية، حصلت على ترخيص في تموز 1961 باسم “تلفزيون لبنان والمشرق”، وبدأت الارسال في ايار 1962 من مقرها في الحازمية شرق العاصمة وعرفت باسم “القنالين 5 و 11tl
ساعد قيام محطة ثانية في خلق منافسة حادة بين المحطتين لتقديم برامج شغلت اللبنانيين، وكانت تقدم مباشرة على الهواء، ومنها “بيروت في الليل” و”ابو سليم الطبل” و”ابو ملحم” و”الزجل”، فضلاً عن المسلسلات الاجنبية والافلام المصرية والاميركية والمصارعة الحرة، اضافة الى الحوارات السياسية والفنية والاجتماعية ونشرتين للاخبار، واحدة على كل محطة.
مع اندلاع الحرب في لبنان العام 1975، انقسمت بيروت بين شرقية وغربية، فاستولى فريقا النزاع على المحطتين في الحازمية وتلة الخياط، وباتت نشرتا الاخبار بين المحطتين قصفا اعلاميا متبادلا خلال حرب السنتين (1975 – 1976). وفي محاولة لانقاذ الشركتين تدخلت الحكومة في العام 1977 وبعد توقف الحرب، وانشأت شركة مختلطة باسم “تلفزيون لبنان”، وتم استيعاب الشركتين بحصة مقدارها خمسين بالمئة من الاسهم للقطاع الخاص، فيما استكملت الدولة نسبة الخمسين الاخرى. وحصل تلفزيون لبنان على ترخيص لمدة 25 عاماً، ومنح احتكار البث التلفزيوني في لبنان حتى العام 2012، وبات له مجلس ادارة موحّد من اثنين عشر عضواً يعين مجلس الوزراء ستة منهم، ويكون الرئيس المدير العام من بينهم. وبات التلفزيون يبث على اربعة اقنية، هي: 5 و11 و7 و9، حيث خصصت القناة 9 للغة الفرنسية.
بين العامين 1988 و 1996 جرى تداول اسهم القطاع الخاص بين اكثر من مستثمر، كان آخرهم الرئيس رفيق الحريري، الذي اشترى حصة القطاع الخاص بالكامل، وبعد صدور قانون الاعلام المرئي والمسموع الرقم 382/94، واثر الترخيص لعدد من المحطات الخاصة، فقد تلفزيون لبنان الحق الحصري الممنوح له بالبث لغاية العام 2012، واشترت الدولة حصة القطاع الخاص وباتت منذ العام 1996 تملك اسهم تلفزيون لبنان بالكامل.
منذ ذلك الحين، باتت المنافسة شديدة على تلفزيون لبنان من المحطات الاخرى واثر ذلك شحـّت مداخيله الاعلانية الى الحدود الدنيا، فتعرض للكثير من المعاناة، الى ان تمّ اقفاله في آخر شباط من العام 2001، وصرف جميع مستخدميه الذين فاقوا الخمسمئة والخمسين مستخدما بقرار من مجلس الوزراء، على ان يعاد تنظيمه من جديد خلال ثلاثة اشهر. لكن فترة الثلاثة اشهر لم تكن كافية، فاعيد فتحه على عجل في 25 ايار 2001، وصرفت له موازنة ضئيلة جدا من قبل الدولة. ومنذ ذلك الحين يحاول تلفزيون لبنان النهوض من جديد في ظل ظروف صعبة. منذ العام 1978 تعاقب على منصب رئيس مجلس الادارة المدير العام لتلفزيون لبنان ثمان شخصيات هم: شارل رزق، موسى كنعان، ريمون جبارة، جورج سكاف، فؤاد نعيم، جان كلود بولس، ابراهيم الخوري وطلال المقدسي.
تلفزيون لبنان اسس للاعلام المرئي ومعظم الفنانين الكبار اطلوا من شاشته على الجمهور اللبناني والعربي، وكان مبادرا في اطلاق برامج الهواة والـ “توك شو”، وأرشيف تلفزيون ارشيف غني ولديه افلام وبرامج نادرة.