دمنا الرخيص
فؤاد صالح*
في كل الحروب العربية مع العدو الصهيوني، منذ العام 48 وحتى يومنا هذا، كنا نقدم صورة عن أنفسنا كعرب بأننا رخصاء، الدم العربي رخيص، الإنسان العربي رخيص، امام الإنسان الاسرائيلي، كنا نفرح بكل عملية يتم خلالها أسر إسرائيلي، نفرح لاعتقادنا بأن هذا الأسير سوف يعيد لنا آلاف الأسرى الفسطينيين والعرب أمواتا كانوا أم أحياء. كنا نفكر بأن ما قمنا به إنتصار، ونحسب كم سنجني من خلاله من أرباح بأي مفاوضات لتبادل الأسرى. كنا إذا حصلت منظمة التحرير الفلسطينية على أي جزء أو أي طرف من جسد جندي اسرائيلي نفرح لأننا سنستبدله بآلاف الأسرى،
بعد كل هذه التجارب مع العدو منذ نشأته وحتى اليوم للأسف لم نفهم شيئا من دروس عشناها.
في اللحظات الأولى لعملية غزة “طوفان الأقصى”، لم استطع إخفاء فرحتي من حجم الخسائر الاسرائيلية، ولكن خوفي كان أكبر، لأني لم اقتنع بهذه المسرحية الفاشلة التي قامت بها اسرائيل ومثلتها “حماس”، خصوصاً بعدما رأيت الأفلام التي بثت والتي لم تخل من مشاهد القتل والدم التي قامت بها القوى المهاجمة للمستوطنات المحيطة بغزة. كنت اسأل نفسي هل جماعة “حماس” أغبياء لهذه الدرجة ليقوموا بما قاموا به؟
هل كان من داع لتصوير هذه الأفعال والتي أظهرت مشاهد قاسية وهل تم التساؤل كم سيستفيد منها العدو، وهذا ما حصل حيث استخدمتها إسرائيل لقلب الرأي العام في العالم، والذي كان بالإجمال يتضامن مع الفلسطينيين.
هل قامت “حماس” بحساب عدد الذين قتلوا من الاسرائيليين وحسبت كم سيكون حجم الرد.
انا لا أعتقد بأنهم قاموا بهذه الحسابات، لأن من أعطاهم الأمر ليفعلوا ذلك كان يعلم علم اليقين ذلك، ولكنه فعل ذلك لأنه لن يقدم أي خسارة من رصيده فقط، هو كان شريك بالارباح فقط، وان الخسارة ستكون على الشعب الفلسطيني وحده.
كان هناك مصلحة لاسرائيل بهذه العملية وعلى رأسها رئيس الحكومة المتطرفة بنيامين نتنياهو الذي كان يعاني من أزمة داخلية تكاد تنهي حياته السياسية، وعليه ألف هذه المسرحية وسمح لـ “حماس” بتمثيلها حتى النهاية
ولنسأل أنفسنا اليوم كم عدد الاسرائيليين الذين قتلوا بهذه العملية وكم عدد الجرحى وحجم الدمار في المستوطنات وعليه سنقوم بعملية حسابية بسيطة لنعلم إلى أين ستتجه الامور؟ .
قتل بهذه العملية مئات القتلى في الجيش وأصيب آلاف الجرحى وكذلك بين الاسرائيليين واصيبت مستوطنات بالصواريخ لكن دمرت غزة وقتل الاطفال ومحيت احياء بكاملها وربما الأتي أعظم مع الاجتياح البري المنتظر.
فإذا ما عدنا للحديث عن قيمة كل اسرائيلي من الفلسطينيين، سنعلم بأنه سيكون هناك الكثير الكثير من المجازر من ضحايا العدوان قتلى وجرحى ودمار لن تقوم له قائمة، ولن أتحدث عن الأسرى لاني على يقين بأن الاسرائيلي لن يحتاجهم بعد اليوم.
لن اتفاجئ بأي مجزرة تحصل كما جرى في المستشفى المعمداني وعليكم ان تفعلوا مثلي لاننا سنضيع التعداد، وبرأيي لا احد يتكلم عن حجم الدمار بغزة بل اسألوا أنفسكم هل سيبقى شي اسمه غزة أم ستمحى عن الخارطة الفلسطينية؟
*ناشط سياسي لبناني