مجددا الحقوق الكاملة .. مقابل السيادة التامة
د.علي احمد مراد
من يعرف واقع المخيمات الفلسطينية، ولا سيما مخيم عين الحلوة، يدرك تماما ان الهدوء هو الاستثناء والانفجار هو الامر المتوقع. الهدوء هو نتيجة ضبط الاوضاع والتوازنات والامساك الامني من اطراف عدة وليس لأي سبب آخر.
لكن وبعيدا عن الاحداث الاخيرة (التي سبقتها احداث وستليها اخرى للأسف) ماذا عن مستقبل الشعب الفلسطيني في لبنان وماذا عن علاقة المجتمع اللبناني مع هذه المسألة؟
لا شك ان المجتمع الفلسطيني في لبنان يواجه تحديات جمة، ولكن يبقى التحدي الابرز في علة الوجود في لبنان والدور والمستقبل والخيارات: العودة غير متاحة في المدى المنظور، وكذلك العمل المسلح المباشر لتحرير الأرض. اذن، ما نحن فاعلون وما هو مستقبلنا؟ وكذلك هو المجتمع اللبناني الغارق في القلق على مستقبله والمتعب اقتصاديا وسياسيا وامنيا، من حقه ان لا يحلم بأن يكون بلدا عاديا، لديه سلطة واحدة وجيش واحد وسلاح بيد الدولة. صدقا، لا يطلب الكثير هذا الشعب اللبناني.
واقع المخيمات الفلسطينية هو تراكم عمره عقود طويلة من عمر النكبة. أحد لم يكن يتوقع ان يطول البقاء في لبنان الى أن جاءت هزيمة الــ 1967. ومن بعدها انعقدت الانقسامات الداخلية اللبنانية مع الصراعات الاقليمية والدولية وحدث ما حدث. ومع انتهاء الحرب الاهلية، أراد النظام السوري الابقاء على واقع المخيمات على حاله ومنع أي حل فعلي للمسألة كي تبقى ورقة يساوم فيها كما ساوم على لبنان ومصالحه.
الشعب اللبناني الذي لم يتقاعس يوما عن دعم قضية فلسطين وشعبها، يستحق اليوم أن تتقدم مصلحته الوطنية العليا على كل ما عداها من أولويات وان تتحدد معالم خياراته الداخلية والخارجية في السعي الى الخروج من الانهيار، والامل في اعادة النهوض الاقتصادي واعادة بناء الدولة.
ولأن اول متضرر من تحوّل المخيمات الفلسطينية الى “غيتوات” هو المواطن/ة الفلسطينية، بحيث صار اي هارب او مطلوب او ملاحق يلجأ اليها، انا على يقين ان الأكثرية الساحقة من الفلسطينيين في لبنان يتمنون دخول الدولة اللبنانية إلى المخيمات وتحمل مسؤولياتها.
شعب لبنان الذي لم يتقاعس يوما عن دعم قضية فلسطين وشعبها، يستحق اليوم أن تتقدم مصلحته الوطنية العليا على كل ما عداها من أولويات وان تتحدد معالم خياراته الداخلية والخارجية في السعي الى الخروج من الانهيار، والامل في اعادة النهوض الاقتصادي واعادة بناء الدولة.
ولكن كي يحدث ذلك، أو فلنقل كي يبدأ النقاش الحقيقي الجدي والمسؤول حول هذه المسالة، لا بد من اعتراف الدولة اللبنانية وسلطاتها السياسية ان مسألة التمييز القانوني الذي يتعرض له اللاجئ الفلسطيني في لبنان مسألة لا ينبغي أن تستمر. على الدولة اللبنانية واحزابها ان تدرك ان المقاربة الامنية للملف الفلسطيني غير مجدية اذا لم تترافق مع بحث جدي في مسألة الحقوق. وبهذا المعنى، منح الفلسطينيين الحقوق المدنية فيه مصلحة لبنانية بقدر ما فيه مصلحة فلسطينية. فاذا كان من حق المواطن/ة اللبناني ان يعيش حياة طبيعية ويحلم بمستقبل افضل له ولعائلته، كذلك هو حق المواطن/ة الفلسطينية في رسم مستقبلا افضل له. صحيح، هي كبيرة جدا الالتباسات التاريخية وسوء الفهم بين الشعبين اللبناني والفلسطيني، وحذر متبادل يحكم هذه العلاقة. ولكن، ربما يتوجب علينا ان نقول الأمور بصراحة متناهية: ليس في مصلحة احد ان يستمر الحال على ما هو عليه.
صحيح انه من حيث المبدأ، لا السيادة اللبنانية ولا الحقوق الفلسطينية يجب ان تكون معلقة بشرط. ولكن، وبالنظر الى الواقع القائم، ولأن لا سيادة دون حقوق، ولا مستقبل افضل للشعبين دون تحقيق السيادة والحصول على الحقوق، فلنذهب كلانا، كمجتمع لبناني ومجتمع فلسطيني، ونتجاوز التباسات الماضي ومآسيه وننحاز للمصالح لا الى الهواجس، ونخرج من الدائرة المفرغة، وننقاش بكل مسؤولية المعادلة التالية: الحقوق الكاملة مقابل السيادة التامة.