انتهاء شهر العسل السعودي ـــ الإيراني وإنعكاساته على لبنان

انتهاء شهر العسل السعودي ـــ الإيراني وإنعكاساته على لبنان

أجمد مطر

في ظل تصاعد التجاذب الاقليمي هل سيتحول المأزق اللبناني والفراغ الرئاسي لاستحالة فصله عن الصراع الدولي الذي يشهده الاقليم، منذ أسابيع، بحيث ان معظم الأوساط السياسية متشائمة بإمكان إحداث خرق في انسداد المشهد السياسي في القريب المنظور.
لم يعد خافياً بأن ما يشهده لبنان بعد سلسلة التطورات السلبية يعكس تبدلاً في منحى التهدئة ومناخ الاسترخاء اللذين نجما عن اتفاق بكين بين إيران والمملكة العربية السعودية في 10 آذار الماضي، الذي شكل صدمة إيجابية للبعض وسلبية للبعض الآخر. التشنجات الداخلية اللبنانية بقيت على حالها إثر اتفاق بكين، رغم دعوة بعض قوى الممانعة إلى الإفادة من أجواء التهدئة والميل نحو التسويات الذي أطلق اتفاق بكين التكهنات حولها .
وبعد ما يسميه البعض انتهاء شهر العسل الإيراني ـــ السعودي عادت التشنجات فتصاعدت أكثر. أحداث عين الحلوة الدموية نفسها هي وليدة التراجع في آمال انعكاسات التهدئة الإيرانية ـــ السعودية في الإقليم. هكذا يمكن فهم المغزى العميق الذي أراد عضو اللجنة المركزية لحركة فتح المكلف من الرئيس محمود عباس بأوضاع مخيمات لبنان عزام الأحمد، قوله في أحد تصريحاته بأن جهات إقليمية تقف خلف أحداث عين الحلوة .
إذا كانت مستجدات الصراع الإقليمي الدولي فرضت الانفجار الأمني في عين الحلوة، فليس مجافياً للحقيقة القول إن الاستحقاق الرئاسي اللبناني سيخضع أكثر فأكثر لتعقيدات هذا الصراع، من باب تكريس موقع لبنان كساحة وصندوق بريد بين معسكرين، ولا سيما بين إيران والولايات المتحدة الأميركية وبين الأولى ودول الخليج. كان لبنان كذلك وسيبقى حتى إشعار آخر. فلا إيران ستقف متفرجة على سعي الولايات المتحدة إلى انتزاع الورقة الفلسطينية منها عبر مشروعها لتحقيق سلام سعودي إسرائيلي، رغم الصعوبات التي يواجهها بفعل الإصرار السعودي على نيل الفلسطينيين حقوقهم السياسية، ولا أميركا ستسمح بمحاولات طهران تقويض مشروعها، بانتزاع الاعتراف بما حصده تمددها، ولا السعودية ستترك طهران تستحوذ على المزيد من الأوراق وصولاً إلى نوع من السيطرة على مخيمات لبنان بانتزاع مرجعيتها عن طريق مجموعات إسلامية مشتتة، في إطار ما يسمى وحدة الساحات، وصولاً إلى الإمساك مجدداً بالموقع الدستوري الأول في البلد، رئاسة الجمهورية .
قد يتساءل البعض ما العلاقة بين دفع أميركا بقواتها في الخليج العربي وبحر عُمان من طرادات وحاملات طائرات مقاتلة، وإصرار طهران على أن أمن المجال البحري يقع على دول الجوار من دون تدخل الولايات المتحدة، وبين اختيار هذا المرشح أو ذاك للرئاسة في لبنان. إلا أن القوى المتصارعة تعرف أكثر من غيرها أن مبدأ وحدة الساحات يشمل الإمساك بالقرار السياسي في قمة السلطة فيها بعد استثمار على مدى عقود في تغيير موازين القوى بالحديد والنار، جعلت رموز الممانعة يعتبرون أن الوضع في الإقليم لصالحنا. وهذا ما يقحم لبنان ورئاسته في حمأة النسخة الجديدة من الصراع إلى ذروة مقبلة، ويضعه في صلب مخاطر انزلاق نحو مواجهة مع وكيل أميركا، إسرائيل، مجدداً .
في هذا الخضم هناك من فهم حاجة حزب الله القصوى إلى الإمساك بالقرار اللبناني على أنها فرصته من أجل انتزاع مكاسب ومنافع منه على القياس اللبناني الصغير والطائفي، مثلما فعل في العهد الرئاسي السابق، مقابل التسليم له بقمة السلطة. وهذا ما يفعله رئيس التيار الوطني الحر النائب جبران باسيل عبر طرحه على حزب الله المقايضة بين تجيير أصوات كتلته النيابية لمصلحة المرشح سليمان فرنجية وبين أهداف معلنة مثل اللامركزية الإدارية الموسعة والصندوق السيادي المشروع المطروح في صدده قدمته كتلة حزب القوات اللبنانية، وأخرى غير معلنة تحت غطاء بناء الدولة التي ساهم الحليفان شر مساهمة في هدمها وتحطيم بقاياها. فالمقصود باحيائها حصد تعيينات في مناصب عليا للإمساك بمفاصل اساسية فيها .
بينما يعتقد البعض أن هذه المقايضة لن تنجح، لأنها تقحم البلد في الصراع الإقليمي والدولي الكبير في شكل لا يحتمله، هناك من لا يستبعد أن يحفز هذا الصراع الحليفين على محاولة السطو على الرئاسة والمكاسب من وراء تنازل باسيل، طالما يؤدي اتفاق الحزب مع التيار إلى ضمان 65 صوتاً لمصلحة فرنجية في الدورة الثانية من الاقتراع، لأن أياً من فرقاء المعارضة لن يتمكن من إسقاط النصاب للحؤول دون ذلك
ينتظر حزب الله ورقة خطية من التيار الحر تشرح تفاصيل المقابل الذي اقترحه باسيل. وهو يفضل نصاً مكتوباً للاتفاق الذي عرضه باسيل، لم ينجزها التيار بعد، ليتسلمها الحزب ويبني على الشيء مقتضاه .
ختاماً ان الشغور الرئاسي ليس نتيجة خلاف على شخص الرئيس بمقدار ما هو جزء من الخلاف على الجمهورية ومن يتحكم بها ومن أجل أي مشروع. ومعارك عين الحلوة تتجاوز كونها اشتباكات بين فصائل تنتهي بتهدئة كالعادة الى كونها مختصر صراع إقليمي معقد في حرب على مراحل لها اهداف في لبنان وخارجه .

Visited 3 times, 1 visit(s) today
شارك الموضوع

أحمد مطر

صحفي وكاتب لبناني