سعي إسرائيل إلى محو الثقافة بفلسطين
كاركاسون- المعطي قبال
في حرب غزة، ألحقت إسرائيل الدمار لا فحسب بالإنسان والحيوان والطبيعة، بل أيضا بالثقافة وبما يمث لها بصلة قريبة أو بعيدة. وبما أن الحرب هي في طور مستدام، فلم يحن الوقت بعد للقيام بجردة دقيقة لحصيلة الخسائر النهائية. وللوقوف عند الحصيلة الأولية، أصدرت وزارة الثقافة في السلطة الفلسطينية «تقريرا تمهيديا ثانيا» بالخسائر التي تضرر منها قطاع الثقافة جراء هذه الحرب. ويرصد التقرير لحصيلة مؤقتة تؤكد على الثمن المرتفع الذي أدته الثقافة باستشهاد العديد من الفنانين والكتاب وتخريب أكثر من موقع ثقافي.
ونعت وزارة الثقافة استشهاد ما «أسمتهم بشهداء القطاع الثقافي» خلال قصف الطيران أو مواجهات مع العدو الإسرائيلي ومن بينهم منتصر الصواف، نجل الصحافي مصطفى الصواف، الذي قتل بدوره وعدد من أفراد عائلته في غارة إسرائيلية على بيتهم في غزة. كما وردت في القائمة أسماء كل من عبد الله العقاد، عبد الكريم حشاش، سعيد الدهشان، يوسف دواس، الكاتبة هبة أبو ندى، عمر الشويش، نور الدين حلاج، رفعت العرعير.
صحافيون، روائيون وشعراء قضوا عن قصد أو غير قصد في القصف خلال الغارات الإسرائيلية. وستبقى ذكراهم وذاكرتهم نابضة في الوعي واللاوعي الفلسطيني. فالذاكرة الفلسطينية لا تعرف النسيان ولا المغفرة للمجرمين. كما يشير هذا التقرير التمهيدي إلى وضعية دور النشر والمكتبات التي تهدمت جراء القصف الإسرائيلي. كما أن الأرشيفات المركزية كانت مستهدفة إضافة إلى الخزانة المركزية لمدينة غزة.
هذا علاوة على هدم وتخريب المركز الثقافي لرشاد شوا بغاية «نشر الجهل بالمجتمع». ثمة ظاهرة جديدة بدأ المثقفون الفلسطينيون في توظيفها هي تدوينهم على شكل مذكرات يومية لوقائع الحرب في كبريات المجلات والصحف الغربية. هكذا كتب مصعب أبو توهة ب النيويوركر شهادة عن الحياة اليومية التي لحقها الخراب بغزة. كما دون عاطف أبو سيف، وزير الثقافة والروائي والقاص على صفحات «لوبس» وصحيفة لوموند حصار الحرب بعد تواجده بغزة لمدة 84 يوما رفقة ابنه البالغ من العمر 15 سنة. كما وثق بعض الصحافيين الفلسطينيين بالتسجيل الحي والصورة مسلسل التخريب للبشر والحجر مثل التحقيق المصور الذي أنجزه رامي أبو جاموس على قناة ارتي. في شهادته، لم يراوغ عاطف أبو سيف الحقيقة بل كتب رأسا: «ستظلّ هذه الحرب الأكثر بشاعة في تاريخنا بعد النكبة، وستظلّ تذكّرنا أن نكبة جديدة كانت قاب قوسين، لو نزحنا أكثر إلى الجنوب وعبرنا الحدود… بعد الحرب، سنفيق على عالمنا الجديد. العالم الذي خذلنا فيه الجميع. العالم الذي تُركنا فيه نموت ونُذبح، والعالم لا يطلب من الجزّار شيئاً إلا أن يذبحنا بهدوء».