لو كنت بيننا اليوم لاستشهدت ثانية

لو كنت بيننا اليوم لاستشهدت ثانية

وفيق الهواري

     في مثل هذا اليوم  قبل 49 عاما، في السابع من آذار/مارس 1975، شهدت صيدا أكبر جنازة في تاريخها، إذ شارك أكثر من 150 ألف إنسان من مختلف المناطق والمكونات الاجتماعية في تشييع الزعيم الشعبي معروف سعد، وقد لف جثمانه بالعلم الفلسطيني، والذي استشهد متأثرا بجراحه بعد إطلاق النار عليه يوم 26 شباط/فبراير 1975 أثناء سيره في مقدمة تظاهرة صيادي الأسماك، رفضا لسياسة الاحتكار التي حاولت السلطة اللبنانية فرضها على صيادي الأسماك من شمال البلاد إلى جنوبها.

   معروف سعد، رجل تماهى تاريخه الشخصي مع تاريخ المدينة الوطني. بنى زعامته الشعبية من موقع متابعته النضال منذ عام  1936 حتى تاريخ استشهاده، وكان، طوال حياته أمينا على ثلاثة ثوابت لم يتراجع عنها مهما كلفه الأمر وقدم حياته دفاعا عن أحد تلك الثوابت.
كان منحازا لضرورة بناء دولة لجميع مواطنيها بديلا عن دولة الطوائف وامتيازات هذه الطائفة على حساب الطوائف الأخرى. وبنى علاقاته مع القوى السياسية الأخرى على أرضية إيجاد المساحة المشتركة لبناء مثل هذه الدولة. لذلك انحاز لتجربة فؤاد شهاب، والتي حاول شهاب من خلالها بناء مؤسسات عامة للدولة تخدم كل المواطنين في مختلف المناطق، لكن تجربة شهاب فشلت لاعتقاده وآخرين أن بالإمكان بناء هذه المؤسسات في ظل نظام طائفي عميق. وهذا ما يفسر مشاركة جمهور كبير من مختلف المناطق والمشارب في تشييع الشهيد معروف سعد.

   كان ملتزما بالقضية الفلسطينية، ومشاركا في نضال الشعب الفلسطيني منذ عام 1936. في مقابلة أجريتها مع المرحوم شفيق الأرناؤوط، روى لي كيف كان يساعد معروف سعد وآخرين من أبناء المدينة على تنظيف الأسلحة في أحد بساتين حي الوسطاني، قبل نقلها وتهريبها إلى الثوار في فلسطين عام  1936. والتاريخ يشهد له قيادته لمجموعة من المتطوعين للقتال ضد العصابات الصهيونية عام 1948، ومنها معركة المالكية، وهي قرية فلسطينية ملاصقة لبلدة عيترون اللبنانية.
   سألني ابني مرة وكان ما زال صغيرا: “تخبرنا دوما عن معروف سعد ونضاله إلى جانب الشعب الفلسطيني، ولكنك لم تكن قد ولدت بعد، أريد سماع بعض الحوادث على لسان من عاشها”.
   اصطحبته في زيارة لمنزل عمي أبو درويش ” خضر سكيني” الذي روى لابني ما حدث في المالكية، وكيف قاتل المتطوعون اللبنانيون ضد العصابات الصهيونية، وكيف استشهد ابن صيدا ديب عكرة ودفن في الأرض الفلسطينية، والدور القيادي الذي لعبه معروف سعد.
 في العام 2007، أجريت مقابلات مع عدد من المناضلين الفلسطينيين الذين شاركوا في عمليات عسكرية ضد العدو الصهيوني انطلاقا من الجنوب، وذلك قبل هزيمة 1967. أجمعوا خلالها على الدور القيادي والمميز للشهيد معروف سعد في تسهيل وصولهم إلى الاراضي المحتلة، وكيف كان يستخدم سيارته النيابية في نقل المناضلين وأسلحتهم. وذكر أحدهم كيف أن الأجهزة الأمنية اللبنانية اعتقلت أحد المناضلين بعد عودته من الأراضي المحتلة ونقلته إلى إحدى الثكنات العسكرية، يومها سارع رفاقه إلى صيدا وأخبروا معروف سعد بالأمر، وفورا توجه سعد إلى الجنوب وعمل على إطلاق سراح المناضل الفلسطيني وإيصاله إلى مقر إقامته.
   لقد ظل معروف سعد أمينا على مواقفه من القضية الفلسطينية، ووقوفه إلى جانب الشعب الفلسطيني حتى استشهاده، وهذا ما يفسر لف جثمانه بالعلم الفلسطيني، وهو اعتراف من الجميع بدوره الفلسطيني المميز.

   كان معروف سعد منحازا طوال حياته إلى جانب فقراء الوطن وفئاته الشعبية. في خمسينيات القرن الماضي، كان معروف سعد ضابط شرطة، وقد رفض قمع تظاهرة عمالية تطالب بحقوق العمال والمستخدمين في بيروت، كان يقف الى جانب أصحاب الحقوق حتى لو كانوا في موقع سياسي آخر، وخير مثال على ذلك ما حدث عام 1961 في تعمير عين الحلوة، كان يتابع قضايا الناس مجموعات وأفراد، ولا ننسى مواقفه من عمال الريجي في الغازية  عام 1970، وعمال غندور عام 1972، ومزارعي التبغ عام 1973 وصولا إلى استشهاده دفاعا عن حقوق صيادي الأسماك عام 1975.
إنها ثوابت لم يتخل معروف سعد عنها يوما.
   واليوم وبعد 49 عاما على استشهاده، الكيان اللبناني الذي حلم معروف سعد بأن يكون وطنا للجميع، يتجه نحو التفكك، المجازر الصهيونية ضد الشعب الفلسطيني مستمرة باتجاه الابادة الجماعية، وفقراء الوطن يتحولون، بسبب زعماء الطوائف إلى متسولين لحقوقهم.

معروف سعد، لو كنت بيننا اليوم لاستشهدت ثانية.

Visited 10 times, 1 visit(s) today
شارك الموضوع

وفيق الهواري

صحفي وكاتب لبناني